«متلازمة هافانا».. سر المرض الغريب الذي يضرب الساسة والدبلوماسيين

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

تقوم الحكومة الأمريكية بالتحقيق في سلسلة أعراض صحية ألمت بدبلوماسيين أمريكيين وموظفين آخرين في سفارتها بالعاصمة النمساوية فيينا ، حيث شكا أكثر من 20 موظفا من أعراض شبيهة بما يعرف بـ”متلازمة هافانا”، وهو مرض غامض يصيب الدماغ، وقد ظهرت هذه الأعراض بعد تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة في يناير ، ولا يوجد تفسير في الوقت الحالي للمتلازمة، ولكن علماء أمريكيين يقولون إنها على الأغلب ناجمة عن إشعاعات موجات “متناهية الصغر”.

وفي الوقت ذاته أعلنت الحكومة النمساوية أنها تتعاون مع الولايات المتحدة في التحقيق بتقارير عن إصابة عدد من الدبلوماسيين الأمريكيين في فيينا بما يعرف بـ”متلازمة هافانا” الغامضة.

وأعلنت الخارجية النمساوية أمس السبت في بيان مقتضب أنها تأخذ هذه التقارير “على محمل الجد”، وتعمل مع السلطات الأمريكية لكشف ملابسات هذه الحوادث بما يتماشى مع دورها كدولة مضيفة لهؤلاء الدبلوماسيين.

وشددت الوزارة على أن ضمان أمن الدبلوماسيين الأجانب وعوائلهم على سلم أولويات الحكومة النمساوية.

وفقا للتقارير، رصدت الفرق الطبية بوزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” 20 حالة جديدة تعاني من نفس الأعراض.

ويعتقد الخبراء أن الإصابات غير المبررة التي يعاني منها هؤلاء الموظفون، والتي تشمل تلفا في الدماغ، ناتجة عن هجمات بموجات الميكروييف وأسلحة الموجات اللاسلكية، لكن لا يوجد جزم حول ما إذا كان هناك جهة وراء تلك الحوادث، أو ما إذا كانت هجمات في الأساس.

وقال تقرير للخارجية الأمريكية، في ديسمبر الماضي، إن هناك علاقة بين موجات الراديو وإصابة الدبلوماسيين الأمريكيين بأعراض عصبية.

وفي مايو الماضي، أرسل دبلوماسيون أمريكيون رسالة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، بعد إصابتهم بأعراض تشبه “متلازمة هافانا” أعربوا خلالها عن مخاوفهم من فقدان وظائفهم بسبب هذا الحادث.

ومذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه في يناير الماضي، أفاد عدد كبير من المسؤولين في المخابرات الأمريكية وغيرهم من الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين بإصابتهم بأعراض مشابهة لمتلازمة هافانا.

ومنذ أواخر 2016، أبلغ مجموعة من موظفي السفارة الأمريكية في كوبا عن مجموعة من العلامات والأعراض من بينها “تشوهات دماغية”، والتي أطلق عليها “متلازمة هافانا”.

واشتكى الموظفون الأمريكيون من أعراض مثل فقدان التوازن والدوار وفقدان السمع والقلق، كما اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كوبا بتنفيذ هجمات إشعاعية، وهو ما تنفيه السلطات الكوبية بشدة.

تشوه في الدماغ

توصلت دراسة أجريت في الولايات المتحدة عام 2019 إلى حدوث تشوه في الدماغ لدى الدبلوماسيين المشار إليهم، لكن كوبا رفضت ما جاء في التقرير.

وقد ذكرت حالات فيينا للمرة الأولى في مجلة نيويوركر الجمعة الماضية، وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية الأمر في وقت لاحق، وقالت إنها تقوم بالتحقيق في الأمر باهتمام شديد.

ونسبت وكالة أنباء رويترز إلى وزارة الخارجية النمساوية القول إنها تتعاون مع السلطات الأمريكية من أجل الوصول إلى تفسير للأمر.

وقد وردت تقارير عن حوادث مشابهة في أماكن أخرى من العالم، لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن الأرقام في فيينا أكبر منها في أي مكان في العالم باستثناء هافانا.

