وسط «تسونامي» كورونا.. الفساد يتفاقم في دول العالم

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

الفساد هو إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكسب خاص، لا يقف عند حدود إهدار المال فقط ، وقد كان الفساد مشكلة قبل أزمة تفشي وباء فيروس كورونا، ولكن الجائحة زادت من حجم المشكلة فأصبح الأمر غير متعلق بالأموال فقط بل أصبح الوضع حياة أو موت، من يتلقى اللقاح ومن لا وكأنها على هوى المسؤولين، ففي البرازيل قررت النيابة التحقيق في اتهامات بالفساد مع رئيس البلاد جايير بولسونارو.

ويشتبه بأن الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو قصر في الإبلاغ عن محاولة فساد داخل وزارة الصحة، عند شراء لقاحات مضادة لفيروس كورونا، إذ أبلغه مسؤول في إدارة استيراد المواد الطبية في الوزارة بقيمة 45 مليون دولار، لقاء ثلاثة ملايين جرعة من لقاح “كوفاكسين” من المختبر الهندي “بهارات بايوتيك”، مع ذلك، لم يتم تسليم أي لقاح، علما أن “كوفاكسين” لم يحصل على موافقة من السلطات الصحية.

وفي شهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ، أكد الموظف وشقيقه النائب أن بولسونارو، أكد لهما أنه سيحيل الأمر إلى الشرطة الفدرالية وهذا ما لم يفعله، ودفع النيابة إلى فتح هذا التحقيق، بتهمة التقصير في القيام بواجبه.

في فبراير 2021، كشفت فضيحة “تطعيم كبار الشخصيات” في الأرجنتين ما أجبر وزير الصحة خينيس غونزاليس غارسيا على الاستقالة بعد الكشف عن أنه عرض على أصدقائه تلقي اللقاح في الوزارة بدون تحديد موعد مع المستشفى.

أصدرت السلطات لائحة تضم سبعين شخصا تلقوا اللقاح خارج الأطر النظامية على الرغم من أنهم لم يكونوا في فئة تحتل أولوية في ذلك الوقت. وبين هؤلاء وزير الاقتصاد والرئيس السابق إدواردو دوهالدي وزوجته وأبناؤهما.

في الإكوادور، استقال وزير الصحة خوان كارلوس زيفالوس في فبراير أيضًا، لضلوعه في فضيحة مرتبطة بتطعيم أشخاص لا يحظون بالأولوية بينهم أفراد من عائلته.

وفي فبراير الماضي، هزت البيرو فضيحة “فاكوناغيت” المرتبطة بالتطعيم ضد كوفيد، وأدت إلى استقالة وزيري الصحة والخارجية، إذ تم تطعيم 487 شخصا من دون حق، قبل بدء الحملة الوطنية في التاسع من فبراير بالعاملين الصحيين، فيما كان بين من تم تطعيمهم الرئيس السابق مارتن فيزكارا، الذي تلقى لقاحا في أكتوبر 2020 بناء على طلبه، وفق طبيب قاد التجربة السريرية للقاح الصيني “سينوفارم” في البيرو.

اللقاحات في لبنان

49559

في فبراير الماضي، كشف صحافيون لبنانيون عن تلقّي 16 نائباً اللقاحات في مقرّ البرلمان اللبناني، ما أثار غضباً واسعاً لما فيه من خرق لخطة التطعيم المعتمدة في البلاد، دفع البنك الدولي إلى التلويح بتعليق تمويله للحملة.

وكشف الصحافيون عن تلقي رئيس الجمهورية ميشال عون وزوجته و10 من العاملين في القصر الجمهوري للقاح، من دون إعلام الجهة المكلّفة تنسيق الجهود في ما يخصّ اللقاح.

كما كشف في الأيام التالية عن تلقي وزراء للطعم في البرلمان أيضاً. قبل أن يخرج وزير الصحة حمد حسن بتصريحات تتكلم عن “قرار سيادي” اتّخذه هو شخصياً بتطعيم النواب تكريماً لهم على “جهودهم” في إقرار قانون اللقاح.

وتسبّب الإعلان عن جهات تابعة لأحزاب وطوائف لبنانية، بأنها ستكون مكلفة توزيع اللقاحات في المناطق اللبنانية بغضب واسع، هذا عدا عن أخبار باختفاء نسبة 30 بالمائة من اللقاحات.

