بعد سيطرتها على كابول.. هل تتخلى «طالبان» عن «زهرة الخشخاش» للأبد؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تتسارع الأحداث في أفغانستان بصورة تفوق جميع الحسابات، ففي خطوة مفاجئة أعلنت حركة “طالبان”، أمس الثلاثاء، أن البلاد التي تعد أكبر مورد – غير شرعي- للمواد الأفيونية في العالم ستتوقف عن زراعة وإنتاج كافة أنواع المخدرات ولن يكون ممكنا لأحد أن يشارك في تنظيم تهريب المخدرات.. فإلى أي مدى “طالبان” جادة في هذه الخطوة وما تداعيات إعلانها أفغانستان خالية من المخدرات اقتصاديا واجتماعيا؟.

 “طالبان” و”الخشخاش”.. قصة منفعة متبادلة  

يمكن فهم هذا الإعلان وغيره من تعهدات مثل ضمان حريات التعبير والمرأة ضمن محاولة “طالبان” غسل سمعتها وتقديم نفسها بصورة مغايرة لما كانت عليه في الماضي، لكن ماذا وراء الستار؟، حتى اللحظة لا أحد يمكنه الجزم بما سيحدث غدا في أفغانستان، لكن فيما يتعلق بإنتاج المخدرات فهناك دلائل تؤكد أنه من الصعب أن نرى هذه البلد خالية تماما من زراعة وتجارة المخدرات كما زعم  المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، قائلا “اعتبارا من هذه اللحظة ستكون أفغانستان دولة خالية من المخدرات”.

وأكد مجاهد أن أفغانستان ستحتاج لمساعدة دول العالم كي تكون لدى المزارعين المحليين إمكانية لإنتاج محاصيل أخرى بدلا عن زراعة الخشخاش.

لكن أي محصول قد يغني المزارع الأفغاني عن مكاسب زراعة الخشخاش -نوع من النباتات التي تستخرج منها مادة الأفيون المخدرة- وأيضا الحركة نفسها كيف لها أن تدبر أمورها بلا تجارة المخدرات، بحسب تقارير الأمم المتحدة تقدر حصة أفغانستان بأكثر من 80٪ من إمدادات الأفيون والهيروين العالمية، وفي عام 2017  وصل إنتاج المخدرات في البلاد إلى مستوى 9900 طن ومبيعات المزارعين وصلت إلى نحو 1.4 مليار دولار قرابة 7% من الناتج المحلي لأفغانستان، وعلى الرغم من جائحة كورونا زادت المساحات المزروعة بـ”الخشخاش” العام الماضي بنحو 37%.. ما يعكس قدر اعتماد الأفغان على أموال “الأفيون”.  

بالنسبة لـ”طالبان”، يقدر مسؤولو الأمم المتحدة أنها ربحت على الأرجح أكثر من 400 مليون دولار بين عامي 2018 و2019 من تجارة المخدرات، فيما قدر تقرير للمفتش العام الأمريكي الخاص لأفغانستان في مايو الماضي، أن طالبان تحصل على ما يصل إلى 60% من أموالها السنوية من تجارة المخدرات غير المشروعة.

قبل أيام نقل موقع “صوت أمريكا” تقدريرات عن إحدى وكالات المخابرات ترجح أن طالبان تكسب من تهريب المخدرات وحده 460 مليون دولار سنويا.

سبق وأن أعلنت طالبان تحديدا في عام 2000، حظر زراعة زهرة الأفيون، في محاولة للحصول على اعتراف دولي بحكمها، والآن تعيد ذات الكرة، ووقتها واجهت هذه الخطوة رفضا اجتماعيا واسعا وتمردا من المزراعين وحتى داخل صفوف الحركة نفسها، فمن المعروف أن زعماء الحركة في حرب مستمرة مع تجار المخدرات والمزارعين من أجل تقاسم الأرباح والسيطرة على الحصة الأكبر تحت مسميات عدة منها رسوم وضرائب تفرضها طالبان على زراعة وإنتاج المخدرات.

