عملاء إيران في بلاط أردوغان

كتب – عاطف عبداللطيف

يضم نظام الرئيس التركي رجب أردوغان، العديد من العناصر التي تنتمي بشكل أو بآخر لنظام الملالي في إيران، مما يفسر سبب التقارب في وجهات النظر بين البلدين في كثير من الملفات ولعل أبرزها قيام النظام التركي بتسليم المعارضين إلى إيران، وعلى الرغم مما يبدو من توتر مرحلي يعتري العلاقات بين أنقرة وطهران في بعض الأوقات، أقربها إلى الأذهان بعد ما أثار الرئيس التركي، رجب أردوغان، غضب إيران خلال حضوره عرض عسكري في أذربيجان، في ديسمبر الماضي، بعد إلقائه بيت شعر من قصيدة تعتبرها طهران “انفصالية”، مؤكدة رفضها حديثه عن “أطماع توسعية”.

كالين وفيدان

إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة وكبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأحد المتحكمين في صنع القرار التركي كتب مقالًا أبدى إعجابه فيه بنظام الملالي وأشاد بالثورة الإسلامية الإيرانية وقائدها الراحل آية الله روح الله الخميني، كما وصف الخميني بأنه مرشد انتفاضة وزعيم الثورة الإسلامية وإمام المسلمين الثوريين ومثال على المسلمين المتدينين، كما نشر كالين مقالة لتقديم كتاب جهاد أكبر، الذي يضم محاضرات الخميني التي ألقيت في النجف، ودعا خلالها طلابه إلى تطهير أنفسهم استعدادا للنضال، والتحضير لشن الجهاد المسلح ضد أعداء الإسلام.

كالين ليس الوحيد في نظام أردوغان المعجب بالتجربة الإيرانية، فقد كشفت الوثائق أن هاكان فيدان رئيس المخابرات الوطنية التركية، كان معروفًا لعملاء فيلق القدس الذي كان يقوده قاسم سليماني قبل مقتله في غارة أمريكية، مطلع عام 2020 قرب مطار بغداد بالعراق، علاقةٌ تكشف وجود رابط بين فيدان وأحد الكيانات الإيرانية خلال عام 1994، حين كان ضابط صف في الجيش التركي، واعتناقه أفكارًا معادية للولايات المتحدة الأمريكية.

وهو ما يفسره كلام أحد عملاء إيران بتركيا في إعداده سيرة ذاتية عن فيدان، عُثر عليها في أحد الملفات التي اكتشفتها الشرطة التركية، في إطار تحقيق تجريه حول خلايا فيلق القدس على أراضيها.

واشنطن وتل أبيب

من بين تلك الملفات، ظهر أن فيدان الذي تولي زمام المخابرات التركية عام 2010، يريد إزالة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من على وجه الأرض، ومحب للثورة الإيرانية وينشد لها النجاح، وساعدها كثيرًا في بناء شبكات تجسس في أوروبا، كما التقى سرًا مع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لحرس الحرس الثوري الإسلامي، في طهران عام 2014، وعقد الاجتماع في مرآب للسيارات وتم إخفاؤه عن المخابرات والأمن في السفارة التركية، بحسب ما قال الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن التركي، محمود البتاكوشي في تصريحات خاصة.

وأضاف البتاكوشي: التحقيق مع هاكان فيدان في تركيا تم كجزء من تحقيق جنائي لقوة القدس عندما حددت وحدة مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة التي تراقب عمليات قوة القدس وتحقق في هجماتها الإرهابية في تركيا أصول الحرس الثوري الإيراني التي كانت مرتبطة بفيدان، الذي سرب فضيحة وقعت خلال اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة رجب أردوغان في أعقاب احتجاجات جيزي المناهضة للحكومة.

وكان أردوغان يصر على سحق الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد بالقوة الوحشية، في حين دعا نائب رئيس الوزراء آنذاك بولينت أرينك والعديد من شخصيات آخرى في مجلس الوزراء إلى وجهة نظر التسوية مع المنظمات الرائدة التي أطلقت الاحتجاجات على مشروع بناء مثير للجدل في ميدان تقسيم التاريخي في إسطنبول.

