الإخوان جماعة محظورة.. النمسا تحكم الخناق على رقاب الإرهابيين

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

تسعى النمسا لمحاصرة خطر الإخوان شأنها شأن دول أوروبية كثيرة أبرزها ألمانيا، التي أدركت مدى خطورة تنظيم الإخوان الإرهابي في السنوات الأخيرة، واتخذت “فيينا” مجموعة إجراءات أخيرة لمكافحة الإرهاب، والتي تتمثل في إقرار قانون جديد يستهدف تعزيز جهود الدولة لحظر أنشطة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان، وبذلك تكون النمسا هي أول دولة أوروبية تحظر هذا التنظيم الإرهابي.

ويأتي حظر البرلمان النمساوي، جماعة الإخوان ومنعهم من ممارسة أي عمل سياسي في البلاد خطوة أوروبية قوية لمواجهة تواجد الإخوان في “القارة العجوز” وليست النمسا وحدها، كما أقر المجلس الوطني في النمسا، مؤخرًا، قانونًا جديدًا لمكافحة الإرهاب والتطرف يستهدف تعزيز جهود الدولة لحظر نشاطات التنظيمات الإرهابية وملاحقة مموليها.

كما أسست النمسا مركز توثيق الإسلام السياسي، وتقدر الميزانية الأولية للمركز بقيمة (500) ألف يورو، من أهم مهامه مراقبة تنظيم الإخوان والمؤسسات والمساجد ومنصات التواصل الاجتماعي في النمسا والتنظيمات الموالية، فيما أكدت دراسة حديثة أن هذا الإجراء من أجل الحفاظ على التماسك المجتمعي.

تشريعات جديدة

ووفق وزير الداخلية النمساوي كارل نيهمر، تتيح التشريعات الجديدة في بلاده تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة للمتطرفين وتسهل عملية مراقبتهم وكذلك مراقبة خطاب الكراهية والتشدد الديني واستغلال شبكة الإنترنت في هذه الأغراض.

وقال نيهمر، إن البرلمان وافق على الإلزام بوضع السوار الإلكتروني في الكاحل في حالة الإفراج المشروط عن المدانين بالإرهاب، كما تتضمن الحزمة أيضًا الاعتراف بالجريمة الجنائية ذات الدوافع الدينية.

وبالإضافة إلى ذلك، تضمنت حزمة مكافحة الإرهاب الجديدة في النمسا، توسيع قانون حظر رموز التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، الذي دخل حيز التنفيذ بشكله الموسع في مارس 2019، ويهدف القانون لتقييد ظهور التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في المجال العام في البلاد. ووفق حزمة مكافحة الإرهاب الجديدة، انضمت حركة الهوية اليمينية المتطرفة، وحركة “النمساوي” اليمينية المتطرفة إلى التنظيمات التي يستهدفها قانون حظر الرموز.

وقبل هذا التوسيع، كان القانون يحظر بوضوح رموز كل من التنظيمات التالية: داعش، الإخوان، القاعدة، الذئاب الرمادية التركية، حزب العمال الكردستاني، حركة حماس، مليشيات حزب الله اللبناني، حزب التحرير.

وفيما تواجدت رموز الإخوان في قائمة الحظر بموجب هذا القانون منذ دخوله حيز التنفيذ في 1 مارس 2019، كان الجناح السياسي لحزب الله أحدث المنضمين لها قبل أسابيع من التوسيع الأخير.

محاصرة التطرف

يربط خبراء بين الإجراءات التي شرعت بها عدة دول أوروبية لمحاصرة نشاط التنظيمات المتطرفة، وفي القلب منها جماعة الإخوان، وبين التحذيرات التي رصدتها أجهزة المخابرات الأوروبية. وقالوا إن التنظيمات الإرهابية تعمل في حلقة متصلة ببعضها ووفق أجندة واحدة، فالإخوان كانوا حلقة الوصل الأولى لتجنيد المقاتلين من داخل المدن الأوروبية وتسهيل سفرهم إلى الخارج.

