«طالبان» تطوق كابول.. وتهدد الاقتصاد الباكستاني بضربة مزدوجة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

وسط استمرار تقدم حركة طالبان نحو قلب العاصمة الأفغانية كابول، بعد أن فرضت سيطرتها على غالبية المدن الاستراتيجية بالبلاد، تتحرك الدوائر الدبلوماسية العالمية من أجل الوصول إلى حل يجنب أفغانستان سيناريوهات حرب جديدة سيدفع ثمنها الجميع بما فيهم دول الجوار، ولعل القلق الأكبر حاليا يساور حكومة باكستان باعتبارها الجارة الأكبر والتي تتشارك حدود برية ساشعة مع أفغانستان ما يهددها بموجات جديدة من اللاجئين كلما زادت وتيرة الاقتتال الداخلي بين طالبان والقوات الحكومية.. والسؤال هنا ما تداعيات تلك الاضطرابات الأمنية على الاقتصاد الباكستاني؟.

اقتصاد باكستان في الإنعاش وينتظر المساعدات  

باكستان ينظر إليها باعتبارها أحد الأسواق الناشئة بالمنطقة، وقبل الجائحة وتحديدا في العام المالي 2017/2018 حققت نموا تاريخيا تجاوز الـ5%، وعندما وصل رئيس الوزراء عمران خان إلى السلطة في 2018 وعد بثورة اقتصادية وإعادة بناء الصورة الاقتصادية لبلاده، إلا أن هذه الطموحات تعثرت بقوة مع وصول الجائحة، حيث سجلت باكستان انكماشا في 2020 بنسبة -0.5% وفق التقديرات الحكومية، فيما أشار البنك الدولي وصندوق النقد إلى انكماش يتراوح ما بين 1.5% و2%.

الحكومة الباكستانية تتوقع أن يسجل الاقتصاد خلال العام الجاري نموا بأكثر من 3%، وهو رقم يفوق تقديرات صندوق النقد بتحقيق نمو في حدود 1.5%، ويتجاهل عوامل عدة تضغط على النمو لعل أهمها استمرار تداعيات جائحة كورونا وارتفاع معدلات التضخم إلى حدود الـ11% وارتفاع سقف الدين العام إلى نحو 90% من الناتج المحلي.

  في يونيو الماضي أقر البرلمان الباكستاني ميزانية العام 2021-2022، التي تركز على النمو وتتجاهل بشكل شبه تام متطلبات صندوق النقد الخاصة ببرنامج الإنقاذ الاقتصادي المتفق عليه في 2019، حيث تضمنت زيادات كبيرة في الإعانات ومخصصات القطاع العام، ورواتب موظفي الحكومة، إذ جاءت الميزانية “توسعية” خلاف ما سبقها من ميزانيات تقشفية منذ العام 2018، ضمن خطوات لإصلاح الاقتصاد.

الميزانية أيضا جاءت مخيبة لآمال صندوق النقد ولم تفِ بالتزامات الحكومة بإصلاح اقتصادي أوسع للحصول على بمساعدات جديدة بقيمة 6 مليارات دولار، إذ لم تركز على الإصلاحات التي تعمل على تحسين تحصيل الضرائب وترشيد تعريفات الطاقة وكبح الديون المتزايدة في قطاع الطاقة تحديدا والتي تجاوزت مستوى 14 مليار دولار في الأشهر الأخيرة، بحسب بيانات المجلس الأطلسي.

باكستان قد تواجه موجة جديدة من اللاجئين الفارين من نار “طالبان”

لدى حكومة باكستان الحالية رؤية خاصة لحرب أفغاستان، فهي ترى أن وجود القوات الأجنبية عقد الأمور أكثر داخل أفغانستان وحتى اليوم مازالت تطالب بضم “طالبان” إلى الحكومة عبر مفاوضات سلام، في يونيو الماضي قال عمران خان في مقال نشرته “واشنطن بوست”: إن التاريخ أثبت أن أفغانستان لا يمكن السيطرة عليها من الخارج، لافتا إلى أن بلاده عانت جراء الحروب في أفغانستان حيث قتل أكثر من 70 ألف باكستاني وتجاوزت خسائر الاقتصاد 150 مليار دولار ونضبت السياحة والاستثمار، كما تم استهداف باكستان بسبب تعاونها مع أمريكا واعتبرت عميلة وتعرضت لعمليات إرهابية من حركة “طالبان باكستان” وغيرها من المنظمات الإرهابية.

وأضاف أن بلاده ما تزال تستضيف 3 ملايين لاجئ أفغاني، ولو اندلعت حرب أهلية جديدة فهذا يعني مزيد من اللاجئين، مما سيزيد من مخاطر عدم الاستقرار والفقر في المناطق الحدودية الباكستانية، موضحا أن معظم عائلات “طالبان” هم من قبائل البشتون وغالبيتهم يعيشون على الأراضي الباكستانية، ما يحمل الحكومة واجب الدفاع عن هذه الحدود التي ظلت مفتوحة على مدار التاريخ.

