في الكويت.. الإصلاحات المالية أولوية قصوى لا تحتمل التأجيل

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

مرة أخرى يعود الجدل بشأن مخاطر السيولة الحكومية في الكويت، إلى دائرة الضوء مع تخفيض وكالة “ستاندرد آند بورز” منتصف الشهر الجاري لتصنيف الدولة الائتماني إلى “+A” مع نظرة مستقبلية سلبية، بسبب الافتقار إلى استراتيجية تمويل شاملة، حيث تشير بيانات أولية لوزارة المالية الكويتية إلى أن العجز المالي المتوقع في العام المالي 2020/2021 قد يبلغ 10 مليارات دينار، وذلك دون أن تحرك الحكومة ساكنا لعلاج اشكالية العجز وسط نفاد السيولة من خزينة الدولة.

مخاطر السيولة تهدد التصنيف الائتماني للبلاد

كان وزير المالية الكويتي، خليفة مساعد حمادة، أعلن مطلع الشهر الجاري أن احتياطي السيولة في خزينة الدولة في استنفاد نتيجة السحوبات التي تتم لتغطية مصروفات الدولة، لافتا إلى أن السيولة في صندوق الاحتياطي العام استنفدت بالكامل خلال الصيف الماضي، ما استلزم اتخاذ إجراءات عاجلة  لتوفير نحو 7 مليارات دينار منها تحويل أصول حكومية إلى صندوق الأجيال القادمة مقابل الحصول على السيولة اللازمة للخزينة.

وحقق صندوق الأجيال القادمة – المصنف ثالث أكبر الصناديق السيادية في العالم بحسب بيانات “بلومبرج”- في السنة المالية المنتهية في 31 مارس الماضي نموا بنسبة 33% بفضل ارتفاع أسعار النفط، لترتفع قيمة أصوله إلى نحو 700 مليار دولار، ومع ذلك يرفض مجلس الأمة أي خطوة للاستفادة من هذه الأموال لصالح سد عجز موازنة الدولة باعتبار أن الصندوق ينظر إليه كضمانة لحق الأجيال المقبلة في حياة كريمة في حال نضوب النفط الكويتي.

وأكد وزير المالية أن صندوق احتياطي الأجيال حقق نموا في السنوات الخمس الماضية يفوق إجمالي الإيرادات النفطية لنفس الفترة وحقق نتائج تفوق الأهداف الموضوعة في استراتيجيته، لافتا إلى أن إيرادات الصندوق لا تدخل في الميزانية العامة بل يعاد استثمارها كما ينص القانون.

وتتفق ووكالات التصنيف الائتماني الشهيرة أمثال “ستاندرد آند بورز” و”موديز” و”فيتش” على أن احتياطي السيولة الرئيسي “صندوق الاحتياطي العام” لن يكون كافيا لتغطية عجز موازنة الكويت مستقبلا، إذ تعرض رصيده لتناقص شديد خلال السنوات القليلة الماضية، بفعل تراجع أسعار النفط وحاجة الحكومة للسحب منه لتغطية العجز أضف إلى ذلك تداعيات جائحة كورونا العام الماضي.

وفي سبتمبر الماضي، قالت “موديز”: إنها خفّضت تصنيف الكويت لأول مرة بواقع درجتين إلى “A1” نظرا لزيادة مخاطر السيولة الحكومية، في ظل استمرار غياب قانون جديد للدين العام يمكن الحكومة من الاستدانة من الأسواق العالمية، وعدم السماح للحكومة بالسحب من صندوق الأجيال القادمة، وسط اقتراب موارد صندوق الاحتياطي العام السائلة من النفاد.

وعادت لتؤكد نفس الرأي في تقرير أصدرته أبريل الماضي، أكدت فيه أن مخاطر السيولة ما زالت تُهدد التصنيف الائتماني للكويت على المدى القريب، لا سيما في ظل حالة عدم اليقين الحالية بشأن استراتيجية التمويل في الدولة مع استمرار الكباش بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول التدابير اللازمة لمعالجة مخاطر السيولة.

من جانبها قررت “فيتش” تغير نظرتها المستقبلية لتصنيف الكويت من مستقرة إلى سلبية في فبراير الماضي، بفعل مخاوف نفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام، وسط غياب الحلول الحكومية لتعزيز السيولة، ومعالجة الاختلالات الهيكلية في موازنة الدولة.

تعكس النظرة السلبية لتصنيف الكويت من قبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية، وجهة نظر هذه الوكالات حيال المخاطر الناشئة عن ضغوط المالية العامة على المدى القصير والمتوسط، وتحديدا المخاطر المتمثلة في نفاد المصدر الرئيسي لتمويل عجز الموازنة “صندوق الاحتياطي العام”.   

