لماذا يحذر المركزي الأمريكي من الإلغاء الفوري لـ«ليبور» المثقل بالفضائح؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

خلف الأبواب المغلقة داخل المؤسسات المالية وأسواق المال العالمية هناك استعدادات على قدم وساق تجرى ضمن عملية انتقالية لاعتماد بدائل لمعاير الـ”ليبور” الشهير والذي يحدد الفائدة المستخدمة في تعاملات البنوك فيما بينها ويلقي بظلاله على كافة عمليات الإقراض حول العالم، إذ من المفترض أن ينتهي العمل به حول العالم بحلول منتصف العام 2023، على أقل تقدير، لكن المركزي الأمريكي أطلق تحذيرا هذا الأسبوع من مخاطر الإلغاء الفوري لـ”ليبور” وما قد تشكله من هزة عنيفة للاستقرار المالي عالميا.. فما هو الليبور وكيف يؤثر على تعاملات الشركات وأسواق المال وما هي مخاطر التخلي عنه دون وجود بدائل آمنة؟.

ما هو الـ”ليبور”؟

الليبور هو اختصار لعبارة London Interbank Offered Rate، أو معدل الفائدة المعروض بين بنوك لندن، هو سعر الفائدة المستخدم بين البنوك في حال الاقتراض من بعضها البعض، وتاريخيا بدأت جمعية المصرفيين في بريطانيا بإصدار معدل الليبور عام 1986 كمعيار مرجعي للفائدة على القروض بين البنوك العاملة في المملكة المتحدة، ومنذ ذلك الحين و”الليبور” توسع ليصبح معيارا عالميا لأسعار الفائدة البينية بين البنوك حول العالم وبالتبعية أصبح يستخدم في تسعير العديد من المعاملات المالية كالرهون العقارية والقروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان وغيرها.  

وجمعية المصرفيين البريطانية تعتمد على مجموعة من المصارف تمدها بمعلومات بشأن معدلات الفائدة التي تدفعها على قروضها لكي تحدد معدل الليبور المرجعي على مدى قصير قد يكون يوما أو 12 شهرا، كما تحدد الجمعية “الليبور” للعملات العالمية الكبرى كالدولار واليورو والاسترليني.  

لنفهم أكثر أهمية “الليبور” يجب التذكير بأن هناك نحو 200 تريليون دولار من المشتقات  المالية أو العقود المتداولة بالأسواق العالمية المرتبطة بـ”ليبور الدولار” وحده، وبحسب تقرير قام مجلس الاستقرار المالي ولجنة بازل للرقابة المصرفية برفعه إلى مجموعة العشرين في يوليو 2020، يستخدم الليبور حاليا في تسعير عقود تزيد عن 400 تريليون دولار، موزعة ما بين قروض عقارية وبطاقات ائتمان تستخدمها الشركات والبنوك لحماية مراكزها المالية، كما أن هناك العديد من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، تمنح قروضها للدول بربط سعر الفائدة بالليبور لأجل ستة أشهر.

“الليبور” يعد وسيلة لاقتراض البنوك من بعضها البعض دون حاجة لضمان، وهي بدورها تعود بإضافة هذه الفائدة “سعر الليبور” على فائدة القروض التي تمنحها لعملائها من شركات وأفراد، لتجني عوائد أفضل وتضمن سداد ديونها، لذا كان من الطبيعي أن تتضرر سمعة الليبور نتيجة تلاعب عدد من البنوك البريطانية الشهيرة في أسعاره -التي يتم رفعها إلى جمعية المصارف كما ذكرنا سلفا- بحثا عن مكاسب أعلى، منذ العام 2012 كبدت فضائح التلاعب بـ”الليبور” مصارف شهيرة أكثر من 10 مليارات دولار غرمات مالية فرضت بموجب أحكام قضائية وتحقيقات لسلطة السلوك المالي في بريطانيا.

البعض يرى أن التلاعب في أسعار الليبور يعود إلى الأزمة المالية العالمية، ففي دعوى قضائية رفعتها الحكومة الأمريكية عام 2017 ضد بنوك بريطانية مثل “باركليز” و”دويتشه بنك” قالت: إن هذه البنوك تلاعبت في معدل الليبور وقدمت عمدا تقديرات منخفضة له إلى جميعة المصرفيين البريطانية في الفترة ما بين عامي 2007 و2009، لتبدو أكثر جدارة ائتمانية مما كانت عليه في الواقع.

