«حرب تموز» 2006 على لبنان.. 15 عامًا لم تخف الندوب عن جيش الاحتلال!

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

في أول ظهور له كرئيس للحكومة الإسرائيلية في مراسم عسكرية، صرح نفتالي بينط أن إسرائيل مستعدة جيدا لأي “تهديد”، واستذكر أحداث حرب إسرائيل الثانية على لبنان 2006 باعتباره كان قائدا لمجموعة من جنود المشاة من احتياط الجيش الإسرائيلي، واعتبر أن استعداد الجيش لهذه الحرب كان “معيبا” وتحرك وفقا لأهداف “غامضة”.

الرسالة الأولى لرئيس الحكومة الجديد

389026 1227226303

بعد التقاط الصورة الرسمية الأولى للحكومة الإسرائيلية الـ36 في منزل رئيس إسرائيل المنتهية ولايته رؤوفين ريبلين توجه نفتالي بينط لزيارة قبر صديقه المتوفي عيمانويل مورينو، وهو ضابط إسرائيلي لقي مصرعه في 19 أغسطس 2006، خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكان يحمل رتبة عميد في وحدة استطلاع هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، ووقعت مجموعته في كمين نصبته قوات حزب الله، ما أدى إلى مقتله.

زيارة نفتالي بينط لقبر صديقه الراحل، وتصريحاته خلال حفل تخرج فوج جديد من ضباط سلاح المشاة بالجيش الإسرائيلي تشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد يعطي إشارات بأن حكومته تولي أهمية كبيرة للملف الأمني في الشمال، وأن ما حدث في 2006 من إخفاق عسكري كبير كان مزلزلا للجيش والحكومة، ولا يرغب بينط في تكرار هذا الإخفاق، وهو يتولى مسئولية منصبه قبيل الذكرى الـ 15 للحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان، التي خرجت منها إسرائيل منكسرة، واستطاع حزب الله أن يحقق نصرا عسكريا وتكتيكيا وإعلاميا لا يزال صداه يتردد حتى الآن.

تحدث نفتالي بينط بوصفه رئيسا حاليا للحكومة، وضابطا في سلاح المشاة خلال حرب تموز 2006، ليعلن أن الحرب القادمة ستكون “مختلفة”، حيث سيكون الجيش الإسرائيلي أكثر استعدادا لينفذ عدوانا بريا ناجحا، ليس على غرار ما حدث في 2006.

تصريحات بينط التي عضدها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي جاءت بعد انتهاء العملية العسكرية “حارس الأسوار” على غزة، والتي أوضحت للجميع أن الجبهة الداخلية ما زالت بعيدة عن حماية الإسرائيليين من زخات الصواريخ، وكذلك وضح أن الجيش يتحاشى المغامرة بتدخل بري في غزة، مع استمرار التراجع الكبير في قدرات سلاح المشاة، وخصوصا القدرات التنظيمية، وقبلها القدرات النفسية.

حتى الآن لم تواجه خطة “تنوفا” متعددة السنوات لتطوير الجيش الإسرائيلي عراقيل كبيرة بسبب عدم توفير الميزانية المطلوبة، والقدرات على التدريب، بعد سنتين من الشلل السياسي شهدتا 4 جولات انتخابية، لتحل ذكرى الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان، التي بدأت في 12 يوليو/ تموز وانتهت في 14 أغسطس 2006.

Screenshot 12 1

عودة إلى 12 يوليو 2006

في 12 يوليو 2006 نفذ مقاتلو حزب الله هجوما على دورية للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية، ما أسفر عن مقتل خمسة جنود وإصابة اثنين، واختطاف جثتي جنديين، فقررت إسرائيل الرد بهجوم عسكري شامل، لكن جيشها خرج من هذه الحرب بندوب لم تُمحى حتى الآن بعد مرور 15 عاما.

قبيل هذه الحرب كشفت تقييمات عسكرية عن تحذيرات من إمكانية قيام حزب الله باختطاف جنود إسرائيليين على الحدود اللبنانية، وبعد صدور تقرير فينوجراد، في 2007، اتضح أن مسئولي المخابرات العسكرية كانوا على حق في تقديرهم للموقف، لكنهم فشلوا في إقناع صناع القرار السياسي والعسكري، رغم أن هذه التقييمات كانت قد أُرسلت إلى كل من رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، ووزير الدفاع عمير بيرتس، ورئيس هيئة الأركان دان حالوتس.

بناء على ما ورد في التقييم الاستخباراتي العسكري قرر رئيس هيئة الأركان خفض عدد الجنود الإسرائيليين على الحدود، خوفا من تعرضهم للاختطاف، لكن خطته كانت مرتبكة، ساعدت حزب الله على تنفيذ الكمين ضد الدورية الإسرائيلية وأسر جثتي الجنديين، ناهيك عن اكتشاف أسلحة خفيفة سربتها عناصر حزب الله على بعد مائة متر من السياج الفاصل بغرض استخدامها ضد قوات الجيش الإسرائيلي.

