«النموذج الألماني».. قراءة مختلفة لأسباب حملة الصين ضد عمالقة التكنولوجيا؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تواصل السلطات الصينية منذ بداية العام الجاري تصعيد حملتها الشرسة ضد كبار شركات التكنولوجيا العاملة في البلاد دون هوادة، عبر سلسلة من القوانين والإجراءات التنظيمية، غير مفهوم إن كانت تهدف فعليا إلى حماية المستهلك الصيني وتنظيم سوق مترامي الأطراف كما تزعم حكومة بكين أم أنها تسعى لكبح جماح هذه الشركات والتأكيد على هيمنة الحزب الشيوعي على حركة الاقتصاد؟.

حملة واسعة لكبح جماح عمالقة التكنولوجيا

منذ فبراير الماضي تراجع مؤشر “هانغ سينغ” للتكنولوجيا -الذي يضم كبرى شركات التكنولوجيا العاملة في الصين- بأكثر من 31% وتراجع مؤشر Nasdaq Golden Dragon China –المعني بالشركات الصينية المدرجة في السوق الأمريكية- بنسبة 50%، وخسرت شركات التكنولوجيا الصينية نحو 827 مليار دولار من قيمتها السوقية، وذلك بالتزامن مع دخول مشروع قانون مكافحة الاحتكار الصيني حيز التنفيذ لاستئصال الممارسات الاحتكارية في صناعة الإنترنت عبر سلسلة من القيود.

خلال يوليو الماضي تعهدت بكين بتشديد الرقابة الأمنية على هذه الشركات وتقييد قدراتها على طرح أسهمها في الأسواق الخارجية بقواعد صارمة، وهذا الشهر أعلنت عن خطة خماسية لتشديد قبضتها على الاقتصاد الرقمي بالبلاد.   

 يوم أمس الموافق 21 أغسطس، كشفت مسودة قانون صيني جديد من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ مطلع سبتمبر المقبل، أن الحكومة الصينية ستطلب من الشركات الحصول على موافقة المستخدمين قبل جمع المعلومات عنهم واستخدامها ومشاركتها لأغراض تجارية، مع توفير طريقة لإلغاء الاشتراك بهذه العملية من قبل المستخدم، ويتضمن القانون غرامات تصل إلى 50 مليون يوان “7.7 مليون دولار” أو 5٪ من إيرادات الشركات المخالفة السنوية.

تبدو شركات التكنولوجيا ليس في الصين وحدها بل حول العالم، كما لو كانت دولة مستقلة تمتلك ملايين البيانات وتمتع بشعبية واسعة وتقدم خدمات لملايين العملاء بلا رقابة، وبالعودة إلى الصين نجد الشهيرة “علي بابا” – والتي تعد الأب الروحي لشركات التكنولوجيا الصينية- لديها نحو 800 مليون مستخدم في الصين وحدها وتقدم خدمات عدة بما فيها الدفع والتمويل كما لو كانت أحد البنوك التجارية، لذا طالب المركزي الصيني في أبريل الماضي “علي بابا” وغيرها من شركات القطاع بالالتزام بالقواعد التنظيمية الخاصة بأمن البيانات وإدارة الأموال.

أهداف بكين من حملتها ضد شركات التكنولوجيا

أولا: تأكيد سيطرة الحزب الشيوعي “الحاكم” على حركة الاقتصاد في ظل تنامي نفوذ هذه الشركات.

ثانيا: تعزيز جهود الاحتكار وحماية المستهلك.

ثالثا: منع الشركات من التلاعب ببيانات المستخدمين بهدف تعزيز موقعها التنافسي في السوق.

رابعا: التصدي لتهديدات تتعلق بالأمن القومي والأمن السيبراني.

خامسا: تسعى بكين للسيطرة على البيانات الضخمة التي تمتلكها شركات التكنولوجيا بهدف تحويل ثاني أكبر اقتصاد بالعالم إلى اقتصاد رائد في مجال المعلومات الإلكترونية.   

النموذج الألماني.. قراءة مختلفة لفهم أسباب الحملة الصينية

وفقًا لتقرير نشرته وكالة “بلومبرج” يوم 17 أغسطس الجاري، بعض خبراء الاقتصاد يعتقدون أن حملة الصين على شركات التكنولوجيا مستوحاة من النموذج الألماني الذي يحد من قدرات شركات التكنولوجيا العملاقة على العكس من النظام الأمريكي الذي يمنح هذه الشركات حرية أكبر للنمو والتوسع.

يعزز هذه القراءة، أن شركات مثل “فيسبوك” و”جوجل” لا تخدم بالضرورة الصالح العام، ونمو أعمالها يعتمد على بيئة قليلة الضوابط، هذا وفقا لما صرح به روجير كريمرز أستاذ الدراسات الصينية في جامعة لايدن في هولندا لـ”بلومبرج”.

أمر آخر يعزز هذه القراءة، هو خطة الصين المعروفة بـ”صنع في الصين 2025″ والمعلن عنها مارس الماضي، إذ تعتمد هذه الرؤية الاستراتيجية على تعزيز مكانة الصين كقوة اقتصادية، بالحفاظ على مشاركة القطاع الصناعي في الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 25%، وهو أمر قريب الشبه من ألمانيا التي تسهم الصناعة في اقتصادها بحصة 18%، وبعيد عن أمريكا، حيث لا تمثل الصناعة سوى 11% من الناتج المحلي.

كريس ليونج، كبير الاقتصاديين الصينيين في DBS Group Holdings Ltd، يرى أن خروج بكين من حيز النموذج الاقتصادي الأنجلو ساكسوني قد بدأ بالفعل، لصالح تبني النموذج الألماني كنموذج تنموي ينافس النموذج الأمريكي.

والنموذج الألماني يجذب الصينيين -بحسب ليونج- لعدة أسباب أهمها أن ألمانيا لم تتعرض لأزمات مالية منذ الحرب العالمية الثانية ولديها بنوك كبيرة مملوكة للدولة وقطاع تصنيع قوي وصادرات قوية.

هناك بالفعل أوجه شبه بين الصين وألمانيا من حيث تركيز الاقتصاد على قطاعي الصناعة والصادرات والاهتمام بالتعليم باعتباره ركيزة للتنمية، وربما ترغب الصين في أن تكون مثل ألمانيا اقتصاد صناعي بامتياز بدون شركات تكنولوجيا عملاقة، فشركات الاقتصاد الرقمي لا تمثل علامة ألمانية مميزة في السوق العالمية على العكس من الشركات الصناعية، لكن الصين بعض شركاتها العاملة في  قطاع التكنولوجيا باتت بالفعل علامة مميزة ومنافس قوي للعلامات الأمريكية، ما يجعل من الصعب على بكين التضحية بهذه الشركات دفعة واحدة والأرجح أنها ستميل إلى تقنين أوضاعها لحماية أمن البيانات وضمان المنافسة العادلة، وسيكون على الشركات الكبرى أمثال “علي بابا” و”جيه دي.كوم” و”تينسنت” التكييف مع الإجراءات التنظيمية الجديدة لضمان الاستمرارية على قيد الحياة.    

1x 1 1
1000x 1 2

ربما يعجبك أيضا