التحالف الدولي واستراتيجية مكافحة الإرهاب.. تحديات جديدة

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى استعادة الثقة مع أعضاء التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش، من خلال اجتماع روما، والذي يمثل فرصة جديدة للتحالف الدولي، في محاربة تنظيم داعش، لكن هذا التحالف اليوم يواجه إرهابًا وتطرفًا عنيفًا غير الذي كان عليه في عام 2014، وهذا ما يمثل تحديا جديدا للتحالف الدولي من أجل الاستمرار والنهوض من جديد.

انعقد يوم 28 يونيو 2021، اجتماع التحالف الدولي، لمحاربة داعش، على مستوى وزراء الخارجية، شارك في الاجتماع 83 وزيرا ووفدًا من الدول الأعضاء في التحالف إضافة إلى وزراء خارجية دول عربية . وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن عشرة آلاف مقاتل من تنظيم “داعش” لا يزالون محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية.وطالب بلينكن الدول التي انضم مواطنيها إلى داعش بإعادة توطينهم وتأهيلهم..

 وبالتوازي مع اجتماع روما يتفاوض الخبراء في مجال مكافحة الإرهاب في الامم المتحدة، لجنة مكافحة الإرهاب، في نيويورك، على مراجعة استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب التي تجرى في العادة كل سنتين ولكنها تأجلت عام 2020 بسبب جائحة كورونا. وهنا يجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وقرار مجلس الأمن رقم 1373، والذي يلزم جميع الدول بتجريم المساعدة في الأنشطة الإرهابية، وحرمان الإرهابيين من الدعم المالي والملاذ الآمن وتبادل المعلومات حول الجماعات التي تخطط لهجمات إرهابية.

وخلال الاجتماع الدولي في سبتمبر 2005 في  مقر الأمم المتحدة، اعتمد مجلس الأمن – على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات للمرة الثالثة في تاريخه – القرار رقم 1624 بشأن التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية. كما أكد القرار على التزامات الدول بالامتثال لقوانين حقوق الإنسان الدولية.  وقد استخدمت الدول مراجعة الاستراتيجية التي تجري كل سنتين لتحديث إطار مكافحة الإرهاب ليشمل التحديات الناشئة والديناميات السياسية، مثل التركيز على تدابير التصدي للمقاتلين الإرهابيين الأجانب والتركيز على مكافحة التطرف العنيف.

يمثل الاجتماع فرصة لتجديد الالتزام الجماعي لأعضاء التحالف بالهزيمة النهائية لداعش ومنع أي محاولات لعودته . أكد الوزراء مجددًا على أهمية الحفاظ على الاهتمام الكبير بالالتزامات ، بما في ذلك الالتزامات المالية ، لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة في العراق وسوريا.  وكانت قضية محاربة داعش على “النطاق العالمي” ، لا سيما مع انتشاره السريع في أفريقيا. على رأس أولويات الاجتماع.

ما يهدف له الاجتماع هو استعادة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم من قبل دولهم تحديدا دول أوروبا. وذكرت تقارير أمريكية أن ما مجموعه 10.000 من مقاتلي داعش موجودون حاليًا في مراكز احتجاز مؤقتة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية بينما لا يزال عشرات الآلاف من النساء والأطفال في معسكرات إنسانية ويخضعون لقضايا أمنية كبيرة. لكن ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في الولايات المتحدة وعضو اللجنة الرئاسية ، بسام صقر ، ذكر في وقت سابق ـ مايو 2021 أن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال تحتجز حوالي 5000 من عناصر الأجانب.

أهمية الاجتماع

تأتي أهمية الأجتماع، كونه يعتبر ربما ثاني أوسع اجتماع للتحالف في أعقاب القضاء على معاقل تنظيم داعش في العراق وسوريا في نوفمبر عام 2017. ويأتي الاجتماع أيضا، بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام 2021، ناهيك أن التحالف الدولي خلال السنتين الأخيرتين في عهد الرئيس الأمريكي السابق ـ بايدن، شهد الكثير من التراجعات وربما وصل حد الانفراط، في أعقاب الانسحابات الأمريكية من شمال شرق سوريا والعراق.

النتائج

ـ  تعزيز العلاقة داخل التحالف واستعادة الثقة : يهدف الأجتماع إلى تعزيز العلاقة ما بين أعضاء هذا التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وتنشيط وتفعيل هذا التحالف، واستعادة الثقة مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.

ـ عوامل تطرف جديدة : لقد تغيرت الكثير من العوامل وظروف التطرف والتطرف العنيف وتقنيات الإرهاب ما بعد انطلاقة هذا التحالف الدولي عام 2014 ولحد الآن، فشهد العالم الكثير من التطورات، في مجال التكنلوجيا وأمن المعلومات والاستخبارات وتقنيات مكافحة التطرف والإرهاب، وهذا يعني أن هذا الاجتماع مطلوب منه أن يقدم سياسات وإستراتيجيات وأهدافًا جديدة لا تتحدد في محاربة تنظيم داعش بقدر محاربة التطرف والتطرف العنيف ومكافحة الإرهاب. مطلوب أيضا من التحالف الدولي، أن يضع آلية جديدة، تنظم العلاقة بين الأعضاء، وهذا ممكن يتوجب الكشف عنها من قبل الفرق الفنية لاحقا، ليكون الاجتماع، منعطفًا جديدًا في محاربة التطرف والإرهاب، ولا ينحصر كونه حدثًا سياسيًا لإدارة بايدن.

