وسط تهافت ذئاب «وول ستريت» عليها.. ما هي شركات «الشيك على بياض»؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تشهد “وول ستريت” منذ العام الماضي أداء قياسيا لمؤشرات الأسهم الأمريكية، بفضل تدفق السيولة بمستويات تاريخية بفعل جائحة كورونا وما فرضته من تغييرات على نمط الحياة اقتصاديا واجتماعيا وفي المرتبة الأولى بفضل أنخفاض أسعار الفائدة، ووسط طفرة الأسهم لمع نجم شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة أو “SPAC” ونجحت نحو 600 شركة من هذا النوع في جمع أكثر من 186 مليار دولار منذ بداية 2020.

ما هي شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة؟

تعج منصات ومدونات المستثمرين في سوق الأسهم الأمريكية بالحديث عن هذه الشركات التي تسمى أيضا بـ”شركات الشيك على بياض”، وهو اسم على مسمى كما يقولون، فهذه الشركات تكاد تكون وهمية فهي لا تنتج شيئا محددا وتؤسس بغرض جمع الأموال من المستثمرين – أفراد أو صناديق استثمارية- من خلال طرح أسهمها للاكتتاب العام بهدف الاستحواذ لاحقا على شركات خاصة.

في الأغلب هذه الشركات يؤسسها مستثمرون أو ما يطلق عليه اسم “الرعاة” من ذوي الخبرة في سوق الأسهم أو رجال الأعمال عموما وقد يكون المؤسس صندوق للأسهم الخاصة، ويكون لديهم خطة للاستحواذ على شركة ما بمجرد الانتهاء من طرح أسهم شركتهم الوليدة في البورصة وجمع المال اللازم لصفقة الاستحواذ إلا أنهم لا يفصحون عنها لمستثمري الاكتتاب العام ومن هنا جاءت تسميتها بـ”شركات الشيك على بياض” فكأن المسثمر من حملة الأسهم يمضي شيكا على بياض لمجلس إدارة هذه الشركات للتصرف في أمواله كيفما يشاء.

لكن هناك بعض القواعد التي تنظم عمل هذه الشركات وتضمن حقوق حملة الأسهم:

 أولا: الرعاة لا يتقاضون رواتبا هم يحصلون على حصة من أسهم  الشركة الأم والشركة التي سيتم الاستحواذ عليها لاحقا – غالبا 20%- أو يحصلون على ما يسمى سندات قابلة للتحويل وهو نموذج من السندات يصدر عن الشركات ويسمح لحامله بتحويله في أي وقت إلى حصة من الأسهم بدلا من الاحتفاظ به كورقة دين.  

 ثانيا: هذه الشركات تحتفظ بحقها في إعادة شراء أسهمها في حال ارتفعت قيمتها.

ثالثا: الأموال التي يتم جمعها من قبل شركات الشيك على بياض يتم وضعها في حساب بنكي ولا يمكن صرفها إلا باكتمال الهدف الأساسي “الاستحواذ على شركة ما” على أن يكون ذلك في غضون عامين لا أكثر، وإلا سيكون على الشركة التصفية والتخارج من السوق وفق القواعد المنظمة لعمل هذا النوع من الشركات.

رابعا: في حال لم تستحوذ “شركات الشيك على بياض” على شركة ما بعد الطرح العام وخلال مهلة العامين يتم التصفية وإعادة الأموال إلى أصحابها من حملة الأسهم المقترعين في الاكتتاب العام، لكن الرعاة يخسرون بالطبع استثماراتهم التي أنفقوها لتأسيس الشركة وطرحها بالسوق.  

خامسا: في حال تمكنت الشركة من الاستحواذ على شركة جديدة، فإن المساهمين هنا يكون لهم الخيار إما الاحتفاظ بالصفقة أو استعادة أسهمهم مع نسبة من الفوائد.

خلال الفترة من عام 2004 حتى 2018،  جمعت شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة في الولايات المتحدة نحو 49.14 مليار دولار عبر 332 اكتتابًا أوليًا، وفي عام 2020 وحده جمعت أكثر من 200 شركة من هذا النوع، ما يصل إلى 80 مليار دولار من المستثمرين، وخلال الفترة من أغسطس إلى ديسمبر 2020 تم تأسيس أكثر من 50 شركة “شيك على بياض” في أمريكا وجمعت حوالي 21.5 مليار دولار.