 ومع زيادة فضائح التلاعب بـ”الليبور” بدأ توجه عالمي للتخلص منه والبحث عن بدائل ذات مخاطر أقل، وفي مارس الماضي قالت سلطة السلوك المالي البريطانية أنه سيتم رسميا إلغاء أسعار فائدة “ليبور” في 31 ديسمبر المقبل، وإن جميع فئات ليبور للجنيه الاسترليني واليورو والفرنك السويسري ستنتهي في 31 ديسمبر، فيما ستستمر بعض فئات ليبور الدولار الأمريكي حتى منتصف 2023، داعية جميع المصارف حول العالم لتسريع وتيرة الانتقال إلى بدائل الليبور

تحذير من فوضى الإلغاء المفاجئ بدون بدائل

بعض البنوك المركزية حول العالم بدأت بالفعل تعتمد بدائل كما هو الحال بالنسبة لبنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي في أمريكا، لكن الأزمة هي أن لديها عقود مرتبطة بالليبور أجلها يمتد إلى ما بعد العام الجاري والبعض إلى ما بعد 2023 وهو أمر يصعب المرحلة الانتقالية ويرفع تكلفتها.

وعلى الرغم من ضرورة إلغاء الليبور لإصلاح النظام المالي العالمي ووقف التلاعب في أسعار الفائدة بين البنوك، هناك مخاطر لهذا الإلغاء -يجب معالجتها أولا- لخصها تقرير مجلس الاستقرار المالي ولجنة بازل المشار إليه سلفا، وتتمثل فيما يلي:

-مخاطر تشغيلية: حيث هناك حاجة إلى تحديث الأنظمة والعمليات الخاصة بجميع المنتجات المالية المربوطة بالليبور، بحيث يتم ربط أسعار الفائدة بأداة مرجعية أخرى.  

-مخاطر قانونية: ففي حال لم تحدد المؤسسات المالية بشكل كاف، العقود القديمة المتأثرة بإيقاف الليبور، فقد ينجم عن ذلك مخاطر قانونية، خاصة أن تعديل العقود يتطلب موافقة العملاء.

– قد تجد المؤسسات المالية صعوبات في إدارة مخاطر السوق واحتساب الأرباح.

-مخاطر السمعة: إن تغيير سعر أداة الربط مع الفائدة المتغيرة، قد ينعكس سلباً على المعاملة العادلة لعملاء البنوك، فضلا عن تضارب المصالح المحتمل.

 في الولايات المتحدة، حاليا هناك دعوى قضائية منظورة أمام المحاكم، يسعى من خلالها العشرات من الحاصلين على قروض استهلاكية ومستخدمي البطاقات الائتمانية إلى أصدار أمر قضائي لإنهاء الـ”ليبور”، زاعمين أنه هو معيار احتكاري يتحكم في الأسعار ويطالبون بتعويضات مالية.

يوم الإثنين الماضي، قال الاحتياطي الفيدرالي – في شهادة أمام محكمة أمريكية تنظر في هذه الدعوى- إن الإلغاء الفوري للتعامل بمعيار الليبور، بناء على حكم قضائي، يعرض الاستقرار المالي للخطر، ويقوض سنوات من التخطيط العالمي للانتقال إلى معيار جديد لأسعار الاقتراض.

وأضاف: إنهاء الليبور الآن سيزعزع على الأرجح تداولات العقود المالية، ويلغي العقود الاستهلاكية مثل الرهون العقارية وقروض الطلاب، ويخلق سيلا من الدعاوى القضائية، لافتا إلى وجود منتجات مالية بحوالي 223 تريليون دولار مرتبطة بـ”ليبور الدولار”.

كلام المركزي الأمريكي واقعي للغاية وسبق أن حذر بنك إنجلترا من الأمر نفسه، ذلك نظرا للحجم الهائل من المشتقات المالية المرتبطة بالليبور كما وضحنا، وارتباط أسواق المال به وكبرى الشركات والمصارف، فأي انهيار مفاجئ له يعني انهيار لكل هذه المشتقات وضياع تريليونات الدولارات حول العالم، لكن هذا لا يعني الإبقاء على الليبور على المدى الطويل، ومن هنا يشجع مجلس الاستقرار المالي الدول على تسريع وتيرة اعتماد أي أداة بديلة تعزز من قدرة البنوك المركزي على توجيه أسعار الفائدة في السوق حسب المعطيات الاقتصادية، ويقترح استخدام أسعار الفائدة لليلة واحدة في أسواقها المالية كبديل لـ”ليبور”، باعتبارها سعر يعكس تعاملات فعلية مقارنة بـ”الليبور” الذي يعد سعر مرجعي تتدخل في تحديده البنوك الكبرى.  

لعقود كان الليبور مؤشرا لمعرفة مستويات التفاؤل والتشاؤم في الأسواق العالمية، إذ يرتفع مع زيادة المخاطر وتراجع السيولة لدى المصارف وينخفض مع تراجع المخاطر وزيادة السيولة، لكنه فقد ثقة الأسواق مع الوقت بفعل المتلاعبين من كبار مديري المصارف الشهيرة وحتى أن بعض أعضاء لجنة المصرفيين البريطانية تورطوا في فضائح الليبور، ما يجعل السلطات المالية حول العالم في سباق مع الزمن لاعتماد بديل أكثر موثوقية مع توخي الحذر وتحديد حجم تعرض كل سوق لليبور ووضع استراتيجية انتقالية تضمن تقليل تكلفة الانتقال بقدر الإمكان.

ربما يعجبك أيضا