وسط غيوم الجائحة.. اقتصاد بريطانيا يسير على الطريق الصحيح ولكن

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

رفع صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير عن آفاق الاقتصاد العالمي توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني بشكل ملحوظ، في إشارة جديدة على قدرة ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا على التعافي من تداعيات الجائحة، بعد أن تراجع العام الماضي بأكبر وتيرة منذ 300 عام، إلا أن سلالات كورونا الجديدة تشكل مصدرا لتهديد هذا التفاؤل بالتعافي وسط عودة معدلات الإصابة والوفيات إلى الارتفاع مجددا مع إنهاء قيود الإغلاق منذ الـ19 من يوليو الجاري.    

تفاؤل بالتعافي

توقع صندوق النقد أن ينمو الاقتصاد البريطاني 7% هذا العام، بما يزيد بـ1.7% عن توقعاته الصادرة في أبريل الماضي، ويمثل أكبر تعديل لتوقعاته لاقتصاد رئيسي، لكن الصندوق خفض توقعاته للنمو العام المقبل إلى 4.8% من 5.1%، وهذه التوقعات تقترب مع توقعات بنك إنجلترا الصادرة في مايو الماضي، عندما توقع نمو الاقتصاد هذا العام بـ7.25%، ما يعني أن اقتصاد المملكة المتحدة فعليا يقترب من مستويات ما قبل الجائحة.

جيتا جوبيناث كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى صندوق النقد قالت، مساء أمس الثلاثاء، إن هذا التعديل برفع توقعاتنا لاقتصاد بريطانيا يعكس النمو السريع المحقق بين فبراير وأبريل، حين تكيّف الاقتصاد البريطاني مع قيود الإغلاق على نحو أفضل من توقعاتنا.

لكنها قالت: إن نمو الاقتصاد البريطاني سيقل بنحو 3% في عام 2025 عما توقعه الصندوق قبل الجائحة، عندما توقع أيضا أن تكون علاقات بريطانيا التجارية مع الاتحاد الأوروبي بعد خروجها منه أوثق من تلك القائمة الآن.

كان اقتصاد بريطانيا بدأ يعطي إشارات قوية على التعافي منذ أبريل الماضي، بالتزامن مع رفع قيود ثالث إغلاق وطني تدريجيا، حيث حقق الناتج المحلي نموا بـ 2.3% وهي أسرع وتيرة شهرية منذ يوليو 2020.

تعليقا على توقعات الصندوق، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمس الثلاثاء، هناك إشارات جيدة بأن اقتصادنا يتعافى بشكل أسرع مما كان متوقعا، وسط توقعات بأن تتشارك المملكة المتحدة في أعلى معدل نمو في مجموعة السبع.

لكن جونسون ذكر بأن “هناك المزيد من التحديادت التي يجب التركيز عليها في طريق التعافي، وهي دعم المواطنين من خلال خطة الوظائف”.

تشير بيانات مؤسسة مورجان ماكينلي للتوظيف، التي نشرت في التاسع من يوليو إلى أن الحكومة البريطانية تواصل دعمها لقطاع التوظيف على نحو جيد، حيث بلغ عدد الوظائف الشاغرة بحلول نهاية يونيو الماضي 3330 وظيفة، في أعلى مستوى للوظائف الشاغرة منذ يناير 2019، وبزيادة 192%، مقارنة بيونيو 2020.

تحديات أمام مسار التعافي

-أول هذه التحديات ضبابية الجائحة، فمعدلات الإصابة آخذة في الارتفاع بسبب متحورات كورونا، ويشير الموقف الوبائي للثلاثاء 27 يوليو إلى تسجيل أعلى حصيلة للوفيات الجديدة منذ 17 مارس، حيث سجلت بريطانيا 131 حالة وفاة، فيما سجلت 23511 إصابة جديدة، ما رفع إجمالي الإصابات إلى مستوى 5.745 مليون إصابة، وبريطانيا اليوم هي في المركز الـ6 عالميا من حيث عدد الإصابات بالفيروس والـ7 من حيث حصيلة الضحايا.

قبل يومين حذر كبير خبراء الصحة العامة في الحكومة البريطانية من إمكانية عودة تدابير الإغلاق مرة أخرى في غضون خمسة أسابيع بسبب زيادة معدلات الإصابة، كما دعا جونسون المواطنين لتوخي الحذر والالتزام بالتدابير الوقائية، وذلك بعد تأكد إصابة وزير الصحة بالفيروس رغم تلقيه اللقاح.

يشار إلى أ بريطانيا تعد من بين الدول الأسرع في توزيع اللقاح على مواطنيها، حيث يُقدر متوسط معدل التطعيم لديها بـ233 ألفا يوميا وبهذا المعدل يتوقع أن تستغرق البلاد شهرين من الآن لتطعيم 75% من سكانها بجرعتي لقاح.

