عام على كارثة مرفأ بيروت.. لبنان يغرق في الظلام

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

قبل عام مضى، انفجرت واحدة من أكبر التفجيرات في التاريخ الحديث ودمرت مساحات شاسعة من العاصمة اللبنانية بيروت، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة آلاف آخرين.

ففي الـ4 من أغسطس 2020، اشتعلت عدة مئات إن لم يكن آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم، وهي مادة متفجرة تم تخزينها بشكل سيئ في مرفأ بيروت، مما أدى إلى اندلاع موجة الضغط والانفجار التي اجتاحت المدينة، وأدت إلى نزوح 300 ألف شخص وتركت مناطق بأكملها في بيروت مدمرة.

على الرغم من وجود دلائل تظهر أن كبار المسؤولين من رئيس الميناء إلى الرئيس اللبناني على علم بالمخزون الخطير ولم يفعلوا شيئًا حيال ذلك، لم تتم محاسبة أحد حتى الآن.

وتوقف التحقيق في الكارثة إلى حد كبير وسط الخلافات المريرة بين قاضي التحقيق وعائلات الضحايا والنخبة السياسية المتمردة بسبب الحصانة.

في غضون ذلك، يقع لبنان في قبضة واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم خلال الـ 150 عامًا الماضية، ومع انخفاض العملة، تضاعفت أسعار المواد الغذائية خمس مرات، مما يعني أنه الآن على مدى ثلاثة أرباع البلاد ليس لديهم طعام أو الحصول على المال لشراء الطعام، وشحت الأدوية وأصبحت المستشفيات على حافة الهاوية ولا يوجد سوى ساعات قليلة من الكهرباء في اليوم وسط نقص مزمن في الوقود.

«هناك ألم لا يتوقف»

على وقع الدمار والأزمات المتراكمة في كل مكان، يحيي اللبنانيون، ذكرى مرور عام على الكارثة بكثير من الغضب، حيث تبدلت حياتهم بعد هذا الانفجار الذي خلف ندوبا لا تموت ولا تختفي في نفوس اللبنانيين.

ويقود أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت واللبنانيون معركة توصف بأنها معركة كبرى وهي معركة إسقاط الحصانات عن المتورطين والمسؤولين عن هذا الانفجار وعن مقتل أبنائهم.

وفي حديث لصحيفة «الجادريان»، يقول جيلبرت كران 31 عامًا، إنه خطيبته سحر، لقت مصرعها مقتلها الانفجار المميت الذي عصف ببيروت : «يقولون إن الحياة تستمر ولكن حياتي عالقة في 4 أغسطس 2020، لا يمكنني المضي قدمًا».

من حوله، تشكل معالم منزله نوعًا من النصب التذكاري لشريكته التي استمرت سبع سنوات، والتي كانت مسعفة في قسم الإطفاء وكانت تعمل في يوم مقتلها، لا يوجد سطح لا يحمل صورة أو تمثال أو لوحة لسحر فارس 27 عاما، وهي تبتسم في زيها.

ما جعل الأمر أسوأ هو أن جيلبرت كان على مكالمة فيديو مع سحر، في غضون بضع دقائق بعد السادسة مساءً في 4 أغسطس عندما حدث الانفجار، حيث تم نشر فريقها من إدارة الإطفاء في بيروت للمساعدة في إخماد الحريق في العنبر 12 التي كانت تحتوي على مخزون المتفجرات، لم يكن لديها أدنى فكرة عن أنها كانت تسير نحو موت محقق.

آخر ما رآه جيلبرت في تلك المكالمة كان الدخان والألعاب النارية والنيران تتصاعد خلف وجهها المرعوب، صرخ في وجهها للركض وفعلت ذلك لبضع دقائق، وبدأ يتأرجح وجهها ذهابًا وإيابًا في شاشة الهاتف إلى أن انقطع الاتصال.

كل صباح تستيقظ تريسي عوض نجير وتبكي لمدة نصف ساعة، قبل أن تلتقي وتواصل يومها في الكفاح من أجل العدالة من أجل ابنتها، «الكسندرا ناجير» البالغة من العمر 3 سنوات وهي من بين أصغر ضحايا الانفجار.

