السلطة الفلسطينية.. حراك إقليمي ودولي على وقع الحراك الداخلي

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

رام الله – عدة أسباب تفسر حراك السلطة الفلسطينية على الساحة الإقليمية والدولية مؤخرًا، فبعد خسارتها لقطاع غزة عام 2007، بعد انقلاب حركة حماس، وفقدانها للكثير من العمق العربي والإسلامي، والدولي وهو ما يظهر في تراجع الدعم المالي للسلطة وحتى السياسي والدبلوماسي وهو ما يظهر في التراجع لدعم القضية الفلسطينية، وغليان الشارع في الضفة الغربية، بات الهروب إلى الأمام هو الخيار الأوحد للسلطة الفلسطينية لضمان بقائها.

الحكومة الإسرائيلية الجديدة أعلنت مذ يومها الأول أنها ستفوق سابقتها في الاستيطان ما يعني أن على الأرض لم يتغير شيء للعودة إلى مباحثات السلام، كما أن الأرض تشهد يوميا تواصل الانتهاكات الإسرائيلية من قتل وتهجير وهدم واعتقالات…، لذا تجهد السلطة الفلسطينية للعودة إلى هذا المضمار لضمان استمراريتها.

وتأمل أن تنجح مساعيها لإحياء المفاوضات بوساطة إدارة جو بايدن لمنع انهيار السلطة، بعد أشهر من تسلُّم الإدارة الجديدة، وأفادت مصادر في السلطة الفلسطينية بأن القيادة وجدت في المعركة الأخيرة منفذاً للوصول إلى البيت الأبيض، لطرح فكرة العودة إلى مفاوضات «السلام». وهي فكرةٌ تعزّزت أخيراً في ضوء تشكُّل حكومة إسرائيلية جديدة يرى جزء كبير من الأحزاب المكوِّنة لها، ولا سيما اليسارية، ضرورة التقاط فرصة استئناف المفاوضات لإضعاف برنامج فصائل المقاومة.

وكشفت المصادر، أن الإدارة الأمريكية ستعمد، خلال الأسابيع المقبلة، إلى اقتراح مباحثات استكشافية للمواقف الإسرائيلية والفلسطينية، يُفترض أن تُفعِّل ملف التفاوض من جديد، وهو السبب الذي دفع عباس إلى إعادة ترتيب ملفّ المفاوضات عبر التجهيز لتعيين مسؤول جديد، خلفاً للراحل صائب عريقات. وفي الأسبوع الماضي، ناقش عباس قضيّة استئناف المفاوضات، خلال رئاسته اجتماع اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» في رام الله، وطلب من اللجنة التحضير لإجراء انتخابات لتعيين شخصيتَيْن بديلتَين من صائب عريقات الذي توفي قبل أشهر، وحنان عشراوي التي قدَّمت استقالتها.

من جهته، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، خلال محادثات مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية، بينهم وزير الدفاع، لويد أوستن، أنه سيعمل «من أجل تعزيز السلطة الفلسطينية والجهات المعتدلة في المنطقة». لكن العديد من العقبات تعترض العودة إلى مفاوضات «السلام» مع العدوّ، أبرزها تدنّي شعبية السلطة الفلسطينية والرئيس عباس لمصلحة المقاومة الفلسطينية.

أفاد تقرير لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، بأن شخصيات في السلطة الفلسطينية قدّمت لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قائمة بمقترحات لخطوات سياسية ترغب السلطة الفلسطينية في القيام بها مقابل إسرائيل، خلال ولاية بايدن، وتشمل الوثيقة 30 مقترحاً يختص بـ”إعادة تأهيل وتعزيز الصلاحيات الحكومية والسلطوية للسلطة، وتحسين الاقتصاد الفلسطيني، وتحسين مستوى معيشة السكان”.

ونقلت الصحيفة عن مصدر وصفته بأنه مطلع، قوله إن إدارة بايدن وحكومة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية تقدّر أنه لن يكون ممكناً في المرحلة الحالية إطلاق عملية سلام، وبالتالي يمكن تنفيذ بعض المقترحات سراً من دون لفت الانتباه إليها، لا في الحلبة الإسرائيلية، ولا في الحلبة الفلسطينية.

