مخاطر تهدد تعافي الاقتصاد الأمريكي.. و«الفيدرالي» يرفض استخدام المكابح

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

اتجهت أنظار الأسواق العالمية وصناع السياسات المالية إلى واشنطن، مساء أمس الأربعاء الموافق 28 يوليو، لتصغي جيدا إلى إعلان رئيس الاحتياطي الفيدرالي عن نتائج اجتماع لجنة السوق المفتوحة الذي استمر لمدة يومين، إذ كان الجميع يترقب أن يبدي المركزي الأمريكي أي إشارة إلى رفع قريب لأسعار الفائدة في ظل ارتفاع معدلات التضخم، إلا أن هذا الأمر تبدد تمامًا مع تصريح جيروم باول بأن مثل هذه الخطوة ما تزال حدثاً بعيد المنال رغم المخاطر التي تواجه التعافي الاقتصادي.

نتائج اجتماع المركزي الأمريكي

-قررت لجنة السوق المفتوحة التابعة لـ”الاحتياطي الفيدرالي” الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير عند مستويات 0 و0.25%.

-سيواصل “الفيدرالي” زيادة حيازاته من سندات الخزانة بما لا يقل عن 80 مليار دولار شهريًا والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري بما لا يقل عن 40 مليار دولار شهريًا حتى يتم إحراز تقدم كبير نحو الحد الأقصى للتوظيف.

ستواصل لجنة السوق المفتوحة جهودها لتحقيق أقصى قدر من التوظيف والحفاظ على مستوى التضخم عند معدل 2% على المدى الطويل.

– ترى اللجنة أنه يمكن تحقيق تضخم معتدل أعلى من 2% لبعض الوقت بحيث يبلغ متوسط ​​التضخم 2% بمرور الوقت وتظل توقعات التضخم الأطول أجلاً ثابتة عند 2% أيضا.

-ساهم التقدم في توزيع اللقاحات في تقليل انتشار كورونا في الولايات المتحدة، وبالتوازي مع برامج التحفيز الاقتصادي ساهم أيضا في تعزيز مؤشرات النشاط الاقتصادي، إلا أن المخاطر على التوقعات الاقتصادية ما زالت قائمة.

 وقالت اللجنة في بيانها الصادر أمس الأربعاء: إن المركزي الأمريكي ملتزم باستخدام أدواته كاملة لدعم الاقتصاد  في هذا الوقت الصعب وتعزيز أهداف التوظيف واستقرار الأسعار، لذا يرى أنه من الملائم الإبقاء على النطاق المستهدف لسعر الأموال الفيدرالية بين 0 إلى 0.25%، والحفاظ عليه حتى تصل ظروف سوق العمل إلى مستويات الحد الأقصى للتوظيف.

وأكدت اللجنة أنها على استعداد لتعديل موقف السياسة النقدية بالشكل المناسب إذا ظهرت مخاطر قد تعرقل تحقيق أهدافها، لافتة إلى أن تقييماتها ستأخذ بعين الاعتبار مجموعة واسعة من المعلومات، بما في ذلك قراءات حول الموقف الوبائي، وظروف سوق العمل، وضغوط وتوقعات التضخم، والتطورات المالية الدولية.

رئيس الفيدرالي جيروم باول قال: إن اقتصاد البلاد يظهر بوادر تقدم جيدة، لكن هذه البوادر ليست كافية لإنهاء سياسات التيسير المالي التي طبقت العام الماضي، مؤكدا أن الاقتصاد الأمريكي ما يزال أمامه طريق طويل قبل السماح بهذه الخطوة.

وأضاف أن التضخم قد يرتفع ويبقى كذلك لفترة أطول من المتوقع فيما يتعافى الاقتصاد من الانكماش الناجم عن الجائحة، مع استمرار إعادة الفتح التدريجي، مصرا على أن ارتفاع التضخم ما زال نتيجة لعوامل “عابرة”، بما لا يشكل خطرا على النمو.

وأكد باول وكذلك بيان لجنة السوق المفتوحة أن مسار التعافي الاقتصادي ما زال يتوقف على مسار “كورونا” والحفاظ على التقدم المحرز في برنامج توزيع اللقاحات.

توقعات بتعافي قوي ولكن

توقع صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر هذا الشهر، أن تحقق الولايات المتحدة نموا بنسبة 7% خلال العام الماضي، بعد انكاش بـ 3.5% في 2020، عازيا هذا التفاؤل لتقدم أمريكا في برنامجها الوطني لتوزيع اللقاحات بما يسهم في تجنب إجراءات الإغلاق المعطلة للنشاط الاقتصادي.

في يونيو الماضي توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينمو الاقتصاد الأمريكي خلال العام الجاري بنسبة 6.9%وهي أسرع وتيرة منذ عام 1984.

