تطورات المشهد السياسي.. الشارع التونسي إلى أين؟

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

بين عشية وضحاها انتصر الشارع التونسي، وهدأت حدة الغليان التي انتابته مؤخرًا، بقرارات من شأنها إسقاط النظام الإخواني الذي دام لفترة طويلة، دخل خلالها بالبلاد إلى نفق مظلم تحت غطاء الإسلام السياسي، وتسبب في أزمات عديدة فاض الكيل منها وطفح!

التصدي للمشروع الإخواني في تونس والذي جاء بطلب من الشعب، ووقع عليه وأييده رئيس الجمهورية قيس سعيد، مساء أمس الأحد، اعتبره الشارع التونسي حقًا مشروعًا لم يخرج فيه رئيس البلاد عن الدستور، بل أشاروا إلى إنه “تصرف وفق ما تمليه عليه مسؤوليته في إطار القانون والدستور حفظًا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها”.

إذ وجدت الانتفاضة الشعبية في قرارت الرئيس -التي شملت تجميد أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن كافة أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولي السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية- نصرًا لها، فاحتشد الآلاف وسط العاصمة التونسية ليل الإثنين للاحتفال، تأييدًا للقرارات التي وصفت بـ”الاستثنائية”.

لكن، وكعادة قيادات الجماعة الإخوانية في مثل هذه المواقف، كان لحركة النهضة التونسية، وزعيمها رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وعددًا من النواب رأيًا آخر، لخّص النهج الذي يسيرون عليه تحت شعار “مصلحتي أولًا”.

امتعاض «النهضة».. ومنع الغنوشي من دخول البرلمان

فور إعلان الرئيس قيس سعيد أن الدستور العام لايسمح بحل البرلمان لكنه لايقف مانعًا أمام تجميد كافة أعماله، ورفع الحصانة عن نواب البرلمان، أعلنت حركة النهضة التونسية، وزعيمها رئيس البرلمان راشد الغنوشي، عن امتعاضها من قرارات الرئيس، واصفة إياها بأنها “انقلابًا” على الشرعية، ومؤكدة على مواصلتها لعمل البرلمان بشكل طبيعي، كتصعيد أولي مصغر للأزمة كالعادة!.

وعلى الفور، توجه الغنوشي إلى مبنى البرلمان فجر اليوم، وتم منعه من الدخول هو ونائبه الأول وقياديين من حزب حركة النهضة الإخوانية، وذلك من قبل قوى الأمن والشرطة، التي قالت بأن ذلك يأتي بأمر رئاسي.

وطالب الغنوشي فور وصوله أمام أبواب البرلمان في باردو دخول المؤسسة، لكن الجنود المتمركزين في داخلها رفضوا فتح الأبواب الموصدة بالأقفال.

رد حراس البرلمان يصدم «الغنوشي»

“نحن أقسمنا على الدفاع عن الوطن”.. هكذا كان رد أحد الجنود، الذي كان يقوم بحراسة مدخل البرلمان على الغنوشي، عندما حاول إقناعه بالسماح له بالدخول لمقر البرلمان، رغم قرارات الرئيس التونسي العاجلة، وهو ما رفضه الجندي مؤكدًا له أن الجيش “متواجد هنا للدفاع عن الوطن”.

وسجلت إحدى كاميرات الفيديو الحوار بين الغنوشي والجندي، وتم تداوله على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتغنى النشطاء بشجاعة الجندي ووطنيته.

دعوات إخوانية لتصعيد الأحداث

ظهر الغنوشي متخبطًا فيما بعد، واعتبر قرارات الرئيس بأنها انقلاب على الشرعية والدستور ومجلس النواب والحكومة والمؤسسات الخاصة بالمجتمع المدني التي تعمل وفق إطار الدستور، مطالبًا الجماهير الشعبية التوجه إلى مبنى البرلمان للدفاع عن الديمقراطية بحسب تعبيره، وداعيًا الى الخروج بتظاهرات لاستعادة حقوقه.

وحاولت حركة النهضة، عبر حسابها على “فيس بوك” تصعيد الأحداث باستهداف انقسام الشارع التونسي، منددة بما وصفته بـ”انقلاب على الثورة”.

