تصفية حسابات.. بيلاروسيا تشهر سلاح المهاجرين بوجه أوروبا

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في محاولة استفزازية لبيلاروسيا ردًا على العقوبات الأوروبية ضدها، قامت بتسهيل عبور المهاجرين العراقيين غير الشرعيين عبر أراضيهم للوصول إلى ليتوانيا، كسلاح للضغط على أوروبا لتتحول القضية إلى خلاف سياسي حاد يزيد التوتر المشتعل أصلًا بين دول الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا، وسط مطالبات أوروبية من العراق بضبط تدفق مواطنيه على ليتوانيا من خلال الأراضي البيلاروسية.

محاولة استفزازية

التدفق الهائل للمهاجرين العراقيين إلى ليتوانيا، وصفه الاتحاد الأوروبي بأنه محاولة استفزازية من قبل بيلاروسيا وذلك ردًا على العقوبات الأوروبية الأخيرة، لكنه في ذات الوقت لا يتغاضى عن مسؤولية العراق نظرًا لكون غالبية المهاجرين من الجنسية العراقية.

وفي هذا السياق، تباحث وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين حول طريقة التعامل مع أزمة المهاجرين العراقيين الذين يعبرون إلى ليتوانيا بشكل غير قانوني من بيلاروسيا.

من جهته، يرى الكاتب والباحث جمال عزيز أن: “آلاف العراقيين تحولوا مع بالغ الأسف لورقة تصفية حسابات بين بيلاروسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي، لاسيما ليتوانيا المجاورة لها”.

وفي سياق متصل، تشتبه سلطات ليتوانيا في قيام بيلاروسيا بتنسيق تدفق المهاجرين إليها وخاصة من العراقيين ردًا على العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي على بيلاروسيا، وبرغم من نفي بيلاروسيا يرى الاتحاد الأوروبي أن مينسك تستخدم المهاجرين سلاحًا للضغط على جارتها التي تستضيف معارضي النظام البيلاروسي.

من جنة إلى غابة ليتوانية

خلال السنوات الماضية، تضاعفت أعداد المهاجرين العراقيين نحو أوروبا، لاسيما مع تراكم الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية وتفجر التوترات الأمنية في العراق،  حيث يتنوع من المهاجرين من إقليم كردستان ومن الوسط والجنوب ومن كل بقعة عراقية.

من جهتها، أعلنت الخطوط الجوية العراقية إيقاف رحلاتها إلى بيلاروسيا لمدة أسبوع، في محاولة على ما يبدو لضبط عملية تدفق المواطنين العراقيين على بيلاروسيا لأغراض الهجرة غير الشرعية نحو دول الاتحاد الأوروبي.

جاء هذا الإجراء إثر مقتل مهاجر عراقي وإصابة 5 آخرين على الحدود بين ليتوانيا وبيلاروسيا، وقالت وزارة الخارجية العراقية إنها تتابع تفاصيل حادث أودى بحياة مواطن عراقي على حدود البلدين.

وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجيّة أحمد الصحاف في بيان إلى أن سفارة العراق في موسكو “تتابع ببالغ الاهتمام تفاصيل الحادث الذي أودى بحياة مواطن عراقي على الحدود المشتركة بين بيلاروسيا وليتوانيا”. ودعا “كل العراقيين أن لا يكونوا هدفاً لشبكات التهريب والاتجار بالبشر”.

بدورها، ذكرت فيه ليتوانيا إلقاء القبض على 171 شخصا أثناء عبورهم من بيلاروسيا، وهو أكبر عدد يسجل خلال يوم واحد هذا العام، ليرتفع هذا العدد الإجمالي للمهاجرين غير الشرعيين هذه السنة، إلى نحو 4 آلاف مهاجر، عدد كبير منهم من العراقيين، في حين أن عددهم العام الماضي بالكاد بلغ نحو 100 مهاجر فقط.