-قيود العزل الذاتي المفروضة من الهيئة الوطنية للخدمات الصحية تشكل أيضا تحديا من نوع خاص.. فمع إعادة فتح الاقتصاد هذا الشهر، حذرت النقابات العمالية من أزمة نقص العمال وتداعياتها على سلاسل التوريد خلال الأشهر المقبلة، وقالت فرانسيس أوغرادي، الأمين العام للمؤتمر العام لنقابات العمال – في 24 يوليو- يجب على الحكومة استبدال إرشادات العودة إلى العمل الحالية غير الملائمة – في إشارة إلى إجراءات الحجر الصحي الذاتي للعمال المشتبه في إصابتهم بكورونا أو المخالطين للمرضى- بقواعد ملزمة قانوناً بشأن الكمامات وإنفاذ القانون الخاص بالسلامة في مكان العمل بشكل ملائم.

 فيما أفاد تقرير لمركز الاقتصاد والبحوث التجارية في لندن – نشر في 25 يوليو- بأن اقتصاد بريطانيا قد يخسر 6.3 مليار دولار في غضون أربعة أسابيع فقط، إذا لم يتم تخفيف قيود العزل الذاتي، مضيفا: منذ إعادة فتح الاقتصاد في 19 يوليو، تزايدت الإصابات بكورونا ما يشير إلى أن عددًا متزايدًا من الأشخاص سيحتاجون إلى عزل أنفسهم وفق إرشادات التطبيق الخاص بالهيئة الوطنية للخدمات الصحية، ما سيؤدي إلى اضطراب في سلاسل التوريد.

واقترح التقرير إعفاء الموظفين الرئيسيين من العزل الذاتي، مشيرا إلى أن هذا سيخفض التكلفة الإجمالية على الاقتصاد بنحو 400 مليون دولار، في حين يمكن تخفيض الخسائر إلى النصف من خلال تخفيف قيود العزل لأولئك الذين حصلوا على الجرعة الثانية من اللقاح قبل أسبوعين على الأقل من إصابتهم بالفيروس، وأوضح التقرير أنه في غضون أسبوع من 8 إلى 14 يوليو، أكثر من 607 آلاف شخص تلقوا رسالة بوجوب خضوعهم للعزل من التطبيق.

-فوضى البريكست تهدد أيضا الشركات البريطانية بمزيد من الخسائر، منذ بداية العام مع دخول اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى حيز التنفيذ وثلث الشركات العاملة على أراضيها يشكو من تسجل خسائر جراء البريكست والتعقيدات التي تواجه منتجاتها على بوابات دول الاتحاد نتيجة الخروج من السوق الأوروبية المشتركة.

-تخبط حكومة جونسون الشعبوية في إدارة الأزمة.. هذا أمر أخر يهدد مسار التعافي، فبحسب تقريرين للجنة الحسابات العامة بالبرلمان البريطاني صدرا الأسبوع الماضي، الحكومة ستتعرض لمخاطر مالية لعقود جراء إنفاقها 372 مليار جنيه استرليني لمواجهة الجائحة وتداعياتها، وقالت اللجنة إنه كمثال لهذه المخاطر هناك نحو 26 مليار جنيه أسترليني جرى إهدارهم حتى الآن خلال عمليات تحايل وتخلف عن سداد قروض منحت لشركات لمساعدتها على مواجهة الجائحة، وهناك أيضا مستويات مرتفعة من التبذير بسبب شراء أدوات حماية شخصية “غير مناسبة” لمواجهة الجائحة، بما يعادل أكثر من ملياري جنيه استرليني.

على الرغم من التفاؤل بأن هذه التحديات لن تحول دون عودة الاقتصاد البريطاني للعمل بكامل طاقته بحلول نهاية العام الجاري بفضل سياسات التحفيز وزيادة الإنفاق الاستهلاكي للأسر، إلا أنه ما زال أمام حكومة جونسون مهمة صعبة لإعادة السيطرة على اتجاه الجائحة دون الحاجة إلى إعلان إغلاق وطني رابع من شأنه أن ينهي آمال التعافي تماما، حتى اللحظة هذه الآمال يمكن وصفها بالهشة فالناتج المحلي الإجمالي أقل من مستويات ما قبل الجائحة، وتبقى كل الآمال رهينة قدرة بريطانيا على تعلم الدرس جيدا والحفاظ على زخم وتيرة توزيع اللقاحات والتعامل مع مشاكل ديون الشركات ونقص العمالة والأهم التصدي للموجة الجديدة من الوباء بحكمة.  

ربما يعجبك أيضا