منها أعمال لـ أيزنشتاين وهيتشكوك وستانلي كوبريك.. أفلام عظيمة لم يشاهدها أحد

أماني ربيع

أماني ربيع

منذ بدء صناعة السينما إلى الآن استطاعت العديد من الأفلام أن تحجز مكانًا خالدًا في تاريخ الشاشة البيضاء، إنتاجات ضخمة، نجوم كبار، وأستوديوهات عريقة شاركت في صناعة العديد من الملاحم مثل “ذهب مع الريح”، و”العظماء السبعة” و”جسر نهر كواي”، و”كليوباترا”، هذا بخلاف الأفلام الاستعراضية مثل “الساحر أوز”، و”صوت الموسيقى”، و”سيدتي الجميلة” وأفلام فريد أستير وجين كيلي، التي تصدرت المشهد عصر هوليود الذهبي بإبهارها وملابسها المذهلة.

واللافت أن هناك اتجاها في هوليود مؤخرا، لإعادة إحياء روائع ديزني الكارتونية في نسخ حية، أو إعادة أفلام قديمة في نسخ جديدة مثل “ماري بوبنز”، إلى جانب إنتاج أجزاء جديدة من سلاسل ناجحة، ومنها جيمس بوند و”ستار وورز”، وكأن هناك حالة من الإفلاس السينمائي ضربت هوليود، رغم وجود العديد من السيناريوهات والمشاريع التي تتناول أحداث وشخصيات تاريخية هام لم تعرها السينما الكثير من الانتباه.

وهناك العديد من المشاريع لأفلام عظيمة لم يحالفها الحظ في الخروج إلى النور، بسبب مشكلات إنتاجية، وخلافات صناع العمل، وظلت حبيسة الأدراج إلى الآن، سواء أعمال مأخوذة عن نصوص أدبية، أو مستوحاة من أحداث تاريخية حقيقية.

“نابليون” سيئ الحظ

نابليون واحدة من الشخصيات التاريخية الهامة التي لم تنل قسطا وافرا من الاهتمام المناسب لحجمها التاريخي على شاشة السينما، وكان من المفترض أن يقوم المخرج الراحل ستانلي كوبريك بإخراج الفيلم بعد نجاح فيلمه الشهير “أوديسا الفضاء: 2001″، مع التركيز على الجانب الرومانسي في حياة نابوليون من حيث علاقته بزوجته الجميلة جوزيفين، وبالفعل، وقع الاختيار على أوسكار فيرنر لأداء دور نابوليون، بينما كانت أودري هيبورن المرشحة لآداء دور جوزفين، لكن أستوديوهات “مترو جولدن ماير” تأجلت تنفيذ العمل بسبب التكلفة الباهظة خاصة وأن العمل يتناول حقبة زمنية غنية بالأزياء والديكورات وتحتاج إلى عناية فائقة بأدق التفاصيل.

وفي عام 2013، تحدث المخرج المخضرم ستيفن سبيلبيرج عن آماله في إحياء مشروع عمل عن نابوليون الذي يحتاج الإلمام بالدراما في حياته إلى مسلسل تلفزيوني، ورشح زميله المخرج باز لورمان لإخراج العمل.

ويبدو أن القدر سيبتسم أخيرا للقائد نابوليون بونابارت، فمن الفترض أن يؤدي دوره النجم خواكين فينيكس على مشروع السينمائي جديد بعنوان  “Kitbag”،

والفيلم سيرة ذاتية عن الإمبراطور الفرنسي الأشهر، ويركز على أصول نابليون وعلاقته المتقلبة مع زوجته جوزفين، ووقع الاختيار عة ريدلي سكوت لإخراجه.

ولايزال الفيلم  في المراحل الأولى من التخطيط، وسيتم تصويره في أستوديوهات Disney’s 20th Century ، واستعان سكوت، بكاتب السيناريو ديفيد سكاربا الذي سبق وتعاون معه في فيلم ” All the Money in the World ” عام 2017.

“نزوة هيتشكوك الطفولية”

بقدر نجاحه الكبير، كان المخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك مغرورا بذاته، ويرى نفسه فوق الجميع، وكان يغار من نجاح زملائه من المخرجين، ورغم فرادة مدرسته في الإثارة والتشويق، إلا أن نجاح المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني أثار حفيظته، وجعلته يريد صنع فيلم مغاير تماما جريء وصادم للمجتمع، بحيث تماثل أفلام أنطونيوني السابقة لعصرها، كما وصفها هيتشكوك.