يقول زوجها لصحيفة «الإندبندنت» أن «الألم لفقدان ابنتي نشعر به كل ثانية من كل يوم» ويزداد صعوبة عندما نتذكر أن الجريمة تظل بلا عقاب ودون حل، مضيفا: «ليس لدينا حقيقة، ولا عدالة، ولا أحد يحاسب، ليس لدينا مساحة للحزن، ومن الإجرام مطالبة نفس الأشخاص الذين قتلوانا في 4 أغسطس بتشكيل حكومة وحكمنا مرة أخرى.. هذا لا يطاق».

تورط مسؤولين في الانفجار

اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية، مسؤولين لبنانيين كبار بالتورط في الانفجار المدمر الذي هز مرفأ بيروت، مشيرة إلى وجود دلائل تؤكد ذلك، بحسب «فرانس برس».

وخلص تقرير أصدرته المنظمة من أكثر من 700 صفحة ، إلى وجود أدلة قوية تشير إلى أن مسؤولين لبنانيين علموا وقبلوا ضمنيا بالمخاطر التي تشكلها مادة نترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في المرفأ، مؤكدة أن عددا من المسؤولين ارتكبوا جريمة الإهمال الجنائي بموجب القانون اللبناني.

واستند التقرير إلى وثائق رسمية ومقابلات مع مسؤولين كبار منهم رئيس البلاد ورئيس حكومة تصريف الأعمال ومدير الأمن العام، حيث تتبع التحقيق أحداثا ترجع إلى عام 2014 وما بعده في أعقاب جلب الشحنة إلى مرفأ بيروت، كما رصد تحذيرات متعاقبة بشأن خطورة هذه الشحنة إلى عدة جهات رسمية.

ودعت «هيومن رايتس» مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في الانفجار وحثت الحكومات الأجنبية على فرض عقوبات على المسؤولين تتعلق بحقوق الإنسان والفساد.

وكان التحقيق في الانفجار، والذي يقوده القاضي طارق بيطار، قد تعطل لأن الطلبات التي أرسلت للبرلمان والحكومة لرفع الحصانة والتمكين من استجواب عدد من كبار المسؤولين قوبلت إما بالرفض أو المماطلة.

وأشارت المنظمة، إلى أن الرئيس ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ووزراء سابقين طلب القاضي بيطار إفادات منهم، تقاعسوا في اتخاذ إجراءات لحماية الناس على الرغم من إبلاغهم بالمخاطر.

وكان عون قال الجمعة الماضي، إنه مستعد للإدلاء بإفادته وإنه «لا أحد فوق العدالة مهما علا شأنه».

بصمة سوداء

في بيان بمناسبة ذكرى الانفجار، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إن انفجار مرفأ بيروت «كشف عورات البلد»، مضيفا: «سنة مرت على ذلك الزلزال الذي ضرب بيروت وكل لبنان، وكانت نتائجه مدمرة على جميع المستويات، وخسرنا شهداء وأصيب الآلاف ودُمرت منازل ومؤسسات، ترك جروحا عميقة في النفوس والوجدان وفي واقع البلد»، وفقا لـ«رويترز».

وتابع دياب: «تمر سنة على هذا الانفجار، لكن المعالم ما تزال صارخة، والوجع ما زال يدمي القلوب، ونار حرقة أهالي الشهداء والجرحى لم تنطفئ، وإن تحقيق العدالة يبدأ بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الكارثة».

من جانبه دعا رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، إلى تحرير العدالة من المبارزات السياسية والاستثمار السياسي، مطالبا بتحقيق دولي شفاف في انفجار مرفأ بيروت.

وقال الحريري: «سنة على انفجار 4 أغسطس الماضي، بصمة سوداء لحالات الضياع والإنكار والتسيب والإهمال في مؤسسات الدولة السياسية والقضائية والإدارية والعسكرية»، مشيرا إلى أن البركان الذي عصف ببيروت وأهلها وأحيائها، ليس منصة للمزايدات والاستثمار السياسي في أحزان المواطنين المنكوبين، واتخاذها ممراً لتسجيل المواقف وإغراق المسار القضائي بتوجيهات شعبوية لتهريب الحقيقة.

في الوقت الحالي، ما زالوا اللبنانيون محاصرين في جحيم 4 أغسطس، وبينما يبدو ذلك مستحيلًا ، يكمن أملهم في محاسبة المسؤولين عن الانفجار لأنها الخطوة الأولى في كسر نمط طويل من الحصانة الممنوحة للمسؤولين الفاسدين الذين دمروا الدولة، وإذا تمكنوا من تحقيق العدالة، فقد يساعد ذلك الشباب في المستقبل، لذا فهم على الأقل يرون التغيير.

ربما يعجبك أيضا