وقالت في بيانها: إن “ما قام به الرئيس قيس سعيد انقلاب على الثورة والدستور، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”.

اعتصام الغنوشي.. واشتباكات في محيط البرلمان

وفي تطورات المشهد، نفذ الغنوشي وأفراد من حزبه اعتصامًا منذ صباح اليوم أمام البرلمان المغلق في العاصمة تونس.

وفي هذه الأثناء، تجمع عدة مئات من أنصار الرئيس سعيّد أمام البرلمان، مرددين شعارات مناهضة لحركة النهضة ومنعوا أتباع الحزب من الوصول إلى المبنى.

ومن جانبها، أفادت وكالة فرانس برس بأن حالة احتقان تسود أمام مبنى البرلمان وأن الجانبين ألقيا الحجارة والزجاجات على بعضهما بعضًا.

وجرت مناوشات محدودة أمام البرلمان بين عدد من أنصار الرئيس سعيد وبين الرافضين لقراراته، إثر قيام الجيش بنشر قواته في الشوارع الرئيسية، وأمام الدوائر الحكومية ومنها مبنى الإذاعة والتلفزيون، ومحاصرة مبنى البرلمان، فيما استخدمت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المعارضين لقرارات سعيد الذين تجمعوا في الساعات الأولى من فجر اليوم ـمام مكتب حركة النهضة وسط العاصمة.

ولم يجد الغنوشي حلًا بعد منعه من دخول البرلمان، ومكوثه أمامه في سيارته لعدة ساعات، سوى الانسحاب والمغادرة، خاصة مع الاشتباكات التي انطلقت في محيط البرلمان.

رئيس البلاد ينفي «الانقلاب»

2021 637628731843033881 303

وفور مزاعم الحركة الإخوانية، أكد رئيس الجمهورية التونسية -في كلمة ألقاها خلال زيارة قام بها، فجر اليوم الإثنين- إلى شارع الحبيب بورقيبة، على أن قراراته ليست “انقلابًا” كما قيل، بل هي قرارات دستورية وفق الفصل 80 من الدستور، على عكس ما يروّج له وفق تعبيره.

وأضاف: “أكره الانقلاب ولست من دعاته.. وكيف يكون انقلابًا بتطبيق فصل من الدستور؟”.

وشدد الرئيس التونسي، على إنه استشار -قبل الإعلان عن هذه التدابير- كلًا من رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي التقاه بشكل مباشر، ورئيس البرلمان الذي أعلمه بالهاتف، مضيفًا: “بالرغم من أني تعاملت معهم بمنتهى الصدق والاحترام، يتآمرون ليلًا.. المسؤولية تقتضي أن أتحملها ولن أترك تونس لقمة سائغة يتلاعب بها هؤلاء”.

وأتم: من يتحدث عن انقلاب فليقرأ الدستور جيدًا أو فليعد إلى الصف الأول الابتدائي”، مشددًا: “من يحاول الهروب الآن ومن يريد أن يتحصن بالحصانة ليتطاول على الدولة ورموزها فهو مخطئ.. صبرت كثيرًا وتألمت مع الشعب التونسي”.

تحذير من حرب أهلية

11 3

وللتحذير من الانساق وراء تصعيد الأحداث التي قد يترتب عليها حرب أهلية بين المؤيدين لقرارت الرئيس، وبين أنصار الحزب الإخواني، عقد التيار الديمقراطي اجتماعًا طارئًا لمكتبه السياسي وكتلته النيابية، صباح اليوم، لمتابعة الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والتي عمقتها الأزمة الدستورية الحالية، بحسب ما قال في بيانه.

وأعلن الحزب أنه يحمل مسؤولية الاحتقان الشعبي المشروع والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانسداد الأفق السياسي للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي.

كما دعا الحزب، رئيس الجمهورية وكل القوى الديمقراطية والمدنية والمنظمات الوطنية لتوحيد الجهود للخروج بالبلاد من الأزمة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد السياسي.

وفي ظل التوتر القائم، دعا الحزب التونسيات والتونسيين إلى التعبير عن آرائهم بكل سلمية وعدم الانسياق وراء دعوات التجييش من الداخل والخارج.