أظهرت حرب لبنان الثانية مدى الارتباك الكبير الذي كان عليه الجيش الإسرائيلية، خصوصا مع عدم اجتماع هيئة الأركان ولو مرة واحدة أثناء فترة الحرب، واستبدل حالوتس الاجتماعات المباشرة بما يسمى “منتديات المعركة”، وهي بمثابة اجتماعات عن بعد، وتسبب التخبط العسكري في عمى استخباراتي واضح، مع ارتباك ظاهر لدى القيادة السياسية للمجلس الوزاري المصغر المعني بالحرب، فيما ظهر أنه تخبط ناتج عن اختلاف كبير في الرؤى، مع تنافس بين الأجهزة السياسية والاستخباراتية والعسكرية، فيما ظن هؤلاء أن الانتصار على حزب الله مضمون، وتصفية نصر الله مؤكدة، فاندفع الجميع للحرب طمعا في الغنيمة، لكن النتائج كانت كارثية على الجيش والحكومة، حيث لم تنجح الـ23 طنا من المتفجرات التي ألقتها الطائرات F-16 داخل عمق الأرض اللبنانية في اغتيال نصر الله.

رغم استعداد الجيش الإسرائيلي منذ 2001 لمواجهة صواريخ حزب الله وتدميرها، فإن إسرائيل تفاجأت بالأعداد الكبيرة للصواريخ، خصوصا المضادة للدبابات، ناهيك عن معدات الاستماع عالية الجودة التي مكنت حزب الله من الاستماع على مدى 24 ساعة لمكالمات الاتصال ومراقبة عمليات الجيش الإسرائيلي، ولم تكن الثغرات العسكرية بين قوات المشاة فحسب، بل كذلك على مستوى سلاح البحرية الذي تلقى صدمة كبيرة باستهداف حزب الله لسفينة حربية تابعة له، للمرة الأولى بعد إغراق القوات البحرية المصرية للمدمرة إيلات عام 1967، واعترفت البحرية الإسرائيلية أنها لم تكن تملك معلومات عن امتلاك حزب الله لصواريخ C-802 البحرية المضادة للسفن.

دخلت إسرائيل في 2006 باندفاع إلى الأراضي اللبنانية بغية تحقيق أهداف رئيسة، أولها استعادة الجنديين المخطوفين، وثانيها ضرب البنية التحتية لحزب الله وتصفية قياداته، وثالثها إيجاد منطقة فاصلة تقلل الاحتكاك المباشر بين الجيش الإسرائيلي وبين قوات حزب الله.

لكن صيرورة الحرب ونتائجها أظهرت إخفاقا كبيرا للجيش الإسرائيلي وهيئة أركانه والقيادة السياسية للحكومة، وتخبطا كبيرا بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ناتج عن تنافس كبير فيما بينها، لدرجة أن الموساد كان لا يمرر جميع المعلومات التي يتحصل عليها إلى جهاز الأمن العام (شاباك) وجهاز الاستخبارات الداخلية (شين بيت).

استمرار ضعف القوات البرية

3013886 46

أبرز إخفاقات الجيش الإسرائيلي تمثل في ضعف كفاءة القوات البرية، التي امتلكت قوات بشرية “مرتبكة”، ومعدات قديمة غير ملائمة لخوض معركة ضد جيش منظم، ناهيك عن حرب شوارع مع حزب الله، وهذه الإخفاقات ترافق الجيش الإسرائيلي حتى الآن بعد مرور 15 عاما من الحرب على لبنان.

في 2006 لم ينجح الجيش الإسرائيلي في ترجمة تفوقه العسكري إلى إنجازات ملموسة على الأرض، وتحطمت مرة أخرى “أسطورة الجيش الذي لا يُقهر” بعد انكسارها في أكتوبر 1973، كما فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها الأساسية وهي تخليص الجنديين المخطوفين، أو تصفية نصر الله والقضاء على حزب الله.

خسائر وندوب لم تندمل

2190730 46

كبدت الحرب الهوجاء إسرائيل نحو 5.7 مليار دولار، ما يساوي 10% من ميزانية عام 2006، وخسرت دبابات وطائرات وقطع بحرية، وتحطمت الصورة “الأسطورية” للدبابة “ميركافا”، وكانت الخسارة الأكبر تتمثل في سقوط 121 قتيلا و1244 جريحا في صفوف الجيش، إضافة إلى 44 قتيلا ونحو 1384 جريحا من المدنيين الإسرائيليين، وفقا لما جاء في تقرير لجنة فينوجراد التي حققت في تداعيات الحرب ونتائجها، وهو التقرير الذي أجبر كل من وزير الدفاع آنذاك عمير بيرتس، ورئيس هيئة أركان الجيش دان حالوتس على الاستقالة من منصبيهما.

تركت حرب إسرائيل على لبنان 2006 ندوبا عميقة في جسد الجيش الإسرائيلي والمجتمع الهش، وعززت مشاعر الإحباط، وحالة الاستقطاب والصراعات الداخلية، ووضعت علامة استفهام كبيرة أمام سؤال الأداء العسكري الميداني للجيش الإسرائيلي، الذي لم تُجب عنه العملية الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والأهم أن حرب تموز 2006 طرحت سؤالا حول التوازن بين المستويين السياسي والعسكري بشأن اتخاذ قرارات الحرب.

بعد 15 عاما على الحرب، يبدو حزب الله منهكًا أكثر من أي وقت آخر، مع استهلاك قواته في سوريا، ومع الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان كله، ومع ذلك لم يتراجع خوف إسرائيل، فيم يحاول نفتالي بينط أن يظهر كرئيس حكومة قادر على إحباط التهديدات الأمنية على الحدود الشمالية، لذلك بدأ عمله بزيارة رفيقه الذي مات في حرب لبنان الثانية، وإطلاق التصريحات العنترية حول جاهزية الجيش واستعداده لمواجهة حزب الله أو غيره، ولكنه ما يزال يتلمس طريقه الصعب في ظل وجود معارضة شرسة يتزعمها بنيامين نتنياهو.

ربما يعجبك أيضا