الأزمة الأفغانية.. أيادي الإمارات البيضاء تُنقذ الآلاف وسط إشادات دولية

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

فور سقوط العاصمة الأفغانية كابول في قبضة حركة طالبان، ازدادت الأوضاع سوءًا، ووقع الشعب الأفغاني بين فكي الخوف والهلع، ومن ثم اللجوء لخيار الفرار من جحيم العاصمة.

ومع تزايد أعداد الأفغان والرعايا الأجانب الفارين من جحيم طالبان “المُنتظر” على حد تعبيرهم، امتدت أيادي الدول للتخفيف من وطأة الأحداث عليهم، عن طريق تقديم الدعم إلى الشعب الأفغاني في الداخل من ناحية، وإلى النازحين في الدول المجاورة من ناحية أخرى.

وكعادتها في مثل هذه المواقف، لم تتوان دولة الإمارات العربية المتحدة لحظة عن تقديم دعمها وإغاثتها لتلك الشعوب التي تمر بظروف صعبة، وذلك ضمن استراتيجية الأخوة الإنسانية التي تنتهجها وتضع في أولوياتها بني البشر تحت شعار “الإنسان أولًا” من دون تمييز في العرق أو الدين.

أيادي الإمارات البيضاء

الأزمة الأفغانية التي وقعت مؤخرًا إثر سقوط أغلب مدنها وعاصمتها كابول في قبضة حركة طالبان، عكست مدى المساعدات الإنسانية التي تقوم بها الإمارات في كل بلدان العالم، إذ يعلي هذا الوطن من قيمة العطاء ويحلق في سماء الإنسانية.

وفي هذا المنطلق، دأبت إمارات الخير على عدم التفريق بين صنوف البشر، ولم تلتفت إلى عقيدة أو جنس أو لون، ومدت يد العون للجميع في مشارق الأرض ومغاربها للذين شردتهم الحروب، ومن أرقتهم الكوارث إيمانًا بقيمة الإنسان.

وظهر ذلك جليًا في دورها القائم حاليًا تجاه الشعب الأفغاني، من تقديم مساعدات إغاثية، فضلًا عن الاهتمام بآخر التطورات هناك، إذ شددت على “ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن بشكل عاجل في أفغانستان”، بحسب بيان رسمي أعلنته وزارة خارجيتها، في الساعات القليلة الماضية.

وأعربت الوزارة الخارجية في هذا الصدد، عن أملها في أن تعمل “الأطراف الأفغانية على بذل كافة الجهود لإرساء الأمن وتحقيق الاستقرار والتنمية في البلاد، بما يُلبي آمال وتطلعات شعبه الشقيق”.

ومن جانبه، أكد سلطان محمد الشامسي مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي لشؤون التنمية الدولية، على أن تركيز دولة الإمارات في الأيام الأخيرة ينصب على دعم الجهود التي تبذلها مجموعة من الدول والمنظمات غير الحكومية لإجلاء مسؤوليها وموظفيها بأمان بما في ذلك بعض المواطنين الأفغان، وذلك عبر مطارات الدولة وإلى وجهاتهم النهائية.

وأشار الشامسي إلى أن دولة الإمارات عضو ملتزم و ناشط في المجتمع الدولي، وأنها تبذل جهودًا دؤوبة لحماية وإغاثة المحتاجين، مشددًا على أن الدعم المستمر الذي تقدمه دولة الإمارات في هذا الشأن دليل على التزامها بتعزيز التعاون الدولي.

وأوضح في هذا الصدد: “انطلاقًا من دعمنا الثابت للحلول السلمية والمتعددة الأطراف تعمل دولة الإمارات مع شركائها الدوليين لدفع الجهود لتحقيق تطلعات الشعب الأفغاني في السلام والتنمية و الاستقرار”، منوهًا بأن الدولة تتابع عن كثب التطورات في أفغانستان وتنضم إلى دعوة المجتمع الدولي الذي يطالب بحل سلمي يلبي آمال وتطلعات الشعب الأفغاني الشقيق.