وبحسب إفادات العراقيين العالقين على الحدود الليتوانية -البيلاروسية، فإنه يتم التعامل معهم في ليتوانيا كمجرمين ويعانون من ظروف قاسية للغاية مكدسين في مجمعات أشبه بالمعتقلات، حيث تبخر حلمهم بالعيش في حياة كريمة أفضل مما يواجهونه في العراق.

ألأوضاع عززتها تصريحات وزير خارجية ليتوانيا غابريليوس لاندسبيرغيس خلال مباحثاته مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، قائلًا: إن  “المهاجرين العراقيين وُعدوا بـ”جنة أوروبية” لكن انتهى بهم الأمر في “غابة ليتوانية وسط مخيم للاجئين”.

بغداد وشبكات التهريب

ومن أجل ضبط عملية تدفق المهاجرين، طالب مفوض الاتحاد الأوروبي للأمن والخارجية “جوزيب بوريل” العراق “تبرير” سبب استخدام مطار بغداد الدولي لنقل مهاجرين إلى بيلاروسيا التي يتسلل منها مهاجرون غير شرعيون إلى ليتوانيا المجاورة.

على الجانب الأخر، رفض العراق على الفور اتهامات المفوض الأوروبي بتسهيل استخدام مطار بغداد الدولي لنقل مهاجرين إلى بيلاروسيا ومنها إلى ليتوانيا بشكل غير شرعي، مبديًا استعداده للتعاون في مجال مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

وبدورها، أكدت مستشارية الأمن القومي العراقي في بيان صحفي أن “مطار بغداد الدولي مخصص للسفر الشرعي فقط، حيث أن روسيا البيضاء (بيلاروسيا) تسمح شرعياً وقانونياً للسياح العراقيين بدخول أراضيها ولا يمكن للدولة العراقية أن تمنع مواطنيها من السفر إلى دولة بشكل شرعي كبقية دول العالم”.

ومن جانبه قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، إن بلاده ستحقق في شبكات الاتجار بالبشر  المسؤولة عن تهريب مواطنيه إلى أوروبا، موضحًا أن حكومته ستشكل “لجنة تضم ممثلين عن وزارتي الخارجية والهجرة وجهاز المخابرات وهيئة الطيران المدني لتضييق الخناق على شبكات التهريب”.

كانت ليتوانيا التي يبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة، قد سجلت دخول أكثر من 4 آلاف مهاجر هذا العام معظمهم من العراقيين مقابل 81 في عام 2020، حيث بدأت خلال الشهر الماضي بناء حاجز من الأسلاك الشائكة طوله 550 كم على حدودها مع بيلاروسيا.

تحرك أوروبي لمواجهة بيلاروسيا

وعلى خلفية اتهام بيلاروسيا باستخدام المهاجرين غير الشرعيين إلى ليتوانيا كسلاح ضد عقوبات الاتحاد الأوروبي على مينسك، تم إجراء مشاورات مع بيلاروسيا والحكومة العراقية، والذي يعقبه انعقاد اجتماع استثنائي افتراضي لوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في منتصف أغسطس، بحسب تصريحات الرئاسة الرئاسة السلوفينية للاتحاد الأوروبي.

وفي السياق نفسه اتهمت بولندا بيلاروسيا بإرسال أعداد متزايدة من المهاجرين عبر الحدود في رد فعل انتقامي على قرار وارسو بمنح اللجوء لكريستينا تسيمانوسكايا العداءة الأولمبية التي رفضت العودة إلى بلادها من أولمبياد طوكيو.

من جهتها، طالبت السلطات النمساوية بمزيد من الضغوط والعقوبات من الاتحاد الأوروبي ضد بيلاروسيا،بسبب الاستبداد وتسهيل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه تلتزم النمسا بإجراء حوار مستدام وشامل مع المجتمع المدني في بيلاروسيا.

ويبدو جليًا أن بيلاروسيا قد تواجه مزيدًا من العقوبات على خلفية استخدامها أزمة المهاجرين للضغط على عقوبات الاتحاد الأوروبي، لتسير على نفس خطى تركيا.

ربما يعجبك أيضا