وخلال الأسابيع الماضية، عززت كل من النمسا وألمانيا إجراءات مكافحة التطرف، وكذلك كثفت الرقابة على الاستثمارات والمؤسسات المالية التابعة للتنظيم التي تمثل ممرات لتمويل الإرهاب والتطرف. ويعتمد الاتحاد الأوروبي عدة معايير لتصنيف المنظمات إرهابية وتجميد الأصول المرتبطة بها، من أبرزها تورطها برعاية أو تمويل الإرهاب، وأن تكون المنظمة انخرطت في أعمال وأنشطة إرهابية بما يشكل تهديدًا لأمن الاتحاد.

دراسة ووصايا

بحسب دارسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تقوم النمسا بجهود للحفاظ على التماسك المجتمعي والاندماج، وحذرت الدراسة من خطورة التنظيم على الاندماج والتماسك المجتمعي في النمسا، ووصفت التنظيم أنه سبب شرخ في المجتمع النمساوي.

وقالت الدراسة إن هناك خطة عمل وطنية للاندماج في النمسا، أبرز ما جاء في هذه الخطة أن الحكومة النمساوية وضعت إجراءات عمل وطنية للاندماج منذ عام 2010 من خلال دمج أو تعزيز الإدماج الاجتماعي للسكان ذوي الأصول المهاجرة، تم تصميمه من قبل وزارة الداخلية الاتحادية، بالتعاون مع مجموعة تضم الوزارات الأخرى ذات الصلة والسلطات المحلية والشركاء الاجتماعيين والعلماء ومنظمات المجتمع المدني، وتركز خطة العمل على اللغة والتعليم، والعمل والتوظيف، وسيادة القانون والقيم، والحوار بين الثقافات، والصحة والقضايا الاجتماعية، والرياضة والترفيه، وكذلك الإسكان.

وضعت النمسا وصايا عشر لمواجهة التطرف، أبرز هذه الوصايا، ألزمت طالبي اللجوء بالتوقيع على (10) وصايا للهجرة، من أهم ما جاء في الوصايا تعلم اللغة الألمانية واحترام حرية الأديان، والالتزام بحضور مشاريع الاندماج ودورات القيم لمعرفة القيم المجتمعية والثقافة النمساوية.

بداية واستفاقة

في ستينيات القرن الماضي، حين أسست جماعة الإخوان الإرهابية وجودها الأول في جراتس جنوبي النمسا، على يد يوسف ندا وأحمد القاضي، وفق دراسة للاستخبارات الداخلية وجامعة فيينا صدرت في 2017. وغرست الإخوان وجودها المشبوه عن طريق إنشاء أماكن صغيرة للصلاة والاجتماعات، وبمرور السنوات، انتقلت الإخوان من مرحلة الجمعيات الصغيرة إلى المنظمة المظلية، وأسست “رابطة الثقافة” في مدينة جراتس.

وبشبكة تمتد من جراتس إلى فيينا، وتملك عشرات الجمعيات والمساجد وشركات العقارات الربحية، وحضانات الأطفال، باتت الإخوان تملك مجتمعًا موازيًا متكاملًا. وبدأت استفاقة الحكومة، ضربت فيينا الإخوان أولًا في مارس 2019، بحظر جميع شعاراتها ورموزها في البلاد، ثم ثانيًا 2020، بإنشاء مركز توثيق الإسلام السياسي الذي يراقب الجماعة على الأرض وفي غياهب الشبكة العنكبوتية.

ثم جاءت الضربة الأكبر، حين داهمت الشرطة النمساوية أوكار الجماعة في 9 من نوفمبر الماضي، ووضعت 100 شخص وعشرات العقارات والمقرات في تحقيقات واسعة عن نشاط الجماعة وشبكة تمويلها وتحركاتها السرية والعلنية، يرجح أن تقودها إلى المحاكم لأول مرة في أوروبا. وفي 7 من يوليو الجاري، وضع البرلمان النمساوي من خلال حزمة تشريعات لمكافحة الإرهاب الأساس القانوني لمواجهة أكبر ضد الجماعة، تدور فصولها في الأشهر المقبلة، ويرجح أن تجتث الإخوان نهائيًا وتقطع جذورها وقنوات تمويلها، وتنهي فصلًا قاتمًا في بلاد الفن والحرية.

ربما يعجبك أيضا