منتهية الصلاحية

رافق توزيع لقاح كورونا في تونس عدد من الاتهامات التي ردت السلطات المختصة على بعضها؛ ففي مايو الماضي، قالت منظمة “أنا يقظ” إن “نصف التلاقيح -اللقاحات-التي تسلمتها تونس كهبة من الصين، في 25 مارس ، لم توضع على ذمة وزارة الصحة”.

وأضافت أنه “تم توجيه 10 آلاف جرعة لأعوان الأمن الرئاسي من الهبة الصينية، في حين أن عددهم تقريباً 3000 عون فقط، ولا يعرف مصير الـ4000 جرعة المتبقية، إذا احتسبنا أن كل عون سيتم تطعيمه بجرعتين، وأيضا تم توجيه 40 ألف جرعة للأمنيين العاملين بوزارة الداخلية”.

لكن وزارة الصحة من جانبها، أكدت أنّ “ما يتمّ تداوله من أخبار مفادها أن 20 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا قد انتهت صلاحيتها لا أساس له من الصحّة، وكل اللقاحات تستعمل في الآجال المضبوطة لها وهي آمنة وفعّالة وسليمة”.

أزمة فساد

يشير رئيس منظمة الشفافية الدولية ديليا فيريرا روبيو، في مقدمة تقرير المنظمة حول «مؤشر مدركات الفساد 2020» إلى أن «كوفيد-19» ليس مجرد أزمة صحية واقتصادية، إنها أزمة فساد.

وحسب «البنك الدولي»، فإنه، ومثلما أبرزت الجائحة مواطن الضعف في أنظمتنا الصحية والاقتصادية والتعليمية، فإنها تسلط الضوء على الفجوات والأخطاء في إدارة المالية العامة.

ويشير البنك إلى أن سوء إدارة الموارد المخصصة لمكافحة كورونا يمكن أن يقوض جهود الاستجابة للجائحة بثلاث طرق رئيسية، تتمثل في أن يؤدي تضخيم الأسعار وإساءة استخدام التمويل إلى تقليص الموارد المتاحة للنفقات الملحة، أو أن يتم اقتناء معدات أو توفير خدمات دون المستوى المطلوب، والأهم من ذلك أن سوء إدارة الأموال العامة يضعف ثقة الجمهور في الحكومات.

ويمكن أن يزيد انعدام الثقة في الحكومة، على سبيل المثال، من احتمال أن ترفض أعداد كبيرة من الناس استخدام اللقاح، ما يهدد فاعليته.

من جهتها، تُشدد كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي على أنه في هذا الوقت العصيب، «فإننا ندعو الحكومات إلى إنفاق كل ما تدعو إليه الضرورة، لكن عليكم الإنفاق بحكمة والاحتفاظ بالمستندات والإيصالات الداعمة».

وفي تقريرها الأخير الصادر نهاية يناير الماضي، أشادت منظمة الشفافية الدولية بالبلدان التي اعتمدت المساواة واستثمرت أكثر من غيرها في الرعاية الصحية، كما مارست الديمقراطية وسيادة القانون، خلال الاستجابة للجائحة بإشراك المواطنين في صنع القرار.

الفساد القاتل

في يناير الماضي نشرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي والذي سلط الضوء على الكيفية التي سهَّل بها تفشي جائحة فيروس  كورونا انتشار الفساد في جميع أنحاء العالم، وكيف تسهم ظاهرة الفساد تلك في تفاقم الأزمة الصحية ، لاحظ مؤلفو التقرير أن جائحة فيروس كورونا كانت عاملا مهما من عوامل تسارع الفساد وكان ذلك لافتا للنظر بوجه خاص في البلدان التي ترسخ فيها المرض بالفعل. في أمريكا الجنوبية، وجد “المركز الأمريكي للعدالة الدولية” أن هناك شكوكا بحدوث فساد في منح العقود الحكومية لبرامج مكافحة الجائحة في 12 دولة، وفي الصومال، الدولة الأقل تصنيفا على مقياس منظمة “الشفافية الدولية”، أدين أربعة أعضاء في الحكومة في أغسطس الماضي باختلاس أموال كانت تهدف إلى تمويل الخطة الوطنية لمكافحة الجائحة.

بالنسبة لهذه البلدان الضعيفة للغاية، فإن الصلة بين الفساد وجائحة كورونا تمثل حلقة مفرغة حقيقية. فالوباء يعزز بعض المخالفات التي تؤدي بالمقابل إلى تفاقم آثار الأزمة الصحية ، في هذا السياق، تلخص نديج بوكيه، المندوبة العامة لمنظمة “الشفافية الدولية” في فرنسا الوضع بعبارة واحدة: “الفساد قاتل“.

ربما يعجبك أيضا