عبر التقشف والحوكمة.. هل تبلغ الكويت مرحلة الاستقرار الاقتصادي؟

كتب – حسام عيد

الاستقرار النقدي والاستقرار المالي وإن كانا شرطين أساسيين للاستقرار الاقتصادي، لكنهما غير كافيين، فمن الضروري إكمال وتحصين هذا الأمر بالإصلاح الاقتصادي الكامل حتى يستديم الرفاه لكافة أفراد المجتمع الكويتي ولكل الأجيال القادمة. وهنا تكمن معضلة الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الكويتي حاليًا.

وجاءت حزمة القرارات الإصلاحية التي أصدرها مجلس الوزراء الكويتي يوم الإثنين الموافق 16 أغسطس 2021، وإن ذهبت في اتجاهات مختلفة فإنها تلتقي تحت عنوان “معالجات عجز الميزانية” الذي فاق الـ10 مليارات دينار لأول مرة في تاريخ البلاد، وفي ميزانية مصروفاتها 23 مليار دينار ومداخيلها من أسعار النفط الحالية دون الـ10 مليارات دينار، فإن التخفيض 10% والعودة إلى ما دون الـ20 مليار دينار هو من الحلول التي نادى بها اقتصاديون لمعالجة العجز بعيدًا عن جيوب المواطنين.

وكان البنك الدولي قد توقّع في تقرير حديث له، أن تستمر الكويت والبحرين وعُمان، وهي الدول التي سجَّلت أكبر عجز في الموازنات العامة في 2020، في تسجيل عجز طوال السنوات 2021-2023.

عجز الموازنة الأسوأ بتاريخ الكويت

فيما أفاد التقرير الأسبوعي لشركة “الشال” للاستشارات المالية والاستثمار، أن الحساب الختامي للدولة عن السنة المالية 2020/2021، صدر من دون المرور على مجلس الأمة في سابقة سببها شلل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأظهرت نتائج الحساب الختامي عجزًا قياسيًا هو الأعلى رقمًا بنحو 10.77 مليارات دينار (نحو 35.9 مليار دولار) والأسوأ نوعية في تاريخ الكويت.

وخلاصة تلك النتائج عرضتها وزارة المالية في جدول صغير، أهمها انخفاض الإيرادات العامة بنحو 39% من غير اقتطاع نصيب احتياطي الأجيال القادمة منها، وانخفاض الإيرادات غير النفطية ضمنها بنحو 6.5% رغم إعلان تنويع مصادر الدخل، وارتفاع المصروفات العامة الفعلية بنحو 0.7%، وانخفاض الرأسمالية ضمنها بنحو 9%، وارتفاع العجز الفعلي ليبلغ نحو 275% عجز السنة المالية الفائتة 2019/2020، أو بزيادة بنحو 175%، وفقًا لبيان وزارة المالية في وقت سابق من أغسطس.

وقال وزير المالية، خليفة حمادة، في تصريحات سابقة، إنّ سعر التعادل في موازنة (2021/2022) 90 دولاراً لبرميل النفط.

وعليه، لقد أصبح الحكم على السياسات المالية بأنها تتبنى من الناحية النظرية أهداف إصلاح معلنة، ونتائجها على أرض الواقع معاكسة تماما، أي تحقق الأهداف التي أرادت اجتنابها.

ذلك التناقض يصبح أكثر وضوحا عند استعراض التفاصيل لبناء مكونات الموازنة العامة غير مستدام، فنحو 15.6 مليار دينار من مصروفاتها أو نحو 73% رواتب وأجور ودعوم رغم انخفاض مستوى الدعوم بانخفاض أسعار النفط، وطوابير القادمين إلى سوق العمل بازدياد كبير.

تقشف واسع.. والإنفاق يتقلص لـ10%

وقد أمر مجلس الوزراء الكويتي جميع الجهات الحكومية بخفض الإنفاق من ميزانية العام المالي الحالي 2021-2022، بما لا يقل عن 10%.

