كتبت – أميرة رضا
سيدة مصرية عظيمة وزوجة رجل من أعظم الرجال، كانت نموذجًا مشرفًا للعطاء وحب الوطن، وقفت كالصخرة في أصعب اللحظات، إذ لم يتوقف دعمها لمصر بعد وفاة زوجها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، بل بقيت على العهد، إلى أن وافتها المنية.
توقف رحلة العطاء
استيقظ المصريون، صباح اليوم الجمعة، على خبر حزين أفاد بتوقف رحلة عطاء السيدة جيهان السادات، بعد أن وافتها المنية، عن عمر 88 عامًا، إثر صراع مع المرض.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، بسام راضي، في بيان اليوم الجمعة: “تنعى رئاسة جمهورية مصر العربية ببالغ الحزن والأسى السيدة جيهان السادات، قرينة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام”.
وتابع: “قدمت نموذجًا للمرأة المصرية في مساندة زوجها في ظل أصعب الظروف وأدقها، حتى قاد البلاد لتحقيق النصر التاريخي في حرب أكتوبر المجيدة، الذي مثل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، وأعاد لها العزة والكرامة”.
من هي «سيدة القلوب»؟
ولدت جيهان صفوت رؤوف في 29 أغسطس عام 1933 في جزيرة روضة بالعاصمة المصرية القاهرة، وهي ابنة الطبيب المصري صفوت رؤوف، والبريطانية غلاديس تشارلز كوتريل اللذين التقيا في إنجلترا، بينما كان صفوت في جامعة شيفيلد يدرس الطب، وكانت الثالثة من بين أربعة أبناء.
والتحقت جيهان السادات بمدرسة حكومية للفتيات، وحصلت على تعليم ممتاز وتعلمت اللغة الإنجليزية واللغة العربية الفصحى والرياضيات والعلوم.
التقت “سيدة القلوب” بالرئيس الراحل محمد أنور السادات للمرة الأولى في السويس لدى قريب لها صيف عام 1948، وتزوجت منه في 29 مايو 1949، وذلك عندما كان ضابطًا، قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية، لتبدأ رحلة مع الرئيس الراحل استمرت لأكثر من 32 عامًا.
فيما بعد، أنجبت جيهان من الرئيس الراحل 3 بنات وولدًا واحدًا، هم: “لبنى، نهى، جيهان وجمال”.
وخلال فترة رئاسة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان السادات أحد المسؤولين القلائل الذين ظلوا في إدارة عبد الناصر نظرًا لتمسكه بفلسفات عبد الناصر السياسية، وقد أدى ذلك إلى حصوله على منصب نائب الرئيس في عام 1969، وعندما توفي ناصر بنوبة قلبية بعد أقل من عام، صعد أنور السادات إلى الرئاسة وانضمت إليه جيهان السادات لتصبح في دائرة الضوء.
وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن تبقى جيهان السادات بعيدة عن الأنظار مثل من سبقتها إلا أنها صممت على المضي في طريق مختلف، فقد كانت تدرك جيدًا وضع المرأة وبدأت في وقت مبكر في الدعوة للتغيير.
فقد أنشأت في عام 1967 جمعية تعاونية في قرية تالا، بمحافظة المنوفية التي ينتمي إليها زوجها، حتى تتمكن الفلاحات من الحصول على درجة من الاستقلال الاقتصادي عن أزواجهن من خلال تعلم الحرف اليديوية.
وخلال حرب عام 1973، ترأست الهلال الأحمر المصري وجمعية بنك الدم المصري، وكانت الرئيس الفخري للمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، كما كانت رئيسة الجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الحفاظ على الآثار المصرية، والجمعية العلمية للمرأة المصرية، وجمعية رعاية طلاب الجامعات والمعاهد العليا، التي جمعت الأموال لشراء الكتب والملابس للطلاب، كما أنشأت دورًا للأيتام ومرفقًا لإعادة تأهيل المحاربين المعاقين.
واستمرارًا للدفاع عن حقوق المرأة، كانت جيهان سببًا في تخصيص 30 مقعدًا في البرلمان المصري للنساء عام 1979، وتم منح النساء حق الطلاق لتعدد الزوجات والاحتفاظ بحضانة أطفالهن.
اغتيال السادات.. ومواصلة المسيرة
لم تتوقف مسيرة عطاء السيدة جيهان، بعد اغتيال الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر من عام 1981، عندما كان يحضر عرضًا عسكريًا في القاهرة بذكرى حرب أكتوبر 1973.