بريق شركات “الشيك على بياض” مستمر رغم المخاطر

تجذب شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة الجميع في “وول ستريت” –إن جاز التعبير- فبالنسبة لأغلب الشركات الصغيرة والناشئة هي فرصة جيدة في حال قرر القائمين على شركة “SPAC” الاندماج معها أو الاستحواذ عليها، إذ تسهل هذه الخطوة على “الشركات الصغيرة” المرور إلى أسواق المال بعيدا عن تعقيدات الطرح الأولي.

وبالنسبة للمستثمرين الصغار هي فرصة للاستثمار منخفض التكلفة، ففي حال تمت تصفية شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة فهم سيحصلون في أسوء الأحوال على أموالهم كما هي.

أما بالنسبة للرعاة أو المستثمرين الرئيسيين، فهمي تحمل هامش مخاطرة، تراه هذه الفئة ضرورة من أجل تحقيق المكسب لاحقا، خصوصا في ظل أسعار فائدة صفرية، ووفرة السيولة بأسواق المال، لذا ليس من المستغرب أن يرتبط اسم هذه الفئة من الشركات بأسماء كبرى في عالم صناديق التحوط أو الصناعة أو حتى السياسة والرياضة، فعلى سبيل المثال العام الماضي كان بنك “ستي جروب”  ثاني أكبر مكتتب في أسهم هذه الشركات، وأيضا برز اسم “بيرشينج سكوير كابيتال مانجمنت”، و”جولدمان ساكس”  بين المهتمين بشركات “الشيك على بياض” سواء لشراء أسهمها أو المشاركة في إطلاقها، ومن رجال الأعمال برز اسم المسؤول التنفيذي السابق في “فيسبوك” تشاماث باليهابيتيا الذي أسس أول شركاته من هذه الفئة عام 2017 وما زال يؤسس المزيد ولديه قناعة بأنها تحمل مكاسبا تفوق مخاطرها.

الملياردير الأمريكي المشهور ريتشارد برانسون أسس أيضا شركة من هذا النوع باسم ” في جي أكويزيشن”، وأيضا الملياردير كريج مكاو لديه شركة “شيك على بياض” باسم “هوليسيتي إنك”.

وتعد أبرز مخاطر شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هي أنها تستخدم كباب خلفي لدخول الشركات الصغيرة إلى أسواق المال دون التعقيدات المتعارف عليها بالنسبة للطرح العام الأولي والتي تكون ضرورية للتأكد من جدية هذه الشركات، لذا كان من الضروري أن تعاني “وول ستريت” من ظهور شركات تتراجع أسهمها بقوة بعد أيام قليلة من الاكتتاب العام، لا لشيء سوى أنها مجرد شركات خاسرة تم الاستحواذ عليها من قبل شركات “SPAC” فقط لتجنب التخارج من السوق.

بالتالي هذه الشركات والتي تجذب من نسميهم بذئاب “وول ستريت” تسمح -في كثير من الأحيان- لشركات مرتفعة المخاطرة بالدخول إلى أسواق المال، وقد يلجأ بعضها لعمليات احتيال وتلاعب كنشر أخبار كاذبة لرفع قيمة أسهمها.

ظاهرة شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة تعود للثمانينات وموجودة في غالبية أسواق العالم إلا أنها أزدهرت في الأساس في “وول ستريت” مستفيدة من قيود أقل تعقيدا تفرضها هيئة البورصات الأمريكية على قيد وطرح هذه الشركات للاكتتاب العام، مؤخرا بدأت الهيئة في دراسة أوضاع هذه الشركات عن كثب وتحديدا فيما يتعلق بمتطلبات الإفصاح الخاصة بها، ما يعني أنها قد تصطدم قريبا بقيود أكثر صرامة، لكن حتى اللحظة هي تتمتع بقوة جذب في ظل أسعار الفائدة المنخفضة والطفرة التي تشهدها أسهم “وول ستريت” عموما والميل نحو المخاطرة من قبل رؤوس الأموال، لذا من غير المتوقع أن يهدأ نشاط تأسيس هذه الشركات خلال العام الجاري، لكن ربما مع حلول 2022 وبدء موجة تصحيح بـ”وول ستريت” بعد أن وصلت إلى مستويات قياسية وارتفعت بعض أسهمها بنسب تتجاوز الـ150%، قد تخفت طفرة هذه الشركات تدريجيا، وسيعزز ذلك استقرار الوضع الوبائي – إن حدث- واستعادة الاقتصاد الأمريكي لمستويات ما قبل الجائحة أو التحرك بقربها شيئا فشيء وصولا إلى قرار تشديد السياسة النقدية لاستعادة السيطرة على التضخم وحركة الأسواق.   

ربما يعجبك أيضا