وعي شعبي

في المقابل يرى حقوقيون، أن “وعيًا بدأ يتشكل لدى فئات واسعة من الشعب التونسي بأن حركة النهضة تُعد أبرز أسباب فشل منظومة الحكم الحالية، نظرًا إلى تراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية”.

وتشير التقارير إلى أن “هذه الفئات الواسعة لا يمكن حصرها في الفئات المهمشة والمفقرة، وإنما تضم آخرين من الغالبية الصامتة في تونس، التي أصبحت تعي خطورة الأوضاع الاقتصادية، وهو ما يفسر اقتحام المحتجين عددًا من مقار النهضة في عدد من المناطق، حتى تلك التي تملك فيها الحركة رصيدًا انتخابيًا مهمًا”.

وفي هذا الصدد، يقول الصحافي أيمن زمال أن “حركة النهضة لم تستوعب أن هذه التحركات العفوية والغاضبة على حكمها ومن دون تنظيم من مكونات المجتمع المدني والأحزاب، وهو ما يفسر رد فعلها الرسمي في البيان الصادر عنها، الذي ندّدت فيه باستهداف مقارها ووصفت المحتجين بالعصابات الإجرامية والمخربين”.

ويتخوّف زمال من أن “يؤدي هذا الموقف إلى انفلات الأوضاع، خصوصًا أن عددًا من قادة الحركة يهددون برد فعل عن طريق الخروج إلى الشارع والدفاع عن المسار الديمقراطي الذي تختصره النهضة في العملية الانتخابية”.

«المشيشي» ليس رهن الاعتقال

ومن تطورات الأوضاع مع الغنوشي وحركة النهضة، إلى آخر المستجدات بشأن رئيس الحكومة هشام المشيشي، خاضة بعد تضارب الأنباء حول احتجازه في أحد مقرات الجيش التونسي بعد انقطاع الاتصال به بالأمس.

وفي هذا الصدد، أفادت وكالة “رويترز” نقلًا عن مصدر وصفته بالمقرب من رئيس الوزراء التونسي المعزول، ومصدران أمنيان، أن المشيشي في منزله وليس رهن الاعتقال بعد أن أقاله الرئيس التونسي وجمد نشاط البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه.

«اليحياوي» مشرفًا على وزارة الداخلية

وفي تطورات الحدث، كلف الرئيس التونسي، المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي، خالد اليحياوي بالإشراف على وزارة الداخلية بعد قراراته التي اتخذها مساء أمس.

وعن سيرته الذاتيه، فقد تسلم اليحياوي منصب مستشار أول، مدير العام لوحدة الأمن الرئاسي منذ 1 نوفمبر 2019.

وشغل عدة مناصب في الإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية منذ انضمامه عام 1998، ومن بين هذه المناصب مدير إدارة المرافقات والقوات الخاصة.

وتلقى تكوينًا عسكريًا بالأكاديمية العسكرية من سنة 1993 إلى سنة 1997، ثم درس في الأكاديمية العسكرية بفندق جديد عام 1997، والمدرسة الوطنية لتكوين إطارات الأمن الوطني والشرطة الوطنية بصلامبو عام 1998.

وفي عام 1998 تولى مهامه بالإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، ثم عمل في الفوج الوطني لمكافحة الإرهاب “BAT” بين 2007 و2011.

تدرج اليحياوي في المهام، وآخرها مدير إدارة المرافقات والقوات الخاصة “GIP” إلى حدود يوم 31 أكتوبر 2019.

إعفاء وزيري الدّفاع والعدل

كذلك أصدر الرئيس التونسي قرارًا رسميًا بإعفاء وزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، ويعد قرار الإقالة فعالًا ابتداءً من أمس الأحد، والموافق 25 يوليو 2021.

كما تقرّر بمقتضى ذات الأمر، أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.

وما بين هذا وذاك، يسود القلق حاليًا الوضع السياسي بتونس خوفًا من تصعيد الأحداث من قبل أنصار الجماعة الإخوانية، ما يجعل الجميع يترقب بشأن الخطوة التالية للرئيس، الذي لطالما عبر عن رغبته في تعديل النظام السياسي إلى رئاسي.

ربما يعجبك أيضا