يشار أن فيدان في درس الدراسات الشيعية في العاصمة التركية، بينما كان ضابطًا غير مكلف في شبابه وتم استغلاله من قبل شبكة فيلق القدس، وأحضره أردوغان إلى الحكومة أولًا كرئيس لوكالة التنمية تيكا ومن ثم كنائب وكيل لرئيس الوزراء، تم تعيينه رئيسًا لجهاز المخابرات في عام 2010.

كيليك وتوران

في أغسطس 2019، عين الرئيس أردوغان أستاذ اللاهوت المؤيد لإيران، محمود إيرول كيليك، سفير تركيا إلى إندونيسيا، وهو الذي كتب عمودًا منتظمًا في صحيفة بني شفق اليومية مدح من خلاله النظام الإيراني وسياسته الخارجية في حين كشف عن وجهات نظره المعادية للعرب والسامية، وحذر إيران من التعرض للهجوم من قبل الأخوة  الصهيونية – الإنجيلية بسبب موقفها ضد إسرائيل، وأنه يجب حماية إيران من خلال تحالف الأخوة آخر لأن النظام الإيراني يرفض وجود إسرائيل ويعرفها بأنها “النظام الغازي الصهيوني”، واتهم مرارًا- على حد زعمه- السعودية ودول عربية أخرى بدعم الجماعات المتطرفة في أفغانستان وباكستان والصومال.

وكشفت وثيقة محكمة تركية سرية التحقيق مع اثنين من كبار مستشاري حكومة الرئيس رجب أردوغان الموالي لإيران كمشتبه بهم في تحقيق مع عناصر فيلق الحرس الثوري الإسلامي في تركيا.

 يشار إلى أن سيفير توران، كبير مستشاري أردوغان للسياسة الخارجية للدول الإسلامية والعربية، ومصطفى فارانك، كبير المستشارين السابقين الذي أصبح الآن وزيرًا للصناعة والتكنولوجيا، تم التنصت عليه من قبل المحققين الذين اشتبهوا في أن الإثنين كانا يعملان سرًا لتعزيز مصالح القدس القوة في تركيا.

مالكوج وجول

يعد شريف مالكوج، كبير أمناء المظالم في مؤسسة المراقبة العامة التركية التي تشرف على الشكاوى المقدمة ضد الهيئات العامة من أشد المتعاطفين مع نظام الملالي في بلاط أردوغان إذ التقى بـ6 مسؤولين إيرانيين في طهران خلال زيارة له مؤخرًا، ومنهم غلام حسين محسني إيجي، النائب الأول لرئيس القضاة في إيران، وثاني أعلى مسؤول في القضاء الإيراني، وعمل قاضي ومدعي عام وزيرًا للمخابرات في الفترة من أغسطس 2005 إلى يوليو 2009، مسعود كرباسيان، وزير المالية آنذاك الذي تم فصله لاحقًا في تصويت بالثقة في البرلمان، وداود محمدي، رئيس لجنة الالتماسات في البرلمان الإيراني، ومحمد جواد شريعة باقري، رئيس جامعة القضاء وكانت العلوم والخدمات الإدارية، التي تدرب معظم القضاة والمحامين في إيران، وناصر سراج رئيس مكتب التفتيش العام الإيراني.

شغل شريف مالكوج، منصب المستشار الرئيسي لأردوغان قبل أن يتم تعيينه لإدارة حزب العمال الكردستاني، كان هو وصهره عبدالحميد جول، وزير العدل التركي، من بين مهندسي إعادة تصميم القضاء بعد عملية تطهير جماعي لأكثر من 4000 قاضي ومدع عام.

قوة رجال إيران داخل النظام التركي ساعدت في عقد صفقات بين أنقرة وطهران في مجالات العلوم الصحية والطبية للتحايل على القيود المفروضة على المواد والتكنولوجيا الطبية ذات الاستخدام المزدوج لتجاوز العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة والولايات المتحدة على إيران، فضلًا عن تورط النظام الإيراني في قضية بنك خلق الذي تديره تركيا في نيويورك، والمتورط في انتهاك العقوبات الأمريكية على إيران.