جهود إنسانية

وسط أحداث متسارعة في أفغانستان -شهدت وما تزال مغادرة شبه جماعية للرعايا الأجانب- ظهر الدور الإماراتي في تسهيل عملية إجلاء مسؤولي وموظفي مجموعة من الدول والمنظمات، بلغت نحو 8.500 من الأجانب في أفغانستان، بأمان عبر مطارات الدولة وإلى وجهاتهم النهائية.

لتصبح الإمارات نقطة محورية في جهود الإجلاء من أفغانستان، ويأتي ذلك في إطار جهودها الإنسانية للتيسير على كافة الأطراف في ظل تلك الظروف.

استضافة 5 آلاف أفغاني

وعلى هامش الأحداث الراهنة، استقبلت الإمارات الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني وأسرته في البلاد وذلك لاعتبارات إنسانية، فور وقوع العاصمة كابول ومعظم الهيئات الحكومية الأفغانية في قبضة طالبان.

كذلك، أعلنت الإمارات موافقتها على استضافة 5,000 من المواطنين الأفغان الذين تم إجلاؤهم من أفغانستان، وذلك قبيل توجههم إلى دول أخرى.

وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي أن دولة الإمارات، وبطلب من الولايات المتحدة الأمريكية ستستضيف المواطنين الأفغان بشكل مؤقت، قبل سفرهم إلى دول أخرى.

وسوف يغادر المواطنون الأفغان الذين تم إجلاؤهم إلى دولة الإمارات من العاصمة كابول خلال الأيام القادمة، على متن طائرات أمريكية.

2.5 مليار درهم مساعدات لأفغانستان

تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني، إذ يقدر إجمالي المساعدات التي قدمتها الدولة لهم منذ سبعينات القرن الماضي حتى الآن، بأكثر من 2.5 مليار درهم، سواءً على شكل مساعدات تنموية لإعادة إعمار أفغانستان وبناء المدارس والمستشفيات والمنازل السكنية، أو على شكل مساعدات إنسانية قدمتها المؤسسات الخيرية الإماراتية لمساعدة المتضررين من الكوارث التي لحقت بأفغانستان.

ووقفت الدولة إلى جانب الشعب الأفغاني، وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة معه، لتطور العلاقات بين الدولتين وتشمل كافة الأوجه.

ولبت الدولة نداءات الأمم المتحدة والدول الداعية لإعمار أفغانستان بعد الحرب، حيث تعهدت الإمارات بدفع 250 مليون دولار لإعادة إعمارها.

وأعلن الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، آنذاك، أن الدولة ستقدم هذه المساعدة لأفغانستان، على شكل منحة مالية يديرها صندوق أبوظبي للتنمية لدعم مشاريع التنمية في أفغانستان، وبشكل خاص في مجال الإسكان للأرامل واليتامى والمعاقين، وتأهيل العاصمة كابول.

وشاركت الدولة في اجتماع الفريق العامل المعني بإعادة الإدماج المنبثق عن مجموعة الاتصال الدولية حول أفغانستان، الذي عقد بمقر الأمم المتحدة.

ورحب الفريق بالتقدم المحرز في السنة الأولى من برنامج إعادة إدماج المسلحين، تحت قيادة مجلس السلام وحكومة أفغانستان.

ووقعت الدولة عدة اتفاقيات مع أفغانستان، منها مذكرة تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات ووزارة خارجية جمهورية أفغانستان الإسلامية.

ومن جانبه، أطلق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مبادرة بتقديم 440 مليون درهم إماراتي مساهمة منه في دعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال بحلول عام 2018، مع التركيز بشكل خاص على باكستان وأفغانستان.

وفي عام 2011، أعلن ولي عهد أبوظبي ومؤسسة بيل ومليندا غيتس عن شراكة استراتيجية، تم خلالها تقديم مبلغ إجمالي قدره 367.3 مليون درهم إماراتي، مناصفة بين الطرفين، لشراء وإيصال اللقاحات الحيوية للأطفال في أفغانستان وباكستان.

وتأسست اللجنة الدائمة للمساعدات الإنسانية والإنمائية في أفغانستان خلال مارس عام 2011، كمثال لما يجب أن يكون عليه التنسيق مع الدول المتلقية للمساعدات الإماراتية.

