بوركينا فاسو.. الوجهة الجديدة لـ«داعش» في إفريقيا وأسباب مهاجمة المدنيين

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

تعاني العديد من الدول الإفريقية وخاصة الواقعة غرب “القارة السمراء” ودول ساحلية من زيادة العمليات الإرهابية وتعاظم خطر التنظيمات المتطرفة وخاصة “داعش والقاعدة”، ومن بين الدول التي تعاني ارتفاع معدلات الاستهداف الإرهابي، تأتي بوركينا فاسو، وآخر الهجمات التي شهدتها الدولة هجوم نفذه مسلحون، الإثنين الماضي، تسبب بحسب مصادر من الشرطة، أمس الأربعاء، في مقتل 15 شرطيًا نتيجة الهجوم الأخير. وقال أوسيني كومباوري وزير الأمن في بوركينا فاسو، في بيان له، إن كمينًا نصب لوحدة من رجال الشرطة كانت تقوم بمهمة ببلدة يرجو، التي يعصف بها العنف في الآونة الأخيرة.

ويدلل الهجوم الأخير في بوركينا فاسو على زيادة الهجمات العنيفة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش في أنحاء منطقة الساحل الإفريقي، مما أودى بحياة الآلاف وتسبب في نزوح الملايين في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونزح نحو 1.2 مليون جراء العنف في بوركينا فاسو، وقتل مسلحون ما لا يقل عن 132 شخصًا، الشهر الماضي، في أدمى هجوم منفرد حتى الآن.

الضعف الاقتصادي والهشاشة الأمنية والتعدد الإثني والديني التي تعيشها بوركينا فاسو أوجد للجماعات الإرهابية ملاذًا آمنًا في هذه البلاد، وتتوسع يومًا بعد يوم، نتيجة ضعف المجتمع والدولة، لذلك أصبحت بوركينا فاسو بؤرة إرهابية جديدة في الساحل الإفريقي.

الوجهة الجديدة

يبدو أن تنظيم داعش الإرهابي، وجد بيئة خصبة لنموه وتمدده، في ظل مجتمعات شديدة الفقر والجهل والحرمان، من الخدمات الأساسية والتنمية، كما اتسمت هذه المناطق بضعف سيادة الدولة على أقاليمها، وفرض هيبتها على جغرافيتها، وعدم السيطرة على مواردها.

ويرى عبدالقادر كاوير، المحلل السياسي السوداني أن هدف داعش الحصول على الموارد بطريق سهلة جدًا، والهدف الثاني ممارسة ضغط المدنيين على الدولة في بوركينا فاسو، بسبب الأحداث، بالتالي “داعش” يوصل رسالة إلى العالم، بأنه ما زال موجودًا؛ مؤكدًا أن بوركينا فاسو أصبحت بالفعل الوجهة الجديدة لداعش.

لذلك وجد تنظيم داعش، فرصة للتمدد نحو أماكن تعدين الذهب، لتمويل أنشطته وعملياته، وداعش يستفد من ضعف النظام الأمني، وعدم الاستقرار في دول إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل الأفريقي، وأيضًا بسبب عدم وجود رقابة على الحدود، وذلك يسهل الأمر على عناصر داعش، من سرعة التنقل، وإعادة التمركز في المنطقة الحدودية، بين نيجيريا ومالي وبوركينا فاسو وساحل العاج.

مهاجمة المدنيين

مواجهة المدنيين تعتبر أقل كلفة عسكرية ومادية لتنظيم “داعش” وعدم إلحاق ضرر بعناصره لعدم امتلاك الضحايا المدنيين للأسلحة ووسائل المقاومة، وبالتالي أصبحوا أهدافًا سهلة للجماعات الإرهابية في إفريقيا، ويعود استهداف المدنيين في بوركينا فاسو لضعف الدولة وقلة خبرة قواتها العسكرية وأجهزتها الأمنية المشكلة حديثًا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بليز كامباوري.

ويقول أبوبكر فضل، الباحث في الدراسات الاستراتيجية، إن استهداف تنظيم داعش للمدنيين بصفة عامة يأتي في إطار الحرب التي يشنها لتحقيق أهدافه، وهي بث الرعب والترهيب في المجتمعات حتى تنقاد هذه المجتمعات بسهولة ودون إبداء أي مقاومة أو رفض لداعش، ليجد التنظيم التمدد والسيطرة وتشكيل حاضنة له من ناحية، ومن ناحية أخرى إرسال رسالة إلى الحكومات الإفريقية والمجتمع الدولي؛ بأن استهداف المدنيين هو السبيل الأسرع في إيقاظ العالم وتحريك الضمير العالمي للنظر في تعديل السياسات المضرة بهذه الجماعات الإرهابية حسب زعم تلك التنظيمات.

عنف كبير

شهدت مالي وبوركينا فاسو والنيجر منذ بداية العام الماضي، بحسب بيانات، نحو ٩٣٧ حادثة عنف، بزيادة قدرها ١٣٪ على ٢٠١٩، بينما تسببت الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو، حسب منظمة الأمم المتحدة في نزوح نصف مليون شخص منذ عام ٢٠٢٠ وحتى الآن ازداد الوضع الأمني تدهورًا في هذا البلد الفقير خلال شهر مايو الماضي، حيث تضاعف عدد الهجمات الإرهابية، خاصة تلك التي تستهدف المدنيين في القرى المعزولة شمال البلاد.

وبعد الإطاحة بالرئيس السابق كامباوري من الحكم في بوركينا فاسو بانتفاضة شعبية في عام ٢٠١٤م، والذي تولى السلطة في البلاد منذ عام ١٩٨٧م، شهدت بوركينا فاسو أوضاعًا فوضوية وأحداثًا مأساوية متعددة الاتجاهات منها صراعات قبلية والجريمة المنظمة العابرة للحدود والعمليات الإرهابية التي استهدفت القوات النظامية والمدنيين.

وتعاني بوركينا فاسو وجود جماعات إرهابية عديدة، أبرزها تنظيم أنصار الإسلام في شمال البلاد، وهو التنظيم الأقدم وجودًا كما ظهر حديثًا تنظيم داعش في شرق البلاد، والسبب الرئيسي المباشر لظهور نشاط الجماعات الإرهابية هناك، وازديادها يرجع إلى حل جهاز الأمن الرئاسي البوركيني وكتائبه القوية عقب الإطاحة بالرئيس صاحب القبضة الحديدية بليز كومباوري، وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وإدخال الميليشيات في هذه الأجهزة وتسليح المدنيين القبليين في بعض المناطق لمواجهة عنف الجماعات الإرهابية.

كل ذلك أدى إلى انتشار السلاح في البلاد وكذلك الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وبالتالي سادت الفوضى؛ فوجدت التنظيمات الإرهابية البيئة المناسبة للتمدد. وباتت التنمية تمثل الحل الأمثل في مواجهة مشكلة الإرهاب في بوركينا فاسو والمنطقة برمتها وإحداث التنمية الشاملة والاستقرار السياسي إلى جانب تقوية الأجهزة العسكرية والأمنية والإدارية بالمنطقة للقيام بدورها على أكمل وجه، مع إيلاء منطقة المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو الاهتمام اللازم من حكومات دول الساحل الإفريقي، وهذه الاستراتيجية تتطلب جهودًا محلية وإقليمية ودولية لإنجاحها بغرض استئصال جذور الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.

ربما يعجبك أيضا