الصناديق السيادية وأزمة كوفيد-19.. استراتيجيات جديدة نحو فرص محتملة!

كتب – حسام عيد

الجائحة الوبائية “كوفيد-19” بمتحوراتها المتعددة وتداعياتها المتشعبة، والتي غيرت الكثير من الموازين في العالم، تطال يدها هذه المرة الصناديق السيادية، وتضطرها لكي تغير من استراتيجيتها، فمع تعاظم تأثير الجائحة على اقتصادات الدول، باتت أدوار الصناديق السيادية حول العالم جلية لإنقاذ الشعوب وتوفير السلع من جهة وتعزيز الاستثمارات في قطاعات بعينها من جهة أخرى.

السيولة ضمن ثلاثة عوامل رئيسية

بغض النظر عما إذا كان صندوق ثروة سيادي، أو مستثمر مؤسسي أو مستثمر فرد يقوم بتخصيص الأموال وتوزيعها على الاستثمارات، يجب أخذ ثلاثة عوامل في الاعتبار عند دراسة كل مشروع استثماري: المشهد الاستثماري على المدى الطويل، مدى رغبة المستثمرين في المخاطرة ومتطلبات السيولة الخاصة بهم. لذلك؛ فإنه إذا كان هناك من درس واحد يمكن للفرد أن يتعلمه من صندوق الثروة السيادي فهو أهمية تنويع المحفظة الإستثمارية. وتتنوع  مخصصات صناديق الثروة السيادية عبر عدد من فئات الأصول، ما يساعد هذه الصناديق السيادية على مواجهة الدورات المختلفة المتعاقبة على الأسواق أو تحمل تبعاتها.

وقد أصبحت السيولة بالتحديد محور الاهتمام الأساسي لدى المستثمرين خلال العام الماضي، حيث كافحت الاقتصادات للتعامل مع الصدمات الناجمة عن وباء فيروس كورونا.

وقد طالت عمليات السحب ثلث الصناديق السيادية العالمية، و57% من تلك الصناديق في الشرق الأوسط مارست السحب لتلبية هذه المتطلبات.

وبلغت معدلات السيولة السيادية 78%، وهي نسبة كبيرة، فيما سجلت صناديق الاستثمار السيادية سيولة بنسبة 58%.

فيما زادت الاحتياطيات النقدية بأكثر من الضعف، فالصناديق السيادية باتت تركز على السيولة من الدرجة الأولى تحسبًا لأي عمليات سحب أخرى محتملة لتلبية آية متطلبات مستقبلية في حال استمرار جائحة كوفيد-19، والتي لا تزال فعليًا تلقي بظلالها على العالم؛ وفق ما أفادت دراسة حديثة صدرت عن شركة إنفيسكو العالمية لإدارة الأصول.

تحول في توزيع الأصول للصناديق السيادية

يتمثل سبب التحول في توزيع الأصول المملوكة لدى الصناديق السيادية بشكل رئيسي في مواجهة انخفاض عائدات الدخل الثابت كسندات الخزانة التي ارتبكت جراء تداعيات جائحة كورونا.

أيضًا هناك سبب آخر يتمثل في المخاوف المتصاعدة من ارتفاع معدلات التضخم مع توافر الأموال بكميات كبيرة لدى الأفراد وسط الجائحة، والتي يمكن أن يدفعوا بها إلى الأسواق للاستهلاك، وبالتالي تزاداد مخاوف التضخم.

وقالت جوزيت رزق، مديرة العملاء المؤسسيين في الشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة “إنفيسكو”، في حوار لها مع “أريبيان بزنس” بمناسبة إصدار شركة “إنفيسكو” النسخة السنوية التاسعة من تقرير “إدارة الأصول السيادية العالمية” في 21 يوليو الجاري، والذي استطلع آراء مسؤولي 141 مؤسسة استثمارية يديرون أصولًا عالمية بقيمة 19 تريليون دولار؛ أنها تعتبر أن الاتجاه الآخر لصناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط والعالم يتمحور حول الأصول البديلة.

وعلى غرار ممارسات الصناديق السيادية، ينبغي تنويع مخصصات الأصول عبر فئات مختلفة، بما في ذلك الأصول البديلة مثل صناديق الاستثمار العقاري. ودخلت المحافظ العقارية كأصول مدرة للدخل في بيئة اتسمت بالفعل بانخفاض العائدات وتفاقمت بسبب الوباء.

وعندما يتعلق الأمر بقطاعات العقارات، تقول رزق إن الصناديق السيادية تبحث عن فرص استثمارية تمنح العائد الأكثر جاذبية على مدى فترة زمنية تصل إلى خمس سنوات. ويعتقد 71% من مسؤولي الصناديق السيادية في الشرق الأوسط أن مراكز البيانات ستكون محور تركيزهم الرئيسي و57% منهم للعقار و29% للصناعة”.

الحوكمة ومواجهة الأزمات

وهناك الكثير من القضايا الملحة التي تؤرق العالم، تشغل بال الصناديق السيادية، منها قضية التغير المناخي؛ وهي من أهم المخاطر التي تتعرض لها المحافظ العقارية برأي الصناديق السيادية. لذلك؛ تعتبر الاستدامة ممثلة في السندات الخضراء من صلب اهتمامات صناديق الثروة السيادية في الوقت الراهن.

وبعد إدراج معايير البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة في مسح “إنفيسكو” خلال السنوات الأربع الماضية، فإن نسبة صناديق الثروة السيادية التي باتت تتبنى هذه المعايير عند إتخاذ قراراتها الاستثمارية قفزت من 46% إلى 64%.

أما في البنوك المركزية فكانت النسبة في السابق 11% وارتفعت في الوقت الراهن إلى 38%.

وبالنسبة إلى الصناديق السيادية في الشرق الأوسط، تعد مبادئ البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة مصدراً للأداء الجيد والعائدات المرتفعة على المدى الطويل.

وهناك 88% من مسؤولي هذه الصناديق أشاروا إلى أن زيادة مستويات اهتمامهم باعتبارات المخاطر المناخية عند اتخاذ أي قرارات استثمارية، خصوصًا القرارات المتعلقة بالاستثمارات العقارية طويلة الأجل.

وتعتبر الصناديق السيادية الخليجية أن الخطط طويلة الأجل للاستثمارات في مجال معايير البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة تتماشى مع خطط تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على أسعار النفط والغاز.

الصين نموذجًا

وبرزت الصين كمنطقة تتمتع بجاذبية استثمارية كبيرة للصناديق السيادية خصوصًا المتمركزة في الشرق الأوسط.

وكانت الاستجابة الأولية السريعة والفعّالة للحكومة الصينية تجاه الوباء والانتعاش الاقتصادي القوي نسبيًا من العوامل الرئيسية وراء زيادة الجاذبية الاستثمارية للصين.

وبغض النظر عما إذا كان هناك وباء أم لا، تقدم الحكومة الصينية للصناديق السيادية عائدات محلية مرتفعة على الاستثمارات طويلة الأجل. ومن العوامل التي تدفع هذه العوائد النظرة القوية للاستهلاك المحلي، مدفوعة بطبقة وسطى متنامية، والتبني السريع للتقنيات الرقمية. ولذلك تعتبر الصناديق السيادية أن صناعة التكنولوجيا الصينية مصدر جذاب لاستثمارات تتمتع بعائدات مرتفعة على المدى الطويل.

ربما يعجبك أيضا