أعراض المتلازمة

2018 9 13 19 9 53 815

في تقرير نشرته الأكاديمية الوطنية للعلوم “NAS” العام الماضي، تم تسجيل سماع معظم الأشخاص المصابين “بمتلازمة هافانا” ضوضاء عالية، وشعروا بضغط شديد أو اهتزاز في رؤوسهم، ودوخة وألم في الأذن أو الرأس.

وبحسب رئيس قسم الأعصاب في جامعة ولاية ميشيغن الأمريكية، أميت ساشديف، فإن الأعراض العصبية التي تم الإبلاغ عنها في “متلازمة هافانا” تظهر بشكل شائع لدى المصابين بارتجاج في الدماغ.

ونقلت تقارير عن أشخاص أصيبوا بالمتلازمة قولهم، إن الأعراض المعتادة توقفت عند انتقالهم من غرفة لأخرى، لتعود برجوعهم لمكانهم الذي رصدوا فيه الأعراض لأول مرة.

ومن بين الأعراض المرتبطة بهذه المتلازمة أيضا، الأرق المزمن والصداع وحتى تلف الدماغ والتهاب الأذن الداخلية.

ما الذي يسبب “متلازمة هافانا”؟

ليس من الواضح تماما ما الذي يسبب “متلازمة هافانا”، إلا أن دراسة للأكاديمية الوطنية للعلوم تشير إلى بحث الاتحاد السوفيتي سابقا في تأثيرات طاقة تردد الراديو النبضي منذ أكثر من 50 عاما، ولكن البحث لم يرجع سبب المرض إلى تلك الطاقة.

ويقول تقرير الأكاديمية إن المتلازمة ناجمة على الأرجح عن سلاح الميكروويف أو جهاز الطاقة الموجهة.

ويؤكد العلماء أن إرسال طاقة تردد راديو للدماغ والأذن من شأنه أن يغيّر من وظيفتهما، لكن يصعب رصد ومعرفة نمط الإصابة من التعرض لترددات الراديو.

لوحظت هذه الظاهرة للمرة الأولى في كوبا بين عامي 2016-2017، حيث شكا دبلوماسيون أمريكيون وكنديون في العاصمة الكوبية، هافانا، من أعراض تتراوح بين الغثيان وفقدان التوازن وضعف السمع والتوتر.

ففي يونيو الماضي عينت وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”  طبيبا متخصصا لرئاسة فريق التحقيق الأمني التابع لها، الذي ينظر في حالات تعرّض موظفين أميركيين وكنديين لما يُعرف بـ”متلازمة هافانا”، والتي تتمثل عوارضها بصداع قوي ورنين في الأذن.

وأوضح المسؤول في دردشة مع عدد من الصحفيين في واشنطن، أن إصابات “متلازمة هافانا” التي تعرض لها الموظفون الحكوميون الأميركيون، وكان آخرها موظف في مجلس الأمن القومي، نتجت عن ذبذبات كهربائية ومغناطيسية موجهة عن بُعد عبر أجهزة لا سلكية عالية القوة، وهي نفسها التي أصيب بها ديبلوماسيون أميركيون وكنديون في هافانا بكوبا عام 2016.

وأعاد المسؤول التذكير بأن وزارة الدفاع ومدير الاستخبارات الوطنية يملكان الأدلة الحثية والجزئية بأن روسيا وبتدبير مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين تقف وراء هذه الهجمات.

كانت فيينا منذ الحرب الباردة موطنا للعديد من الوكالات والجهات الفاعلة مثل الأمم المتحدة، ما جعلها بؤرة هامة للدول الكبيرة مثل الولايات المتحدة وروسيا، حيث ينتشر الدبلوماسيون ورجال الأعمال بكثافة هناك.

ويجعل هذا التاريخ من فيينا مركزا للنشاط الدبلوماسي وعمليات التجسس تحت غطاء الدبلوماسية.

وتحتضن المدينة حالياً المحادثات غير المباشرة الجارية بين إيران والولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى، بشأن العودة إلى بنود الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه عام 2015. ورغم أن تلك المفاوضات تشهد جموداً بعد 6 جولات، فإنه لم يتضح بعد ما إذا كان أي من أعضاء الوفد الأمريكي المشارك في المفاوضات قد عانى من تلك الأعراض المجهولة.

ربما يعجبك أيضا