وتعتبر اللجنة هي المسؤولة عن متابعة المشروعات التنموية والإنسانية في أفغانستان، والتنسيق بين الجهات المانحة الإماراتية، وتمكين التواصل المباشر مع حكومة أفغانستان، بما يختص بالمشروعات التنموية والإنسانية والخيرية.

وساهمت الدولة منذ عام 2002 بـ16 مليون درهم لمشاريع ري في الريف الأفغاني لتطوير الزراعة، إضافة إلى مساهمتها بـ28 مليون درهم في قطاع الخدمات الصحية، و26 مليون درهم في التعليم، و189 مليون درهم في مشاريع البنية التحتية والإسكان، وذلك لترسيخ أرضية صالحة لانطلاق الاقتصاد الأفغاني نحو النمو والازدهار.

وفي عام 2010 دخلت الإمارات في شراكة مع مؤسسة تنوير للاستثمار، لإنجاز مشروع فاطمة بنت محمد بن زايد لإنتاج السجاد ولتطوير الريف الأفغاني.

ووفر هذا المشروع فرص عمل للنساء الأفغانيات في مجال مألوف بالنسبة لهن، حيث أمن المشروع حوالي 2700 وظيفة عمالية شغلت النساء 70% منها.

وفي مارس من عام 2008، افتتحت جامعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بولاية خوست في أفغانستان، وبلغت تكلفة الجامعة التي تعد من أكبر المشروعات التي أقامتها الدولة في أفغانستان 4 ملايين و800 ألف دولار.

ومن جانبه، مول صندوق أبوظبي للتنمية حوالي 16 مشروعًا تنمويًا في أفغانستان، بقيمة إجمالية وصلت إلى نحو 1.2 مليار درهم، شملت عدة قطاعات تنموية، أبرزها قطاع الإسكان والنقل والمواصلات والخدمات الصحية والاجتماعية، وذلك على مدار ثلاثة عقود.

وأعلن الصندوق أنه كان في أفغانستان منذ عام 1977، حيث ساهم في تنفيذ مشاريع تنموية، من خلال إدارة المنح الحكومية لدولة الإمارات، وتقديم القروض الميسرة لتحقيق الأهداف التنموية في البلاد.

كذلك، نفذت مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، عدة أنشطة إنسانية في أفغانستان، استهدفت الشعب الأفغاني واحتياجاته الملحة التي يفتقر إليها، نتيجة للظروف التي يعيشها بسبب الحروب والكوارث الطبيعية.

كما نفذت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، عدة مشاريع تنموية وإغاثية إنسانية في أفغانستان، بلغت تكلفتها عشرات الملايين من الدراهم، حيث سيرت الهلال الأحمر، طائرات عدة تحمل الأغذية والملابس والمواد الصحية إلى أفغانستان في جميع الظروف والكوارث التي أصابتها.

وبالإضافة إلى ذلك أقامت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية، دار زايد للأيتام في أفغانستان، بتكلفة بلغت 25 مليون درهم، وذلك ضمن برامجها الداعمة للعملية التربوية، من أجل مساعدة الشعب الأفغاني في تقديم خدماتها للطلبة الأيتام في ولاية قندهار وما حولها.

كما شيدت مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، مستشفى الشيخ زايد للأمومة والطفولة في أفغانستان، الذي يتكون من 100 سرير و4 غرف عمليات مجهزة بأحدث الوسائل الطبية، ليكون في خدمة الأمهات والأطفال الأفغان، الذين يعانون من الأمراض المختلفة.

إشادات دولية

ولاقى الدور الإماراتي، في الأزمة الأفغانية الأخيرة، إشادة وشكر العديد من الدول، أبرزها أستراليا، التي أعربت عن تقديرها للدعم الذي قدمته الدولة في عملية إجلاء رعاياها، والبعثات الدبلوماسية لعدد من الدول الصديقة من أفغانستان، وفرنسا وبريطانيا اللتين أثنتا على الجهود الإماراتية في هذا الصدد.