ـ التطرف “مترسخ” في أفريقيا : وردت عبارة “بقايا تنظيم داعش في أفريقيا” في اجتماع روما، وهي عبارة لا تتماشى مع واقع الإرهاب في أفريقيا على وجه الخصوص، ما هو موجود في أفريقيا، لم تكن بقايا داعش والقاعدة ، بقدر ماهي تنظيمات ونواة صلبة للجماعات الجهادية، في أفريقيا. إن الجغرافية والبيئة وإفقار القارة الأفريقية، جميعها خلقت ظروف تنامي التنظيمات المتطرفة، لكي تكون أوسع من قدرات القوات الأمنية الموجودة في أفريقيا، ابرزها قوة برخان بقيادة فرنسية، التي أنهى مهامها الرئيس الفرنسي ماكرون قبل فترة قصيرة. القوات الأممية والقوات الأوروبية غير قادرة حتى على حماية مقراتها، ناهيك عن الانتقادات الموجهة إلى فرنسا، باستغلال الثروات في أفريقيا.

ـ  التسابق من أجل النفوذ والثروات : تشهد أفريقيا اليوم تسابق وتنافس كبير بين الأطراف الدولية والإقليمية أبرزها الولايات المتحدة والصين، وكذلك روسيا ودول أوروبا، فالانسحاب “التكتيكي” لقوة برخان، أعطى دفعة قوية لروسيا، لأن تسد هذا لفراغ، وتضع نفسها بديلا عن فرنسا والقوة الأوروبية، وربما الولايات المتحدة. التسابق من أجل النفوذ والثروات، وليس من المستبعد أن تستغل أطراف دولية وإقليمية ورقة الهجرة والأمن من داخل أوروبا ضد أوروبا، وهذا ربما واحدة من أسباب التدافع الإقليمي والدولي في أفريقيا.

ـ تجريم الدول الداعمة للإرهاب : إن العودة إلى قرار مجلس الأمن ذي الرقم 1373 لعام 2001 والقرار رقم 1624 لعام 2005، يكفي لتجريم الدول الداعمة للإرهاب، وهنا تظهر أهمية المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، بمراقبة الدول التي لا تحترم تلك القرارات، رغم أن اللجنة لا تملك القوة بفرض العقوبات.

ـ تعزيز التعاون الدولي : ما يحتاجه العالم اليوم هو تعزيز التعاون الدولي والإقليمي أمام حقيقة أن الإرهاب، أصبح عابر للحدود، فلا توجد دولة بمأمن من الإرهاب ولا توجد دولة تحارب الإرهاب بمفردها.

ـ الدعاية المتطرفة : التنظيمات المتطرفة، خسرت “خلافتها المكانية” لكنها ما زالت تراهن على “الخلافة الافتراضية” في عقول وأذهان الناس، وهذه التنظيمات تراهن على أفريقيا أكثر من غيرها لأسباب الجغرافية والبيئة، والأخطر، أنها لم تكن فقط حواضن للإرهاب بل نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية دوليا.محاربة الدعاية المتطرفة عبر الإنترنيت، قضية هامة في الحد من انتشار أيدلوجية التطرف والإرهاب. مطلوب أيضا، أن يتم وضع أهداف وإستراتيجيات جديدة، لمكافحة الإرهاب تتماشى مع المتغيرات في أمن المعلومات والتكنولوجيا.

ـ تقديم الدعم للدول الوطنية :  ما مطلوب اليوم من التحالف الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، تقديم الدعم إلى الدول الوطنية في أفريقيا والشرق الأوسط للنهوض بمسؤولياتها، وتقديم الدعم لتنفيذ مشاريع تنموية، فالتنمية المستدامة في أفريقيا، هي الأساس في محاربة التطرف والتطرف العنيف.

ـ  نزوح أكثر نحو التطرف العنيف والإرهاب : إن ترك عائلات ونساء ومقاتلي داعش في سوريا ومناطق النزاع، يعني، نزوحهم نحو التطرف العنيف والإرهاب أكثر وتدويرهم في مناطق النزاع ونشر الإرهاب أكثر.

إن الضغوطات الأمريكية على دول أوروبا وغيرها باستعادة مواطنيها، ما زال يمثل تحديا، وسبق أن طلبت إدارة ترامب خلال مؤتمر ميونخ للأمن نسخة 2020 ، باستعادة أوروبا مواطنيها من شمال شرق سوريا، ولكن يبدو أن أوروبا اتخذت موقفا سياسيا يتعلق، بحرصها عدم خسارة قاعدتها والأصوات في أوروبا، أمام الأحزاب اليمينية واليمين المتطرف، وهذا يعني، أن اجتماع روما، سوف لا يحدث تغيرا واضحا في الموقف الأوروبي.

ربما يعجبك أيضا