في «فاروشا».. استفزاز تركي وتحذير أوروبي وتنديد قبرصي يوناني

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

عند غزو الجيش التركي لثلثها الشمالي عام 1974، انقسمت جمهورية قبرص إلى نصفين، وفي عام 2004 انضمت إلى الاتحاد الأوروبي الذي تنحصر مكتسباته بالشطر الجنوبي من الجزيرة، حيث يقطن قبارصة يونانيون وتحكمه سلطة هي الوحيدة المعترف بها في الأمم المتحدة، أما في الشمال، فلا تعترف سوى أنقرة بـ«جمهورية شمال قبرص التركية».

وأعلن زعيم القبارصة الأتراك أرسين تتار اليوم الثلاثاء، خلال استقباله للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدء «المرحلة الثانية من (خطتنا) لتوسيع فاروشا لإنهاء الحداد»، وقال إن «قسماً تبلغ مساحته 3.5 كم مربع من منطقة فاروشا سيعود من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية».

جاء هذا الإعلان قبل عرض عسكري حضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإحياء الذكرى السابعة والأربعين للغزو التركي لقبرص عقب انقلاب كان يهدف إلى الاتحاد مع اليونان.

وخلال تصريحاتهم اليوم، أكد كل من أردوغان وتتار بأن السلام الدائم في قبرص لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اعتراف المجتمع الدولي بدولتين منفصلتين، في تحول عن عقود من مفاوضات الهادفة للتوصل إلى اتفاق إعادة توحيد الجزيرة.

وقال أردوغان -خلال كلمة ألقاها في شمال نيقوسيا- «لا يمكن استئناف عملية تفاوض جديدة إلا بين دولتين»، مضيفاً: «من أجل هذا، يجب تأكيد السيادة والمكانة المتساوية مع جمهورية قبرص»، مشددا على أنه لا يمكن إحراز تقدم في المفاوضات من دون التسليم بوجود شعبين ودولتين، فليس لدينا خمسون عاماً نضيعها على نماذج ثبت بطلانها.

وبعد فشل جولات تفاوض كثيرة برعاية الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة، أبرزها في سويسرا عام 2017، يطالب أردوغان بإقامة دولتين واعتراف المجتمع الدولي بهم.

ويجري أردوغان زيارته في الذكرى الـ47 لغزو تركيا الشطر الشمالي للجزيرة، رداً على محاولة انقلاب كانت تهدف إلى ضم الجزيرة إلى اليونان، وقد اتهم القبارصة اليونانيين بقطع الطريق على أي حل، قائلا: «يصر القبارصة اليونانيون على تبني موقف متطرف، غير صادق وغير متكامل، وهو منفصل عن الواقع، وهم غير صادقين».

كما ندد الرئيس التركي بما وصفه بـ«أكاذيب» الاتحاد الأوروبي، الذي نبّه إلى أنه «لن يقبل أبدا بحل الدولتين».

وتعتبر إعادة فتح المدينة الساحلية، التي فرّ سكانها عام 1974 وحاصرها الجيش التركي بالأسلاك الشائكة، هو خط أحمر بالنسبة إلى حكومة قبرص اليونانية.

وتركيا هي الوحيدة التي تعترف بإعلان استقلال القبارصة الأتراك وتحتفظ بأكثر من 350 ألف جندي هناك.

تنديد

ونددت السلطات القبرصية على قرار أردوغان بإعادة فتح فاروشا، وقدمت حكومة قبرص احتجاجا رسميا إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على قرار تركيا والقبارصة الأتراك، ولفتت إلى أن هذه الخطوة تنتهك قرارات الأمم المتحدة وتقوض جهود السلام.

من جهتها أكدت اليونان، عزمها التنسيق مع قبرص لمواجهة ما سمّته «الاستفزازات التركية»، وقالت وزارة الخارجية اليونانية، إن وزير الخارجية نيكوس دندياس بحث هاتفيا مع نظيره القبرصي التنسيق المشترك لمواجهة «الاستفزازات» التركية.

وعبّر دندياس عن تضامن بلاده مع قبرص إزاء الاستفزازات التركية وضرورة التنسيق لمواجهتها.

من جانبه أعرب الاتحاد الأوروبي عن «قلقه» لإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشروعاً لإعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية التي سبق أن كانت نقطة جذب سياحية، معتبراً أنه «غير مقبول».

وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: «إن الاتحاد الأوروبي يشدد مجددا على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة وتهدد استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية».

وأضاف بوريل إنه «يشعر بقلق عميق إزاء التصريحات التي أدلى بها أردوغان وتتار.. بشأن منطقة فاروشا» واستنكر «القرار الأحادي غير المقبول الذي يهدف إلى تعديل وضع فاروشا».

ودعا الاتحاد الأوروبي في بيانه إلى الإنهاء الفوري للقيود المفروضة على حرية حركة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص في منطقة فاروشا حتى تتمكن البعثة من القيام بدوريات وتنفيذ الأنشطة الموكلة إليها على أكمل وجه.

مدينة الأشباح

في فاروشا، الحياة متوقفة إذ باتت المدينة الساحلية خالية من السكان أي أشبه بـ«مدينة أشباح» وأصبحت منطقة عسكرية مطوقة بالأسلاك الشائكة تقع تحت السيطرة المباشرة للجيش التركي، وينتشر نبات الجهنمية على أسطح المنازل المهجورة.

لكن في 8 أكتوبر 2020، قررت السلطات التي تحظى بدعم من أنقرة إعادة إحياء المدينة، وأصدرت مرسوما يقضي بفتح شارع ديموكراتياس العابر للمدينة والذي يؤدي إلى الشاطئ الذهبي الذي كان وراء شهرتها.

من شأن خطوة كهذه أن تمثّل ضربة كبيرة للسكان السابقين، ومنهم أندرياس أناستاسيو (67 عاما) الذي يجهد للسيطرة على غضبه ويقول «أشاهد مبانينا مدمرة وأرغب في الصراخ، حتى يصل صوتي إلى كل أنحاء قبرص. لقد سرقوا مدينتنا منا».

ووفقا لمسح أجرته جامعة نيقوسيا شمل ألفا من سكان فاروشا السابقين، يرفض 73 في المئة منهم العودة إليها إذا وضعت المدينة، بعد افتتاحها، تحت الإدارة القبرصية التركية، بخلاف ما تدعو إليه الأمم المتحدة.

وأضاف أندرياس أناستاسيو «جعلوا المدينة غير صالحة للسكن. من السهل عليهم أن يعرضوا علينا العودة وهم يعلمون أننا سنرفض. نحن نرفض العيش تحت حكم القانون التركي»، بحسب «فرانس برس».

في الوقت نفسه، يعمل تركي خلفه على ترميم جدار، قائلا «إنها مدرستي القديمة، قبل أن يصرخ «انظروا»، لقد محوا الاسم!».

ورغم أن فاروشا غير مأهولة، إلا أنها ليست صامتة تماما إذ لا يتوقف الفلاحون وعمال البناء عن العمل، وتجري عمليات تحسين لشارع ديموكراتياس.

ربما يعجبك أيضا