أراد هيتشكوك صنع فيلم يدور في فلك مثلث العنف والرعب والعري، وكانت الميزانية المبدئية للعمل مليون دولار، وبعد أن بدأت أستوديوهات يونيفرسال في رسم الخطوط العريضة للعمل تمهيدا للبدء في تنفيذه، كعادته التي تجعله أشبه بالأطفال، صرف هيتشكوك النظر عن مشروع الفيلم بعد اختبارات التصوير.

“حصار ليننجراد”

كان سرجيو ليوني مهووسا بالأفلام الملحمية التي تتناول فترات مهمة من التاريخ، واستطاع تحقيق مراده في فيلم “حدث ذات مرة في أمريكا” من بطولة روبرت دي نيرو عام 1984، الذي يحتل مكانة كبيرة في عالم السينما حتى الآن، وأراد تكرار التجربة في فيلم ملحمي عن الحرب، يستند إلى كتاب المؤرخ هاريسون ساليزبوري “900 يوم.. حصار ليننجراد” عن مغامرات الجنود على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية.

وكانت الفكرة الرئيسية للفيلم كما أرادها ليوني هي عن مصور صحفي، واختار لأداء دوره النجم روبرت دي نيرو، يجد نفسه محاصرا في ليننجراد خلال سنوات الحصار الألماني للمدينة، ويرصد بكاميرته كل ما يحدث على الجبهة.

كان ليوني يميل للأفلام الطويلة، حيث إن فيلم “حدث ذات مرة في أمريكا”، تجاوز الأربع ساعات، وتم مونتاجه في نسخة للجمهور أخلت بالأحداث وتسببت في فشله عند عرضه،  لذا فكان من المتوقع أن يتكلف الفيلم الجديد ميزانية هائلة، وكانت التكلفة المبدئية تتجاوز 100 مليون دولار، بتمويل من الاتحاد السوفييتي وقتها، لكن توفي كاتب السيناريو الذي كان مقررا أن يكتب الفيلم بنوبة قلبية مفاجئة عام 1989، وتسبب ذلك في إيقاف الفيلم إلى أجل غير مسمى.

“البحث عن الزمن المفقود”

“البحث عن الزمن المفقود” أحد أيقونات الأدب الفرنسي للأديب مارسيل بروست، ولم يكن المخرج لوتشينو فيسكونتي غريبا على مشاريع الأفلام الضخمة والمأخوذة عن أعمال أدبية، وكانت نسخة عام 1963 من رواية جوزيبي دي لامبيدوزا “ليوبارد” قد وصل مدته إلى 3 ساعات ونصف.

لكن ماذا عن 7 مجلدات هي حجم رواية بروست، كيف كان سيتعامل مع كل هذه الأحداث والتفاصيل، أيها يتركه وأيها يضمه إلى فيلمه، لقد وضع للعمل مدة مبدئية هي 4 ساعات، وبالطبع يحتاج هذا إلى ميزانية ضخمة، مع تناول الفيلم لحياة النبلاء والأرستقراطيين في فرنسا في حقبة زمنية سادتها الرفاهية المطلقة بين أهل هذه الطبقات، ولم يكن أحد على استعداد لتغطية هذه الميزانية، خاصة في السيتينيات.

وحاول المخرج الأمريكي جوزيف لوسي إعادة إحياء الفكرة في سبعينيات القرن الماضي، وتم إسناد كتابة السيناريو للأديب هارولد بنتر لكن لم يحالف الحظ المشروع مجددا.

 “ملحمة تيرانس مالك الضائعة”

ينتمي المخرج الأمريكي تيرانس مالك إلى نوع نادر من صناع السينما، فهو مقل في أعماله، التي تستغرق وقتا طويلا عادة، في التحضير والتنفيذ، ومنذ عمله الأول “النزهة المتوحشة” تم وضعه في مصاف المخرجين الكبار، ولم يدفعه نجاحه في الحصول على الجائزة الذهبية بمهرجان سان سباستيان الإسباني إلى استثمار هذا النجاح في تحقيق جماهيرية تجارية، لكنه اختفى 5 سنوات ليعود عام 1978 بفيلمه الشهير “حصاد السماء” الذي خطف جائزة الإخراج في مهرجان كان، ليعتزل بعده نحو 20 عاما ويعود فيلمه الثالث “الخط الأحمر” عام 1989.