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقدر أن 400 ألف أفغاني فروا من ديارهم خلال العام الجاري، وأن هناك نحو  2.6 مليون لاجئ أفغاني في جميع أنحاء العالم ، منهم 1.4 مليون في باكستان ومليون في إيران.

يرى حسنين مالك المحلل في شركة تيليمر للأبحاث – في تصريح نشرته “رويترز”، أخيرا-  أن تدفق جديد للاجئين واحتمالات انتشار الجماعات العنيفة بدوافع زعزعة استقرار المناطق الحضرية لا سيما على الجانب الغربي من باكستان، عوامل يمكنها أن تعيد أي جهود للإصلاح في باكستان إلى الوراء.

“طالبان” تهدد محادثات باكستان مع صندوق النقد

منذ بداية العام تراجعت أسعار السندات الباكستانية بنحو 8٪، نتيجة لتعثر مفاوضات باكستان مع صندوق النقد في المرتبة الأولى، وأيضا نتيجة لمخاوف الأسواق بشأن الاضطرابات الأمنية في أفغانستان واحتمالات امتدادها إلى باكستان التي ترفض سجن عائلات مقاتلي طالبان أو توجيه ضربات عسكرية لمقاتلي الحركة المقيمين على أراضيها.

قال خان – في تصريح صحفي نهاية يوليو الماضي- إن الحكومة الأفغانية تريد منا تنفيذ عمل عسكري ضد من يتعاطف مع طالبان أو ضد قادة الحركة المقيمين هنا، ولكن موقفنا واضح “سنفعل كل شيء سوى استخدام القوة العسكرية”، ملمحا إلى أن وجود عائلات طالبان في بلاده مكنها في السابق من الضغط على قادة الحركة للتفاوض مع واشنطن، مؤكدا أن بلاده تؤيد الحل السلمي والدخول في مفاوضات جديدة تفضي إلى وقف النار وضم “طالبان” إلى الحكومة.

إذا العنف الراهن في أفغانستان يهدد اقتصاد باكستان مباشرة بزيادة أعداد اللاجئين ما يعني ضربة لخطط الإصلاح الاقتصادي وزيادة في الإنفاق، كما أنه يهدد المرجعة المنتظرة من صندوق النقد لحزمة الإنقاذ البالغة 6 مليارات دولار – والتي تعد الـ13 في 30 عاما- بالفشل، وكما أن باكستان تعول بشكل كبير على هذه الحزمة للوفاء بديونها الخارجية وتحفيز النمو خلال الفترة المقبلة، فالصندوق أيضا لا يمكنه تقديم المساعدة لدولة غير جادة في الإصلاح وتعاني من اضطرابات أمنية وتعتبر ملاذا للإرهابيين.

قال متحدث باسم صندوق النقد – في تصريح لـ”رويترز”، يوم الجمعة الماضي- “نراقب عن كثب تطورات الأوضاع في أفغانستان، لكن من السابق لأوانه التكهن بشأن تأثير الوضع الأمني ​​على باكستان”، لكنه ذكر بأن الصندوق لم يحدد موعدا للانتهاء من مفاوضاته مع الحكومة الباكستانية، إذ ينصب التركيز حاليا على الإصلاحات اللازمة لتحقيق أهداف برنامج الإنقاذ، والتي تشمل خفض الديون وإصلاح قطاع الطاقة في البلاد.

تصريح متحدث الصندوق يؤكد أن أي تطور في أفغانستان قد يترجم إلى تأجيل جديد في هذه المفاوضات، على صعيد أخر أعلنت مجموعة البنك الدولي أخيرا عن برنامج جديد لدعم باكستان خلال الفترة من 2022 إلى 2026، يركز بشكل خاص على الإصلاحات الهيكلية، وقطاعي الصحة والتعليم، لكنها دعت الحكومة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية قبل أي شيء، ما يعني أنه لا مفر لباكستان من الشروع عاجلا في خطوات الإصلاح الاقتصادي من أجل وضع البلاد على مسار النمو.

يرى البعض أنه في حال سيطرت “طالبان” على أفغانستان بالكامل فهذا سيجعل باكستان أكثر أهمية لإدارة جو بايدن وهو الأمر الذي قد تستغله إسلام آباد لدفع محادثاتها مع صندوق النقد عبر قنوات واشنطن، إلا أن هذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن لعدة عوامل أهمها أن إدارة بايدن لديها مآخذ على إسلام آباد وتعتبرها أحد داعمي “طالبان”، فإذا كانت حكومة خان جادة فعلا في الوصول بالبلاد إلى مربع النمو مرة أخرى، فعليها المضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية القاسية والتخلي عن الميزانيات التوسعية بصرف النظر عن الثمن السياسي الذي قد تدفعه في الانتخابات المقبلة بعد عامين، وأيضا عليها التخلي عن دعم وإيواء مقاتلي حركة طالبان، حتى لا يدفع الجميع ثمنا أعلى بكثير.  

ربما يعجبك أيضا