يمكن القول إن زراعة وتجارة المخدرات وتحديدا “الأفيون” هي شريان حياة لمئات الأسر الأفغانية وليس فقط لـ”طالبان”، فسنوات والحرب والدمار خلال الـ20 عاما الماضية خلقت ظروفا اقتصادية قاسيمة وأسهمت مباشرة في تغذية تجارة المخدرات لتصبح كعمود فقري للبلد، كل شيء ينتهي إليه.

في أفغانستان هناك نحو 47.3٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وهناك 34.3% من العاملين يقل دخلهم عن 1.90 دولار يوميا، بحسب بيانات بنك التنمية الآسيوي لعام 2020، وتصل نسبة العاملين في قطاع الزراعة إلى نحو 70%، ولك أن تتخيل أن غالبيتهم يعمل في زراعة المخدرات بحثا عن الربح الأكبر، فالبديل الزراعي له هو “القمح” وحتى مع ارتفاع أسعاره عالميا يظل بديلا غير اقتصادي لـ”الخشخاش”.

طالبان لديها بدائل لـ”الخشخاش” وأيضا أفغانستان

مع أن البعض يعتبر أن تجارة المخدرات غير المشروعة في أفغاستان هي أكبر صناعة في البلاد، إلا أن أفغانستان –بحسب تقديرات رسمية- لديها ثروة معدينة غير مستغلة تتجاوز الـ1.3 تريليون دولار، فيما تقدر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية هذا الرقم بثلاثة تريليونات دولار، وبحسب تقارير الأمم المتحدة فقادة طالبان حصلوا على ما يصل إلى 464 مليون دولار خلال 2020 من عمليات التعدين فقط في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

كما أن الحركة لديها أنشطة أخرى تدر أموالا طائلة كجمع التبرعات الذي يدخل للحركة مبالغ تترواح بين 300 مليون دولار إلى 1.6 مليار دولار سنويًا، هذا فضلا عن أنشطة أخرى كالابتزاز والخطف، وبالطبع تجارة المخدرات.

بالعودة للحديث عن ثروات أفغانستان المعدنية، يُعتقد أن أفغانستان لديها أكبر احتياطي عالمي من معدن الليثيوم الذي يدخل في صناعات الطاقة البديلة كصناعة السيارات الكهربائية وغيرها، كما تمتلك حيث تمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم من النحاس بقيمة تقدر بنحو 88 مليار دولار، إضافة إلى نحو 2.2 مليار طن من خام الحديد.

كما تمتلك أفغانستان نحو 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة و5 مناجم للذهب و400 نوع من الرخام واحتياطيات من البريليوم تقدر بقيمة 88 مليار دولار، وتجني 160 مليون دولار من بيع الأحجار الكريمة سنويا.

“طالبان” اليوم بإعلانها عن حظر زراعة وتجارة المخدرات هي تعرض نفسها لسيل من التمرد الشعبي في أوساط المزراعين وداخل صفوفها، لكن في المقابل هي تواصل تقديم صكوك حسن النية للمجتمع الدولي سعيا للاعتراف بها كسلطة شرعية، لكن فكرة أن تصبح أفغانستان خالية تمام من تجارة المخدرات مستبعدة للغاية فـ”طالبان” – إن صدقت في مزاعمها- لن تتمكن من منع الأفغان من زراعة الخشخاش، وحتى إن نجحت سيكون هذا لحساب رواج صناعة أنواع أخرى من المخدرات بعيدة عن الملاحقة القانونية أو أقل تكلفة مثل الفنتانيل والإيفيدراسينيكا.. أمريكا أنفقت نحو 8.6 مليار دولار بين عامي 2002 و2017 لإلحاق الضرر بتجارة المخدرات في أفغانستان وحرمان طالبات من مصادر التمويل، وفشلت كما فشلت طوال حرب الـ20 عاما، و”طالبان” سبق وأن حاولت هي الأخرى لكنها تراجعت أمام ضغط أصحاب المصالح واليوم لا نستبعد أن تتراجع بعد فترة، فهي في كل الحالات تعي جيدا أن المجتمع الدولي سيعاملها كعنصر منبوذ، واقتصاديا يمكنها الاعتماد على شركاء مثل الصين وروسيا وإيران، ويمكنها الدفاع بصناعة التعدين لتعويض خسائر الحرب والجائحة وحتى حرائق الخشخاش إن حدثت.

ربما يعجبك أيضا