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، من سكوت موريسون رئيس وزراء أستراليا.

وأعرب موريسون، خلال الاتصال، عن شكره و تقديره للدعم الذي قدمته دولة الإمارات لبلاده في إجلاء رعاياها، إضافة إلى إجلاء البعثات الدبلوماسية لعدد من الدول الصديقة.

كما وجهت المملكة المتحدة، الشكر لدولة الإمارات على الدعم الذي قدمته في عملية إجلاء مواطنين بريطانيين وأفغان من أفغانستان، خلال حديث جمع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، ووزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب.

إذ كتب حساب وزارة الخارجية البريطانية على موقع “تويتر”، أمس الخميس: “وزير الخارجية دومينيك راب، تحدث مع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي وشكره على الدعم الذي قدمته الإمارات لإرسال موظفين وعسكريين بريطانيين إلى أفغانستان، وإعادة مواطنين بريطانيين والأفغان الذين ساعدوا جهود المملكة المتحدة طوال 20 سنة الماضية”.

ومن جانبه، أشاد السفير البريطاني لدى الإمارات، باتريك مودي، بالدور الذي قامت به الدولة في المساعدة بإجلاء المواطنين البريطانيين والأفغان الذين ساعدوهم، من العاصمة الأفغانية كابول إلى المملكة المتحدة.

وقال السفير باتريك مودي، خلال زيارته إلى مطار آل مكتوم الدولي في دبي: “اليوم أنا في زيارة إلى مطار دبي آل مكتوم، لإلقاء نظرة على عملياتنا الجارية، لمساعدة إجلاء المواطنين البريطانيين وأولئك الذين ساعدونا في أفغانستان، لننقلهم إلى المملكة المتحدة، ونحن نستعين بدبي كوقع آمن مؤقت لإجراء عملية نقلهم من كابول”.

وأوضح أنه تم نقل 1600 شخص، ولا يزال يتم نقل المزيد، مضيفًا: “استطعنا القيام بهذه العملية لأن لدينا فريقا رائعا من جميع أطراف حكومة المملكة المتحدة، الذين يديرون هذه العملية، كزملائنا العسكريين والمدنيين”.

وتابع: “الأهم من ذلك كله، لم يكن هذا ممكنا لولا الفضل الكبير والمؤازرة الهائلة من مضيفينا الإماراتيين، الذين جعلوا هذا المطار متاحا لنا وقدموا لنا كامل أشكال الدعم، من أجل ضمان بدء هذه العملية وتفعيلها في أسرع وقت ممكن، وكان ذلك بالتعاون بين جميع وزاراتنا”.

كذلك أثنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، على جهود الإمارات في مساعدتها على إجلاء رعايا بلادها من أفغانستان في ظل الظروف الراهنة، من خلال اتصال هاتفي، الإثنين الماضي، تلقاه وزير الدولة لشؤون الدفاع الإماراتي محمد بن أحمد البواردي من وزيرة الجيوش الفرنسية.

وتوالت الإشادات الدولية التي قالت أن ما تقوم به دولة الإمارات، ما هو إلا رسالة إنسانية ثابتة من الالتزام بتعزيز التعاون الدولي في حماية وإغاثة المحتاجين، وأيضًا في دعم الحلول السلمية ومتعددة الأطراف من خلال العمل مع الشركاء لدفع جهود تحقيق تطلعات الشعب الأفغاني في السلام والتنمية والاستقرار.

كذلك أشادت الصحف الدولية والعربية بدور الإمارات، مشيرة إلى أنها قامت باستقبال الرئيس أشرف غني وأسرته لاعتبارات إنسانية، تنضم إلى دعوة المجتمع الدولي الذي يطالب بحل سلمي يلبي آمال وتطلعات الشعب الأفغاني، وتشدد على ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن بشكل عاجل في الجمهورية الشقيقة.

واختتمت بالقول: “يبقى الحل السياسي الجامع، الوحيد القادر على صنع وضمان السلام .. وتبقى الإمارات مستعدة دائمًا لتقديم أي دعم وعون للجهود الدولية بما يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة”.

ربما يعجبك أيضا