«أوبك +» وإشكالية زيادة الإنتاج.. الفرص والتداعيات

أوبك

كتب – حسام عيد

بعد محادثات مطولة على مدى يومي الخميس والجمعة الماضيين، غلب عليها الطابع الدبلوماسي، أرجأ تحالف “أوبك +” قراره بشأن سياسة إنتاج النفط للمرة الثانية حتى الإثنين الموافق 5 يوليو، مع عدم اتفاق الأعضاء عما إذا كان سيتم رفع الإمدادات من الخام.

وقد رأت دولة الإمارات العربية المتحدة أن طرح التحالف النفطي المكون من 23 دولة، بقيادة السعودية وروسيا، خيارًا واحدًا فقط وهو زيادة الإنتاج مشروطًا بتمديد اتفاقية خفض الإنتاج الحالية لما بعد أبريل المقبل وحتى ديسمبر 2022، غير عادل من ناحية نقطة الأساس المرجعية لحصص الإنتاج، واقترحت تأجيله، مؤكدة في الوقت ذاته على دعمها لزيادة الإنتاج حتى نهاية العام دون أي شروط.

وكان تحالف “أوبك+” أقر في إبريل 2020 خفض إنتاج النفط بنحو 9.7 مليون برميل اعتبارًا من مايو 2020، لمواجهة التراجع الحادّ في الطلب على النفط نتيجة تفشي فيروس كورونا الذي تسبب في شلل لحركة الاقتصاد العالمي.

وتضمن الاتفاق في حينه أن يُعاد الإنتاج المتوقف تدريجيًا حتى إبريل 2022، إلا أن التحالف يرغب في تمديد الاتفاق حتى نهاية العام.

ويترقب العالم القرار الذي ستسفر عنه مفاوضات إمدادات النفط وسط حالة متصاعدة من عدم اليقين، فإذا ظلت الأمور عالقة، سيكون هناك تداعيات واسعة ليس فقط على الأسعار التي تتجاوز اليوم الـ75 دولارًا مع تعافي الطلب العالمي، ولكن على مستقبل صناعة الطاقة حول العالم. ربما نرى موجة تضخمية غير مسبوقة ومتسارعة لأسعار النفط، وربما نشهد تفكك للتكتل النفطي، ومن ثم ملامسة الأسواق لأسعار مجانية أقرب للانهيار كما حدث خلال حرب الأسعار بين حلفاء “أوبك+” العام الماضي.

في التقرير التالي سنقف تحليليًا على ما إذا كانت الأسواق بحاجة لتمديد خفض الإنتاج لما بعد أبريل 2022، أم أنه مع عودة التعافي وانتعاش الاستثمارات النفطية مجددًا يجب رفع الإنتاج وضخ المزيد بالأسواق؟!.

الإمارات وتفضيل زيادة غير مشروطة

حكومة الإمارات، ممثلة في وزارة الطاقة والبنية التحتية، أكدت في بيان يوم الأحد الموافق 4 يوليو، أن دولة الإمارات كانت دائمًا من أكثر الأعضاء التزامًا باتفاقيات “أوبك” و”أوبك +” وخلال الاتفاقية الحالية الممتدة لسنتين تعدى التزامها 103%، لكنها ترى اليوم بأن السوق العالمي في الفترة الحالية بحاجة ماسة لزيادة الإنتاج بدون أي شروط حتى نهاية العام الجاري.

وأكدت أن الاتفاقية الحالية تستمر حتى أبريل 2022 ودولة الإمارات لا تمانع تمديد الاتفاقية إذا لزم الأمر، ولكنها طلبت مراجعة نسب نقط الأساس لمرجعية التخفيض لضمان عدالة الحصص لجميع الأعضاء عند التمديد.

وكان وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، قد أكد أن الإمارات دخلت في الاتفاقية الممتدة حتى أبريل، رغم علمها أنها “مظلومة” بسقف الإنتاج، لكنها قبلت ذلك “إيثارا منها لمصلحة الجميع.

وقد نفذت دولة الإمارات وشركاؤها الدوليون استثمارات ضخمة في زيادة سعتها الإنتاجية وتعتقد بأن نقطة الأساس المرجعية لحجم الإنتاج “تمثل مستوى الإنتاج الذي تحسب التخفيضات على أساسه” يجب أن تعكس السعة الإنتاجية الحالية، بدلًا عن الاعتماد على حجم الإنتاج المرجعي الذي تم اعتماده في أكتوبر 2018.

كانت نقطة الأساس التي احتُسبت قيمة الخفض منها بالنسبة إلى الإمارات هي 3.1 مليون برميل يومياً، وهو ما تراه الإمارات غير عادل، إذ إن إنتاجها الفعلي يبلغ 3.8 مليون برميل -الفارق 700 ألف برميل وهو ما تريد الإمارات ضخه لبلوغ نقطة الأساس العادلة- وما تريده هو أن يكون نقطة الأساس في حساب حجم الخفض المطلوب منها.

