بعد تعثرها خلال الأشهر الماضية.. هل تحلق «بيتكوين» من جديد؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

شهدت عملة “البيتكوين” الأشهر في عالم العملات الرقمية تقلبات عنيفة خلال الفترة من أبريل إلى يوليو الماضي، فبعد أن قفزت إلى مستويات الـ65 ألف دولار في منتصف أبريل الماضي، تراجعت بقوة إلى ما دون الـ30 ألفا خلال شهر مايو، لكن خلال الأيام القليلة الماضية بدأت تظهر علامات قوية على التعافي فعادت للتداول فوق مستوى الـ40 ألفا، وسط توجه لقبول أوسع لها لدى العديد من الجهات التنظيمية ببلدان مثل ألمانيا والولايات المتحدة والسلفادور، فضلا عن توجه بعض الشركات للقبول بها كوسيلة للدفع، والأهم من ذلك هو متحور “دلتا” الذي دفع غالبية البنوك المركزية نحو الإبقاء على سياسة التيسير النقدي، ما يعني مزيدا من السيولة التي تعزز عمليات شراء لـ”البيتكوين”.

 “البيتكوين” تتعافى                                      

خلال الساعات الـ24 الأخيرة ارتفعت “بيتكوين” إلى مستوى 45143 دولارا، وعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية ارتفعت بنحو 19%، وخلال تعاملات أمس السبت، ارتفعت بنسبة 4.1% لتصل إلى مستوى 44539 دولارا هو أعلى مستوى لها منذ مايو الماضي، عندما تراجعت إلى ما دون الـ30 ألفا بفعل تغريدة للملياردير إيلون ماسك في 13 مايو صرح خلالها بأن شركته “تسلا” ستوقف التعامل بالعملة الرقمية كون عمليات التعدين الخاصة بها تستخدم بكثافة الوقود الأحفوري.

وبعد هذه التغريدة التي شكلت صدمة قوية لـ”البيتكوين” وسوق العملات المشفرة عموما، تلاشت ضغوطها على نفسية المتعاملين بسوق العملات الرقمية تدريجيا، عندما عاد ماسك ليؤكد في 13 يونيو أن “تسلا” ستستأنف المعاملات بـ”بيتكوين” بمجرد أن تتأكد أن هناك استخداما معقولاً للطاقة النظيفة من قبل شركات التعدين، وقال في تغريدة شهيرة: “عندما يكون هناك تأكيد للاستخدام المعقول -حوالي 50%- للطاقة النظيفة من قبل المعدنين مع الاتجاه المستقبلي الإيجابي، ستستأنف تسلا السماح بالتعامل ببيتكوين”، وهذه التغريدة كانت كفيلة لدفع “بيتكوين” لاستعادة مستويات الـ40 ألفا.

يذكر أن شركة صناعة السيارات الكهربائية “تسلا” أعلنت في فبراير الماضي أنها اشترت كمية من أكبر عملة رقمية في العالم بما قيمته 1.5 مليار دولار، وقبل ذلك أعلنت في مطلع العام أنها ستقبل باستخدام “البيتكوين” كعملة لشراء سياراتها.

 إلا أن بيتكوين وتحديدا في النصف الثاني من يونيو عادت للتداول بالقرب من مستوى الـ29 ألف دولار، بالتزامن مع توسيع الصين لحملتها ضد شركات التكنولوجيا والمعاملات الخاصة بالعملات الرقمية، إذ طلبت من المصارف ومنصات الدفع الإلكتروني التوقف عن إجراء المعاملات المالية الخاصة بـ”البيتكوين”، وهذه الحملة تهدد حصة الصين من سوق تعدين العملات الرقمية بالتراجع من 65% على الصعيد العالمي إلى 50% بنهاية العام الجاري، تحديدا مع التوجه لحظر نشاط التعدين هذه العملات في بعض المقاطعات الصينية بشكل تام.

وربما تتغلب “بيتكوين” على الحملة الصينية ضدها عبر هروب المعدنين من الصين إلى الأسواق الأخرى وتصدير معداتهم إلى الخارج بحثا عن فضاء أفضل للعمل بحرية، وربما يدعمها ماسك من وقت لأخر كعادته للتدخل في هذا السوق باعتباره أحد المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي والأهم أحد حيتان سوق العملات الرقمية، لكن ما زال أمامها عقبة قد تقوض صعودها خلال ما تبقى من العام، وهي مشروع قانون البنية التحتية الذي يناقشه حاليا مجلس الشيوخ الأمريكي ويتضمن اقتراحات لإدارة الرئيس جو بايدن بزيادة الضرائب على الأرباح الرأسمالية إلى نحو 40% لمن يربحون أكثر من مليون دولار، ما يهدد تدفق السيولة “الأمريكية” باتجاه سوق العملات الرقمية في حال تمت الموافقة على القانون.   