وأضاف المصدر للصحيفة أن الجميع معنيون بالحفاظ على وتيره هادئة، وأن ليست كلّ المقترحات في الوثيقة قابلة للتطبيق في المرحلة الحالية، لكن يمكن تنفيذ بعض المقترحات المتعلقة بالقضايا المدنية، ما سيحسّن من مستوى معيشة المواطنين، مثل زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين في إسرائيل، والموافقة على طلبات لمّ شمل ومنح تصاريح بناء جديدة لتغطية الحاجة للبناء بفعل الزيادة الطبيعية للسكان.

وتطالب السلطة ببعض الإجراءات لتحسين مكانتها السياسية، مثل العودة إلى الوضع القائم “الستاتيكو” في المسجد الأقصى، من دون توضيح المقصود من ذلك، وإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية التي أغلقها الاحتلال في القدس المحتلة، وتجميد البناء الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، وإخلاء بؤر استيطانية.

يتوقع أن يسلم الفلسطينيون مجموعة من الطلبات لمساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، هادي عمرو، الذي يصل للمنطقة في زيارة يجتمع خلالها مع مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية الجديدة ومع مسؤولين فلسطينيين.

أما في رام الله، فمن المتوقع أن يناقش عمرو الأزمة السياسية الداخلية إلى جانب دفع فرص السلام. وقال تقرير للقناة 12 الإسرائيلية إن السلطة الفلسطينية أعدت قائمة مطالب «لا تزال سرية»، بهدف تقديمها لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قبل استئناف الحوار مع إسرائيل تحت رعاية أميركية.

وهذه الطلبات التي تعدها السلطة التزاما إسرائيليا بموجب الاتفاقات و«إجراءات بناء ثقة»، قد أعدت بعد نقاش فلسطيني أمريكي متواصل منذ فترة حول ضرورة استئناف المفاوضات، وهي طلبات ليست جديدة وإنما موجودة على الطاولة منذ سنوات طويلة، لكن إسرائيل لم تستجب. ويأمل الفلسطينيون أنه بعد تغيير الحكومة في إسرائيل، صار يمكن دفع الخطة إلى الأمام، خصوصاً في ظل تعهدات إسرائيلية للولايات المتحدة بأنه سيجري تعزيز السلطة.

ولا يتوقع أن تستجيب إسرائيل للكثير من المطالب. وقال مراقبون هناك بأن الائتلاف سيجد صعوبة في التجاوب مع هذه الطلبات. وقالت القناة 12، بأنه من الواضح للأمريكيين والفلسطينيين، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تكون قادرة على تلبية جزء كبير من المطالب.

أبلغ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغاس الأحد، نظيره الفلسطيني محمود عباس، اعتزامه استئناف الحوار بين الجانبين.

وقال هرتسوغ، في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر “تحدثت الليلة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأكدت له اعتزامي استئناف الحوار، واستمراره بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، كما فعل الرؤساء الإسرائيليون السابقون”.

وأضاف أنه أبلغ عباس بأنه ينوي إجراء حوار مستمر مع السلطة الفلسطينية “على أمل المساعدة في تقدم العلاقات والأمل في تحقيق السلام بين شعبين يعيشان جنبا إلى جنب”.

بعد سنوات عدة من الشلل، بادر وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، عيساوي فريج، من حزب ميرتس اليساري، إلى العمل على تفعيل اللجنة الإسرائيلية – الفلسطينية المشتركة للقضايا الاقتصادية، وإزالة الحواجز التي من شأنها تسهيل النشاط الاقتصادي للسلطة الفلسطينية.

وحسب مصدر مقرب من فريج، توجد محادثات متقدمة مع السلطة الوطنية في رام الله لإعادة تشكيل وتفعيل اللجنة. وهو ينسق خطواته بهذا الشأن مع عدد من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، على رأسهم وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ. وأكدت أن مبادرة فريج، تعد الخطوة الأولى التي تقودها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نفتالي بنيت ويائير لبيد، مع السلطة الفلسطينية، وهي تنال رضى الإدارة الأميركية.