تمثل نسبة الفارق بين نقطة الأساس المحتسبة في الاتفاق وبين قدرتها الإنتاجية نحو 18%، وهو فارق كبير مقارنة بالدول الأخرى في التحالف، إذ تصل نسبة الفارق بالنسبة إلى السعودية وروسيا 5% لكل منهما.

حسب الاختلاف بين نقطة الأساس الحالية وبين نقطة الأساس التي ترغب فيها دولة الإمارات، فإن الحسابات الفعلية التي تراها تمثل تعطل نحو 35% من إنتاج الإمارات النفطي مقابل ما يراه التحالف بأنه 22%. في الوقت الذي تعطى فيه دول أخرى مساحات إنتاجية ولا تمتلك القدرة على تلبيتها نظراً لتراجع قدراتها الإنتاجية بعكس الإمارات. لذلك؛ تريد الإمارات الفصل بين قرارَي زيادة الإنتاج وتمديد الاتفاق. والإمارات ليست الوحيدة التي تطلب خط أساس أعلى، إذ عدلت دول أخرى مثل أذربيجان والكويت وكازاخستان ونيجيريا المستوى الذي تنفذ عنده التخفيضات منذ بدء الاتفاق في العام الماضي.

أسباب الموقف السعودي

ترى السعودية أن ليس لديها مشكلة في إعادة احتساب نقطة الأساس، ولكن ذلك سيضر بالمنتجين وبالاتفاق كاملًا؛ وفق رؤيتها في حال السماح بزيادة غير مشروطة للإنتاج.

وعن مدى إمكانية الفصل بين قرار زيادة الإنتاج وتمديد الاتفاق فذلك يخالف الإجراءات المعمول بها داخل المنظمة، مما يعني أن إصرار أي من الجانبين سواء السعودي أو الإماراتي على موقفه الحالي ربما يقود تحالف “أوبك+” للانهيار، ومن شبه المؤكَّد أن يؤدي انسحاب الإمارات من “أوبك+”، إلى حرب أسعار، وفي هذا السيناريو سيخسر الجميع لكنه يبقى احتمالًا مستبعدًا في ظل اختيار خام مربان كسعر قياسي في المنطقة لأنواع مماثلة من النفط.

وقد أثبتت دولة الإمارات العام الماضي أنَّ لديها براميل إضافية، فخلال حرب الأسعار، ضخَّت 3.84 مليون برميل يومياً، وفقًا لتقديرات “أوبك”. وتقول أبوظبي، إنَّها أنتجت أكثر من أربعة ملايين. وقبل ذلك، لم تكن تنتج أكثر من 3.2 مليون، إذ يعتقد القليلون أنَّها قادرة على إنتاج أكثر من ذلك بكثير. ويمكنها الآن أن تثبت أنَّها تمتلك البراميل، مما يقوي موقفها في المفاوضات.

وعلى الرغم من أن أنَّ اقتراح دولة الإمارات سوف يُفيد المملكة العربية السعودية، التي يمكن أن تُؤمِّن لنفسها أيضًا خطَّ أساس أعلى. إلا أنَّ الرياض رفضته، وستكون روسيا الخاسر الأكبر، إذ ستشهد هدف إنتاج أقل بكثير. وفي الحقيقة، فإنَّ المملكة العربية السعودية بحاجة إلى روسيا إلى جانبها.

وتتبنى السعودية نهجًا أكثر حذرًا، وتقول إنه يجب ضخ براميل أقل بالنظر إلى حالة عدم اليقين المستمرة بشأن مسار الجائحة مع تسبب سلالات الفيروس في حالات تفش جديدة في عدة دول، رغم أن أوبك نفسها بنهاية يونيو 2021 توقعت حدوث عجز في المعروض النفطي بحلول شهر أغسطس ولبقية عام 2021 مع تعافي الاقتصادات من الوباء، مما يعني أن المنظمة وحلفائها سيكون لديهم فرصة غير مشروطة لزيادة الإنتاج. وقد أفادت البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية خلال يونيو 2021، إلى تراجع الناتج المحلي للقطاع النفطي بنسبة 11.7% بالربع الأول.

لكن واقع السوق النفطية يشير إلى متغيرات جديدة، تتمثل في نقص الاستثمارات النفطية السعودية الجديدة، نتيجة تقلص ميزانيات الإنتاج والتنقيب، رغم الانتعاشة الحالية التي تشهدها أسعار النفط وبلوغه نطاق سعري 75-76 دولارًا للبرميل قد تحقق للموازنة السعودية نوعًا من الفائض، وهو ما يظهر التناقض في الموقف السعودي.

وختامًا، بالنظر إلى توقع اللجنة الوزارية لمراقبة السوق بالتحالف النفطي “أوبك+” بانخفاض مخزون دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل كبير على المدى المتوسط، فإن ذلك يتطلب بطبيعة الحال زيادة كبيرة وغير مشروطة في الإنتاج وانتهاز الفرص الاقتصادية المصاحبة للانتعاشة السعرية المتصاعدة.

ربما يعجبك أيضا