أخبار إيجابية تعزز التعافي

على مدار الأشهر الأخيرة كما تلقت العملة الرقمية الشهيرة الكثير من الصدمات تلقت أيضا أخبارا إيجابية، كان من بينها إعلان عملاقة التجارة الإلكترونية “أمازون” في منتصف يوليو الماضي عن وظيفة شاغرة لقائد فريق منتجات العملات الرقمية، مما أثار تكهنات بأنها قد تقبل العملات الرقمية كوسيلة للدفع في عملياتها مستقبلا، هذا على الرغم من نفي الشركة لهذا الاحتمال، إلا أنها لم تتحدث عن أسباب إعلانها عن وظيفة بهذه المواصفات والذي يعكس رغبتها في دراسة سوق العملات الرقمية عن كثب ويمهد لاستثمار مستقبلي يتعلق بهذه السوق الضخمة.  

وفي الأول من يوليو، دخل قانون ألماني جديد حيز التنفيذ، يسمح لنحو 4 آلاف من صناديق الائتمان الخاصة بالاستثمار في العملات المشفرة، ما يمهد الطريق لزيادة أعداد المشترين الألمان للعملات المشفرة، بسيولة تصل إلى 2.1 تريليون دولار للاستثمار، وهي خطوة من شأنها تعزيز معنويات المتعاملين في سوق العملات الرقمية وتضفي شرعية أكبر على العملات المشفرة كفئة أصول داخل  الاقتصاد الألماني.

ولأول مرة في العالم، أصبحت بيتكوين عملة قانونية معترف بها في إحدى الدول خلال شهر يونيو الماضي، حيث أقر برلمان السلفادور قانونا يعتبر “بيتكوين”، عملة تداول قانونية، كما قررت قيادة الدولة منح الإقامة الدائمة للمستثمرين في هذه العملة، جدير بالذكر هنا أن السلفادور تعتمد على التحويلات المالية الخارجية بنسبة تصل إلى 22% من الناتج المحلي، ما يعني أن البيتكوين سيكون لها مستقبل قوي في هذا البلد.

مخاطر تهدد مستقبل العملات المشفرة

العديد من البنوك المركزية بدأت تتوجه لإصدار عملات رقمية خاصة بها، فعلى سبيل المثال بدأ بنك الشعب الصيني منذ العام الماضي في تجربة طرح “اليوان الرقمي” بعدد من المدن، كما أعلن بنك إنجلترا خلال مايو الماضي عن إنشاء فريق عمل مشترك لتنسيق سبل استكشاف عملة رقمية محتملة للبنك المركزي البريطاني، يفترض أن تطرح للأسر والشركات.

كما صرح جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الشهر الماضي بأنه يدعم التوجه لإصدار عملة رقمية مدعومة من المركزي الأمريكي لتكون بديلا للعملات الرقمية المتعارف عليها حاليا.

لا شك أن إصدار عملات رقمية مدعومة من البنوك المركزية هو توجه يهدد السيولة المتدفقة إلى سوق العملات الرقمية إلا أنه في حال تحقيقه على نطاق واسع عالميا هو فقط سيهدئ وتيرة الارتفاعات الجنونية التي تشتهدها هذه السوق، فمنذ بداية العام ارتفعت البيتكوين بأكثر من 90%  مع بعض التقلبات، فيما حققت عملة إثير الرقمية مكاسب بأكثر من 360% وعملة دوج كوين بأكثر من 500%.  

لعل الخطر الأكبر على مستقبل العملات الرقمية هو اعتمادها على الطاقة التقليدية في عمليات التعدين، فبحسب دراسة لمركز كامبريدج للتمويل البديل، خلال المدة من يناير وحتى 19 مايو، وصل استهلاك صناعة البيتكوين للطاقة إلى 147.8 تيراوات في الساعة، ويستهلك إنتاج عملة البيتكوين حاليا ما يقدر بنحو 0.59 في المئة من إنتاج الكهرباء العالمي.

أمام هذا أظهرت دراسة لمجلس تعدين البيتكوين أن نحو 56% من إجمالي نسبة تعدين عملة بيتكوين، تحول خلال الربع الثاني من 2021 إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المستدامة، لمواجهة الانتقادات الحادة للمعدنين العاملين في سوق البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية نتيجة الاعتماد على الوقود التقليدي المسؤول عن نسبة كبيرة من انبعاثات الكربون.

يبدو أن بيتكوين تتجه للتكييف مع هذه المخاطر وغيرها، وبفضل استمرار تداعيات كورونا وما تفرضه على البنوك المركزية وتحديدا في الاقتصادات الكبرى من الحفاظ على تدابير التحفيز النقدي المتبعة منذ العام الماضي، ستواصل تعافيها خلال الفترة المقبلة وربما تعود لمستويات الـ50 ألف دولار أو حتى الـ60 ألفا، إلا أنه بمجرد تراجع عمليات التحفيز وعودة النمو الاقتصادي العالمي إلى مستويات ما قبل الجائحة ستتراجع هي الأخرى ربما إلى مستويات مثل الـ15 ألف دولار، خاصة وأن عمليات صعودها ترتكز على العوامل النفسية أكثر من الفنية.     

ربما يعجبك أيضا