ورغم أن السيدة جيهان كانت قد دخلت في عزلة لمدة عام إثر اغتيال زوجها السادات، إلا إنها استأنفت فيما بعد إلقاء المحاضرات والإعداد للدكتوراه في جامعة القاهرة.
وبالفعل حصلت جيهان على بكالوريوس في الأدب العربي من جامعة القاهرة عام 1977، وحصلت على ماجستير في الأدب المقارن من جامعة القاهرة عام 1980.
وفي عام 1984، طلب منها رئيس جامعة ساوث كارولينا الأمريكية ،التي منحتها درجة الدكتوراه الفخرية في عام 1979 أن تقوم بالتدريس فيها فقبلت الدعوة، كما قامت أيضًا بإلقاء المحاضرات في الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة.
بعدها، حصلت جيهان على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة القاهرة عام 1986، ونالت درجة الدكتوراه من كلية الآداب جامعة القاهرة، تحت إشراف الدكتورة العالمة سهير القلماوي.
وفي عام 1993، أصبحت جيهان السادات أستاذة الدراسات الدولية في جامعة ميريلاند، ومنحت كرسيًا هناك للسلام والتنمية باسم زوجها الراحل.
تدهور الحالة الصحية
بعد سنوات وسنوات من الكفاح والإصرار على خدمة وطنها بكل ما تملك، دخلت جيهان السادات مؤخرًا في وعكة صحية، إذ كانت تتلقى العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل عودتها إلى مصر مرة أخرى بعد نصائح طبية.
استقرت حالة جيهان الصحية فيما بعد نسبيًا، ولكنها دخلت في وعكة صحية مجددًا، نقلت على إثرها لتلقي العلاج في أحد مستشفيات القاهرة.
وفي هذا الصدد، وقبل عدة ساعات، كان الدكتور محمد أنور عصمت السادات، ابن شقيق الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، قد أكد على أن الحالة الصحية للسيدة جيهان لا تزال “حرجة” وتتلقى العلاج والمتابعة على يد فريق طبي على أعلى مستوى ولكن الاستجابة للعلاج لا زالت صعبة.
ولفت “السادات” إلى أن طبيعة المرحلة العمرية للسيدة جيهان السادات والسن المتقدم، مع إصابتها بتداعيات المرض الخبيث، هو ما يصعب المهمة، نافيًا إصابتها بفيروس كورونا المستجد “كوفيد19”.
لم يمر وقتًا طويلًا فيما بعد، إلا وخيم الحزن على وسائل الإعلام المصرية، ومواقع التواصل الاجتماعي، إثر نعي رئاسة الجمهورية المصرية لزوجة بطل السلم والحرب، والإعلان عن وفاتها صباح اليوم الجمعة الموافق الـ9 من يوليو 2021، عن عمر 88 عامًا.
وسام الكمال
وفور الإعلان عن وفاة قرينة السادات، أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قرارًا عاجلًا بمنحها وسام الكمال، مع إطلاق اسمها على محور الفردوس، تقديرًا وعرفانًا لما قدمته لمصر طيلة حياتها، لا سيما في النهوض بقضية حقوق المرأة.
ويعد وسام الكمال، تقليدًا مهمًا للغاية، تأسس في مصر بأمر سلطاني عام 1915، أصدَره السلطان حسين كامل، وظل متعارفًا عليه في عهد الجمهورية بعد ثورة 23 يوليو، ويمنح هذا الوسام للسيدات فقط، من اللاتي يستحقن تقدير الدولة، وبالطبع السيدة جيهان السادات واحدة منهن.
حصول أي سيدة على وسام الكمال، له شروط، وهي أنّه لابد أن تكون قد أدت خدمات ممتازة للبلاد أو للإنسانية، وهو ما يتم تحديده بموجب نص المادة 9 من القانون 12 لسنة 1972.
ويشتمل وسام الكمال على 4 طبقات، وهي: الممتازة، والأولى، والثانية، والثالثة، أما الطبقة الممتازة فيتم تخصيصها لزوجات رؤساء الدول والملوك، ويمكن إهداؤها لزوجات أولياء العهد أو نواب الرؤساء.
تويتر يشتعل حزنًا
اتشح موقع التدوينات القصيرة “توتير” بالسواد، وانهالت برقيات التعزية من جموع الشعب المصري والعربي، داعيين الله عز وجل أن يتغمد الفقيدة برحمته، ليُسدل دفتر العزاء الستار على آخر صفحات العطاء التي قدمتها قرينة بطل الحرب والسلام.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=827835