حلول ولكن

سعت الحكومة الكويتية لوضع عدة حلول لمعالجة هذه المخاطر، ففي فبراير الماضي تقدمت بمشروع قانون للسحب من صندوق الأجيال القادمة إلا أنه واجه رفضا شعبيا وبرلمانيا واسعا، كما تقدمت أكثر من مرة بمشروع قانون الدين العام لتتمكن من النفاذ إلى أسواق الدين العالمية، إلا أن مجلس الأمة أيضا عارض المشروع بشدة.

وفي ظل اعتماد اقتصاد الكويت على عائدات النفط بنسبة تتجاوز 75% من الناتج القومي، وغياب مثل هذه التشريعات على الأقل قانون الدين العام، فإن الميزانية الكويتية ستظل رهينة لأسعار النفط هبوطا وصعودا، فالنفط هو أساس إيرادتها، وهنا نستذكر تصريح وزير المالية “حمادة” عندما أكد في وقت سابق من الشهر الجاري أن تلاشي عجز الميزانية العامة يتطلب أن يصل سعر النفط إلى 90 دولارا للبرميل يوميا خلال السنة المالية 2021-2022.. تجدر الإشارة هنا إلى أن التوقعات تشير إلى أن متوسط سعر النفط هذا العام والعام المقبل سيكون ما بين 60 إلى 65 دولارا للبرميل.

وبالتالي هناك حاجة ملحة لتنويع مصادر الدخل الخاصة بالدولة، حتى وإن كانت تمتلك احتياطات نفطية تكفيها لعشرات السنوات المقبلة، كما هناك حاجة لإصلاح العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يسمح بسلاسة أكبر على طريق الإصلاح المالي المطلوب.

بحسب تقرير وكالة موديز الصادر في أبريل الماضي، الكويت تملك رصيدا ضخما من الأصول السيادية في صندوق احتياطي الأجيال القادمة يُقدّر بنحو 420 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية 2020، ما يسمح باستغلالها لتقليص مخارط السيولة الحكومية من خلال تعديل القوانين للسماح بالسحب من هذا الصندوق السيادي الهام، ورأت الوكالة أن عدم تمرير هذا التعديل في ظل ما نفاد سيولة الخزينة العامة يعود في المقام الأول للخلافات ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان قال – في تصرحيات لـ”العربية” نشرت في 18 من يوليو الجاري- إن الدولة الكويتية يمكنها تمرير قانون السحب من صندوق الأجيال عبر إصدار مرسوم أميري، مضيفا أن تخفيض وكالة “ستاندرد آند بورز” تصنيف الكويت لا يعود إلى مشكلة مالية، بل إلى سوء إدارة حكومية وبرلمانية.

وأوضح أن قانون السحب من صندوق الأجيال سيوفر تمويلا على المدى القصير والمتوسط قيمته 5 مليارات دينار سنويا لسد العجز، دون استنزاف أصول الصندوق، معتبرا هنا أن قانون الدين العام – في حال تمريره- سيشكل حلال مؤقتا وأعباء على خزينة الدولة لسنوات طويلة.

البنك الدولي وعلى لسان ممثله المقيم غسان الخواجة أكد في منتصف الشهر الجاري حاجة الكويت إلى استكمال الإصلاحات المالية سواء من خلال ترشيد الإنفاق أو تنويع مصادر الدخل أو تشريع قانون الدين العام، فيما شدد صندوق النقد الدولي في أبريل الماضي على الحاجة إلى ضبط أوضاع المالية العامة وتنفيذ إصلاحات هيكلية قوية لتعزيز النمو الاقتصادي، وقدر الصندوق في 2020 احتياجات الكويت التمويلية على مدى السنوات الست المقبلة بنحو 180 مليار دولار، كل هذا يؤكد حاجة الكويت إلى التوجه لأسواق الدين العالمية وأيضا إعادة النظر في تشريع صندوق الأجيال للاستفادة من أصوله الضخمة بما ينفع الجميع الأجيال الحالية والقادمة، ويعالج اختلالات الموازنة بشكل عاجل وسريع يؤكد الملاءة المالية التي تتمتع بها الكويت ويحسن سمعتها لدى وكالات التصنيف الائتماني، إلا أن هذا يبقى مرهونا بقدرة السلطتين التنفيذية والتشريعية على التعاون سويا من أجل المصلحة العامة.

ربما يعجبك أيضا