واتخذ المجلس القرار بعد دراسة توصيات من لجنة الشؤون الاقتصادية بشأن نقص السيولة في الاحتياطي العام، والحاجة لإيجاد حلول جذرية لمواجهة العجز في موازنة الدولة.

كما وافق المجلس على إعادة النظر في لائحة أسعار إيجارات وأراضي ومباني أملاك الدولة، بعد أن درس توصية لجنة الشؤون الاقتصادية بشأن نقص السيولة في الاحتياطي العام.

وقرر المجلس أيضًا تكليف الهيئة العامة للقوى العاملة بدراسة إمكانية وقف صرف دعم العمالة الوطنية للعاملين في القطاع الخاص، لمن يبلغ إجمالي راتبه 3000 دينار (9993 دولارًا) وما يزيد.

وأطلع وزير المالية المجلس خلال الاجتماع الإثنين 16 أغسطس الجاري، على الإجراءات والتوصيات الفورية لخفض الإنفاق وتعزيز الإيرادات غير النفطية في موازنة السنة المالية 2021/2022.

فيما دعا مجلس الوزراء دیوان الخدمة المدنیة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة النظر في المزایا الممنوحة للقیادیین، ومن یعادلھم بجمیع الجھات الحكومیة، فضلاً عن تكلیف الھیئة العامة للقوى العاملة بدراسة مدى إمكانیة وقف صرف دعم العمالة الوطنیة للعاملین بالقطاع الخاص لمن یبلغ إجمالي راتبه 3000 دینار وأكثر.

لجنة حوكمة التصنيف السيادي

وعلى مدار عام تعرضت الكويت لتخفيض تصنيفها الائتماني من أكثر من وكالة تصنيف عالمية وجاء التخفيض على خلفية مخاطر السيولة وعدم الاتفاق على قانون للدين العام وضعف الحوكمة، ولعل إشراك البنك المركزي والهيئة العامة للاستثمار ووزارة المالية في لجنة لحوكمة التصنيف هي من الأمور التي تهدف لإعادة التصنيف إلى مكانته المتميزة السابقة.

وكان وزير المالية قد كشف مطلع يوليو إن السيولة في خزينة الدولة “استنفدت بالكامل في الصيف الماضي”، ما استلزم اتخاذ إجراءات لتوفير سيولة منها وقف تحويل 10% من إيرادات النفط لصندوق احتياطي الأجيال القادمة (صندوق سيادي) بأثر رجعي منذ عام 2018-2019.

وحولت حكومة الكويت أصول  إلى صندوق الأجيال القادمة مقابل الحصول على السيولة للخزينة. وتجاوزت أصول الصندوق الـ 580 مليار دولار في نهاية العام الماضي.

ودفعت أزمة السيولة هذه وكالات التصنيف الائتماني إلى تخفيض تصنيف الكويت، إذ خفضت وكالة فيتش في فبراير نظرتها المستقبلية لتصنيف الدين السيادي للكويت من “مستقرة” إلى “سلبية”.

وفي يوليو الماضي، خفضت ستاندرد أند بورز تصنيف الدولة إلى +A لأن الحكومة الكويتية لم تسن بعد استراتيجية شاملة لتعزيز المصدر الرئيسي لتمويل عجز الميزانية.

وربما يسهم تدشين مجلس الوزراء للجنة الحوكمة في تعزيز التواصل وتوحيد البيانات مع جميع وكالات التصنيف، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بهذا الشأن بما يساهم في تحقيق أهدافها.

وختامًا، القرارات الجديدة هي في أغلبها إصلاحات من داخل البيت ولم تقترض من جيوب المواطنين الشعار الذي يحفز مجلس الأمة على الرد دائمًا، لكن كم من هذه القرارات سيدخل حيز التنفيذ؟!، وكم حجم انعكاساتها على ميزانية الدولة المتضخمة؟.

ربما يعجبك أيضا