وأكد المصدر أن الطرفين اتفقا على التداول خلال الأسابيع القليلة القادمة حول عدد من القضايا الملحة، بينها، إزالة عشرات الحواجز العسكرية التي أقامتها إسرائيل على مداخل البلدات والقرى الفلسطينية وتشكل حصاراً خانقا للحياة اليومية والاقتصادية، وبينها إضافة حوالي 17000 تصريح عمل للعاملين الفلسطينيين داخل إسرائيل في قطاعي البناء والصناعة، وتنظيم سلطة الوقود الفلسطينية وتوفير أدوات النجاح لها، وغير ذلك من القضايا.

ووفقاً للمصدر، فمن المتوقع أن يزور عدد من الوزراء الفلسطينيين عما قريب مكاتب نظرائهم الإسرائيليين، في محاولة لتعزيز التعاون بين الطرفين، في عدة مجالات. وقال إن الوزير فريج سيترأس بنفسه اللجنة من الجانب الإسرائيلي، في حين لم يتم بعد تحديد من سيكون ممثلاً عن الفلسطينيين.

المعروف أن هذه اللجنة كانت قد تشكلت في إطار ما يعرف بـ«بروتوكول باريس»، وهو الملحق الاقتصادي لاتفاقيات أوسلو، الذي ينص على أن تتألف اللجنة المشتركة من عدد متساوٍ من الأعضاء من الجانبين، ويسمح لكل جانب بطلب عقد اجتماع لرصد أو مناقشة الصعوبات الناشئة حول عدد من القضايا الاقتصادية المكرسة في البروتوكول، أو الترويج لقضايا متعلقة بالمشاريع السياحية والتنمية الزراعية والإشراف البيطري والصناعة، خاصة أن الاتفاقية الأصلية أعطت اللجنة مكانة كبيرة، ومن بين تلك الأمور سمحت لها بفحص إمكانية إدخال العملة الفلسطينية.

هذه اللجنة عملت بانتظام نسبيا، حتى نهاية عهد حكومة إيهود أولمرت. وفي عام 2009، قررت الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، نقل إدارة اللجنة من وزارة المالية إلى وزارة التعاون الإقليمي. وبذلك تسببت في شللها، فهي لم تجتمع منذ ذلك الحين، وتم نقل جزء كبير من أنشطتها إلى مكتب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي. وفي السنوات الأخيرة لم تمارس وزارة التعاون سلطاتها، فيما يتعلق بالتنسيق الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية. وقد رفعت السلطة الفلسطينية على إثر ذلك، مطلباً بإلغاء اتفاقية باريس.

وانتقد الوزير فريج أسلافه في منصبه الذين لم يعملوا على تفعيل اللجنة، بالقول، إن «التعاون الإقليمي يجب أن يبدأ بالتعاون مع أقرب جيراننا. وحقيقة أن الوزارة تجاهلتهم حتى الآن، هي شهادة بؤس وفقر للحكومة الإسرائيلية، وأرى من واجبي تصحيح الأمر». وأكد فريج على ضرورة إزالة الحواجز العسكرية غير الضرورية، من أجل انتعاش الاقتصاد الفلسطيني وتطويره جنباً إلى جنب مع الاقتصاد الإسرائيلي.

وأوضح الوزير أن الحكومة الجديدة في إسرائيل، كلفته بالعمل على بناء مشاريع مشتركة مع السلطة الفلسطينية، بالتوازي مع أنشطة اللجنة. وقال: «هدفي الأساسي هو تجديد ثقة وقدرة إسرائيل والفلسطينيين على الاستفادة من الوضع الحالي، وبناء أساس من الثقة والعلاقات الاقتصادية والثقافية المتبادلة وغيرها».

الجدير ذكره، أن مصادر في تل أبيب، كشفت مضمون رسالة من الإدارة الأميركية، تقول إنها تتفهم المصاعب التي تواجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة في التقدم نحو تسوية شاملة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولذلك فإنها تؤيد القيام بخطوات تعزز الثقة، وتحسن حياة المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين في المنطقة.

ربما يعجبك أيضا