رغم سعي واشنطن لكبح جماحها.. العالم مجبر على التعامل مع «الفرصة الصينية»

دعاء عبدالنبي
التنافس بين الصين وأمريكا

كتبت – دعاء عبدالنبي

تزامنًا مع احتفال الصين بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الحاكم، توالت الملفات الخاصة بالتقدم الاقتصادي للصين وما تتمتع به من نفوذ إقليمي في مختلف أنحاء العالم، رغم المآخذ والانتقادات الموجهة لها في الآونة الأخيرة، فبات العالم مضطرًا للتعامل مع بكين كفرصة وليس تهديدًا بشرط عدم الإضرار بمصالح الآخرين، في ظل الخطط الطموحة للصين وسعيها الدؤوب لإثبات نفوذها رغم المساعي الأمريكية لتثبيطها بالتعاون مع الحلفاء.

نفوذ اقتصادي طامح

لا شك أن الصين باتت تمتلك مقومات قد لا تمتلكها دول أخرى، بما فيها الولايات المتحدة والإمبراطوريات الأوروبية السابقة، فقد استطاعت في زمن قياسي أن تسيطر على مسالك التجارة العالمية، وأن تضخ تريليونات الدولارات في استثمارات ضخمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر.

ومن ثم فإن تطور دولة بحجم الصين قد يشكل فرصة للعالم أجمع وليس تهديدًا، بشرط أن يأخذ مسار هذا التطور والنمو في الاعتبار مصالح الآخرين، ويؤمن بضرورة التكامل والتعايش مع جميع الأطراف والمكونات.

وحول وصول رواد الفضاء الصينيين الثلاثة إلى محطة “تيانغونغ” الجاري بناؤها كمقدمة لإرسال بعثات إلى القمر والمريخ، فقد أثار هذا الحدث  “سباق جديد نحو الفضاء”، بما يسبب قلقًا واضحًا للولايات المتحدة، التي لم تتمكن، بالرغم من سياستها الصارمة في مجال الفضاء تجاه الصين، من منع الجمهورية الشعبية من أن تفرض نفسها كمنافس جدي ومستقل.

وفي سياق متصل، بدأت روسيا والصين تضعان خططا مشتركة طموحة حول البعثات الفضائية، التي من شأنها أن تنافس مباشرة بعثات الولايات المتحدة وشركائها، ما يؤذن بحقبة جديدة من المنافسة في مجال الفضاء، يمكن أن تعادل بشراستها سباق الفضاء الأول بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي؛ إذ اتفقت الدولتان على التعاون لإرسال روبوت إلى أحد الكويكبات في عام 2024.

ورغم المآخذ والانتقادات الموجهة للصين، سيضطر العالم للتعامل معها بعدما فرضت نفوذها كثاني أكبر اقتصاد عالمي، معتمدة نموذجًا نجح في تحرير القطاع الخاص وفتح مجالات الثروة، من دون أن تتأثر هيمنة حزب يحكم خمس أبناء البشر.

وهذا ما أكده خطاب الرئيس الصيني الذي جاء في مناسبة سنوية تقليدية لم يكن تقليديا على الإطلاق، ولعله جاء ردًا على جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأوروبية التي كان هدفها الأول ترميم “العالم الغربي” وإعادة تجديد مفاصله الرئيسية وتوحيده في مواجهة النفوذ الصيني.

الصين على قائمة واشنطن

كانت الصين الحاضر الغائب خلال الاجتماعات التى عُقدت فى بريطانيا وبروكسل مع زعماء مجموعة السبع وقادة حلف شمال الأطلسي، وفي مقدمة اهتمامات الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد أن نجح نسبياً على الأقل في حشد كلتا المجموعتين لإنشاء جبهة موحدة ضد بكين، ووافق قادة الحلف على تضمين حاجتهم لمواجهة الصين في وثيقة المفهوم الاستراتيجى، حينما أكدوا في بيانهم الختامي أن طموحات الصين المعلنة وسلوكها يمثل تحديات منهجية للنظام الدولي القائم على القواعد وللمجالات المتعلقة بأمن التحالف.