لكن بين المشروع الثاني والثالث، انخرط مالك في محاولات لتأليف فيلم ملحمي عن أسئلة الإنسان حول أسرار الكون وماهية الوجود، واستغرقه هذا 20 عاما كاملة، لكن لم ير الفيلم النور أبدا إلى الآن، لكنه مهد الطريق لأفلام مثل “The Tree of Life” عام 2011، و”To the Wonder” عام 2013.

 “قلب الظلام”

قدم المخرج والممثل أورسون ويلز “قلب الظلام” من تأليفه عبر المسرح والراديو، وفي عام 1940 عُرض عليه تقديم هذا العمل من خلال فيلم سينمائي، لكنه أراد تنفيذ العمل دون أن يتدخل مديري الأستوديو في رؤيته، وكان ويلز مشهورا بجرأته في التناول السينمائي الذي يصل إلى حد الجنون، وكانت صناعة الأفلام وقتها، أشبه بتجارة تمارسها الأستوديوهات وفقا لتصورات خاصة لضمان النجاح وتحقيق الأرباح.

اختار ويلز جوزيف كونراد لدور البطولة، وقرر ويلز أن يشارك بنفسه، واختار دور الراوي مارلو، لكن مع سير عملية الإنتاج رأى الأستوديو أن الفيلم سيكلف كثيرا، فتم استبعاده، وربما كان هذا أمرا جيدا، إذا ما علمنا أن ويلز ساعتها انخرط في مشروعه السينمائي الأشهر “المواطن كين” الذي قام ببطولته وإخراجه، وأصبح أفضل أفلام السينما العالمية خلال تاريخها.

“دون كيشوت”

ومرة أخرى مع أورسون ويلز، الذي تعتبر حياته عبارة عن قفزات ناجحة بين سيل من المشاريع الغير مكتملة، حيث أراد تقديم فيلم عن شخصية دون كيشوت الشهيرة في الأدب العالمي، وذلك في منتصف خمسينيات القرن العشرين، وقرر إنتاج الفيلم بمساعدة نجم الغناء قرانك سيناترا، لكن لم ينجح الأمر، مع التكلفة العالية التي رصدها ويلز لإخراج الفيلم كما يراه، وفشلت كل محاولاته لتأمين تكويل الفيلم، رغم أن هناك بعض المشاهد التي تم تصويرها وتم عرض لقطات منها لإعطاء لمحة عن رؤيته لشخصية محارب طواحين الهواء على شاشة السينما.

“الرجل الذي قتل دون كيشوت”

وعن شخصية دون كيشوت أيضا، وهي شخصية غنية جدا دراميا، أراد المخرج تيري جيلام تقديم عمل سينمائي ضخم عام 1989، وكان من المفترض أن يقدم العمل برؤية معاصرة، عير شخصية سانشو بانزا التي رشح لها جوني ديب، الذي يسافر عبر الزمن إلى عصر دون كيشوت الذي رشح له الممثل الفرنسي جاك روشفور، ليخوض الثنائي العديد من المغامرات سويا.

لكن أدى تدهور صحة روشفور بحلول عام 2000 مع العجز عن تمويل الفيلم إلى توقفه تماما.

“مشروع أيزنشتاين الأمريكي”

يعد المخرج الروسي سيرجي أيزنشتاين من كبار المؤسسين للنظريات السينمائية، وصاحب رؤى إخراجية فذة سابقة لعصرها، وهو صاحب واحد من أهم أفلام السينما في تاريخها “المدرعة بوتمكين”، وخلال جولة حول أوروبا وأمريكا، وصل إلى هوليود، حيث كان هناك اهتماما متصاعدا بما يقدمه، وفي أبريل عام 1930، قدمت له أستوديوهات باراماونت 100 ألف دولار لتحويل أحد نصوصه السينمئاية إلى فيلم، لكن بمرور الوقت يبدو أن رؤية أيزنشتاين البعيدة عن بهرجة هوليود وميلها إلى السطحية والسينما التجارية، فسخت باراماونت العقد بحجة أن النص محبط وممل.

ربما يعجبك أيضا