لكن أمام هذا التفاؤل هناك عقبات لعل أهمها:

أولا: متحورات كورونا

حتى اللحظة حصل نحو 86% من الأمريكيين المؤهلين الذين تصل أعمارهم إلى 12 عاما أو أكثر على جرعة واحدة من اللقاح، فيما وصل عدد المطعمين بجرعتي اللقاح  إلى أكثر من 46%، لكن متحورات كورونا شكلت أخيرا مصدر قلق لدى خبراء الصحة، فبحسب مراكز مكافحة الأمراض هذه المتحورات تهدد البلاد بالعودة إلى مربع الصفر في مواجهة الوباء وتسجيل أكثر من 3000 وفاة أسبوعيا خلال فصلي الخريف والشتاء.

إذا متحورات كورونا تمثل أكبر تهديد لأمريكا في حربها ضد الجائحة، كما قال أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للأمراض المعدية، وكبير المستشارين الطبيين للرئيس جو بايدن، وهي أيضا تهدد اقتصاد البلاد بالتراجع للوراء مرة أخرى، ففقدان السيطرة على الوباء في أي لحظة سيكلف البلاد المزيد من الأرواح والأموال معا وربما سنوات من الانكماش.

ثانيا: التضخم

خلال يونيو الماضي سجلت معدلات التضخم زيادة سنوية قدرها 5.4%، وذلك بعد زيادتها خلال مايو الماضي بأسرع وتيرة منذ أوائل التسعينيات “3.4%”، ولا يبدو أنها ستتراجع قريبا في ظل إصرار المركزي الأمريكي على عدم التدخل عبر رفع أسعار الفائدة.  

محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة “أليانز” قال – في تصريحات نشرت في 23 يوليو الجاري- إن التضخم في أمريكا لن يكون مؤقتا، كما يعتقد الاحتياطي الفيدرالي ، مضيفا أن الشركات تتوقع المزيد من الزيادات في الأسعار، ومن جهة أخرى عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات أقل من 1.3% نتيجة تدخل الاحتياطي في السوق، لذا ينبغي على “المركزي” أن يخفف تدخّله ببطء، ويرفع قدمه عن دواسة البنزين.

كان العريان حذر سابقا في مقال نشرته “بلوميرج” يونيو الماضي، من أن تأخر الاحتياطي الفيدرالي عن الترحك لكبح التضخم يضاعف من المخاطر غير الضرورية التي تواجه التعافي الاقتصادي الذي يفترض أن يكون قوياً، وطويلاً، وشاملاً.

ثالثا: برامج التحفيز الضخمة التي تتبناه إدارة بايدن

منذ اليوم الأول لرئاسته رصد بايدن مبالغ طائلة لمواجهة الجائحة وتداعياتها، وشرعت إداراته بالفعل في إنفاق نحو 1.9 تريليون دولار لدعم الأسر والشركات المتضررة من “كورونا” والقطاع الصحي، فيما قدم خطة لتطوير البنية التحتية بنحو تريليون دولار جرى تخفيض سقفها لاحقا إلى 1.7 تريليون دولار، وينتظر أن يبدأ الكونجرس في مناقشة القانون الخاص خلال الشهر المقبل تمهيدا لدخولها حيز التنفيذ.

هذه الأرقام الضخمة التي تذهب لدعم الشركات والاقتصاد والأسر هي قد تسبب في قنبلة تضخمية، في حال لم يتم إنفاقها بطريقة موجهة تخدم نمو الاقتصاد وتخلق فرص عمل جديدة، فبحسب بيانات وزارة العمل الأمريكية معدلات البطالة وصلت في يونيو الماضي إلى نحو11% مقارنة بمستويات 3.5% في 2019 أي قبل الجائحة.. إذا سوق العمل فعليا ما زالت بعيدة عن الحد الأقصى بحسب “الفيدرالي”، لكن هذا لا يعني أن يبقي يده مرفوعه عن “المكابح” فبإمكانه أن يتدخل عبر تقليص برنامج شراء سندات الخزانة أو الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري أو أن يرفع أسعار الفائدة بشكل هامشي، وذلك قبل بداية العام المقبل – وليس كما هو متوقع مع نهاية الربع الأول من 2022- لإعطاء السوق شيء من الاتزان.

لكن كل هذه العوامل رهينة بأمر واحد هو مسار الجائحة، فخلال الساعات الـ24 الماضية سجلت أمريكا أكثر من 84 ألف إصابة جديدة ونحو 501 وفاة بكورونا، هذه الأرقام تدعو للقلق ومن شأنها في حال الخروج عن السيطرة خلال الأشهر الخمسة المقبلة أن تطيح بكافة آمال التعافي، لذا وجدنا إدارة بايدن تتحدث عن إلزام الموظفين الفيدراليين بتلقي لقاحات كورونا، ومراكز مكافحة الأمراض تناشد المواطنين الملقحين بارتداء الكمامات داخل الأماكن المغلقة، لتثبت ما قالته منظمة الصحة العالمية سابقا إنه لا سبيل للوقوف في وجه كورونا ومتحوراتها دون التدابير الوقائية، وإلا الجميع سيصبح في دائرة الخطر.  

ربما يعجبك أيضا