 كانت المواجهة المستمرة بين الولايات المتحدة والصين قد وصلت ذروتها قبل فترة وجيزة من رحلة بايدن لأوروبا، حيث أعلنت إدارته أنها ستوافق على اتفاقية تجارية مع تايوان – وهو استفزاز للصين. كما وافق الكونجرس على تخصيص 250 مليار دولار في ميزانية العام المقبل لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والروبوتات وصناعة أشباه الموصلات لمجابهة الصين، كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، أنها انتهت من مراجعة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة تجاه الصين، وحددت حكومة الولايات المتحدة بأكملها، هدفها الشامل المتمثل في الاستعداد لاستراتيجية طويلة المدى لمنافسة الصين.

ويرى كثير من المراقبين أن مخاوف واشنطن من التهديد الصيني المتزايد تحمل كثيراً من الأسباب، فخلال العقد الماضي، ضاعفت الصين حجم قواتها البحرية حتى أصبحت أكثر عدداً من البحرية الأمريكية، وأحكمت قبضتها على بحر الصين الجنوبي، وأنشأت منطقة دفاع جوي واسعة في بحر الصين الشرقي، وعززت من وسائلها العسكرية والدبلوماسية وحربها المعلوماتية ضد تايوان، حليفة الولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك تتهم واشنطن الصين بالتعدى على حقوق الملكية الفكرية الأمريكية باستخدام هجمات إلكترونية دائمة ومستمرة لسرقة الأسرار العسكرية والصناعية، ويضايق واشنطن استخدام بكين ما يسمى بدبلوماسية الديون، حيث تقدم للدول الفقيرة والنامية قروضاً ومساعدات لإنشاء مشاريع بنية تحتية حيوية بهدف توسيع نطاق نفوذها، وهو ما تعتبره واشنطن تقويضًا للمنافسة العالمية والتأثير على نفوذ الولايات المتحدة في العالم بأساليب ابتزازية.

حرب باردة

وفقًا لدراسة نشرتها مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية( راند) على موقعها مؤخرًا، فإن الصراع على التنافس هو أساسا غير عسكري في طابعه، حيث تواجه الصين مأزقا في ممارسة النفوذ: إذ أنها كلما حاولت بقوة أكبر استغلال نفوذها للضغط لتحقيق نتائج معينة في الدول الأخرى، كلما زاد رد الفعل الذي تؤججه، وكلما زاد رفض تلك الدول لنفوذها.

من هنا وبرغم من الاستقطاب في النظام السياسي الأمريكي حاليًا وبصورة غير مسبوقة، إلا أن هناك إجماعًا حول ضرورة مواجهة سياسات الصين بين الديمقراطيين والجمهوريين، وقد تكون السياسة التجارية هي محل الاختلافات بين الطرفين.

من المؤكد أننا بصدد حرب باردة جديدة، لكنها ليست كالحرب الباردة السوفيتية الأمريكية لأن اقتصاد الدولتين مترابطتان بصورة شديدة التعقيد، حيث تشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى وصول حجم التجارة بين الدولتين إلى ما يقرب من 560 مليار دولار عام 2020، وذلك على الرغم من التشدد تجاه الصين وتبنى ترامب سياسة الحرب التجارية ضد الصين. وصدرت الصين منتجات قيمتها 433 مليار دولار للولايات المتحدة، فى حين بلغت قيمة صادرات أمريكا للصين مبلغ 125 مليار دولار.

ويتفق بايدن مع ترامب على ضرورة محاسبة الصين على دورها في انتشار فيروس كورونا، ولكن على عكس ترامب، يؤمن بايدن بضرورة تقوية تحالف متعدد الأطراف من الحلفاء ذوي التفكير المماثل لمواجهة ما يعتبره تهديدات صينية وممارسات غير عادلة، وفي نفس الوقت الحفاظ على مكانة أمريكا كأكبر قوة عسكرية واقتصادية فى العالم، وهو ما يدفع البعض للضغط تجاه تبنى معادلات صفرية في علاقتها مع الصين التى تنازع الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا.

ربما يعجبك أيضا