لعبة حبس الأنفاس.. «جاكسون هول» يحدد مسار آفاق الأسواق

كتب – حسام عيد

جميع المستثمرين حول العالم ينتظرون قمة “جاكسون هول” والتي كان من المفترض أن تُعقد لثلاثة أيام من الخميس إلى السبت، ولكن تم اقتصارها على يوم واحد فقط، وهو يوم الجمعة 27 أغسطس 2021. وأصبح معلوم أن التركيز الأكبر سيكون على “جيروم بأول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي”، وما سيقوله في هذه القمة خصوصًا فيما يتعلق بالسياسة النقدية والتيسيرات الكمية الحالية، لعل أبرزها برنامج شراء الأصول، وما إذا كان سيحدث تغيير بتلك السياسة وهذا ما يهم المستثمر وتوجهاته المستقبلية تحديدًا.

هذه المرة المختلف سيكون عن باقي السنوات، عدا العام الماضي، بأن المؤتمر سيكون افتراضيًا. وبخلاف السياسة النقدية، سيتطرق “جاكسون هول” إلى أزمة عدم المساواة التي تجتاح العالم بسبب وباء “كوفيد-19”.

واللافت في هذه القمة، غياب كبار صانعي السياسات الاقتصادية في العالم، وفي مقدمتهم؛ كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وأيضًا أندروه بايلي محافظ بنك إنجلترا.

في الواقع، كان باول وزملاؤه يطبقون إطارًا سياسيًا جديدًا -أُعلن عنه في “جاكسون هول” العام الماضي- والذي يغير النهج السابق المتمثل في رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم بناءً على توقعات الوظائف والنمو الاقتصادي بدلًا من النتائج. لكن من المرجح أن يبدأ البنك المركزي في سحب بعض دعمه الاستثنائي للاقتصاد قبل نهاية 2021.

التوقعات بشأن برنامج شراء الأصول

قد يكون أهم ما قد يأتي من قمة “جاكسون هول”، التوقعات بشأن برنامج شراء الأصول، وليس مؤكدًا أن يعلن جيروم بأول خطة جديدة أو تغيير مسار في الخطة الحالية بالخفض، لكن الأسواق تنتظر من “باول” إشارات حول هذا البرنامج، ففي الوقت الراهن يشتري الفيدرالي 120 مليار دولار من الأصول، موزعة على؛ (80 مليار دولار لسندات الخزانة، و40 مليار دولار شهريًا لأوراق مالية مدعومة بالعقار).

وبينما يستعد المستثمرون لقمة جاكسون هول، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية بالتعاملات المبكرة لجلسة الأربعاء 25 أغسطس، بنقطة أساس واحدة على سندات الخزانة القياسية لمدة 10 سنوات لتصل إلى 1.304%، كما ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 30 عامًا نقطة أساس واحدة عند 1.919%. وتتحرك العائدات بشكل عكسي مع الأسعار ونقطة أساس واحدة تساوي 0.01%.

من جانبه، أثار الاقتصاديون في بنك جولدمان ساكس احتمالات إعلان البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن بدء تخفيض مشترياته من السندات في نوفمبر، وتوقعوا أن يختار الفيدرالي إعادة عمليات الشراء بمقدار 15 مليار دولار بعد ذلك في الاجتماعات التالية.

وفي ملاحظة صدرت عن بنك جولدمان ساكس، قال البنك الاستثماري إنه رفع احتمالات الإعلان التدريجي الرسمي الذي سيأتي في نوفمبر المقبل إلى 45% من احتمالاته السابقة عند 25%، وخفض احتمالات صدور الإعلان في ديسمبر إلى 35% من 55%.

ووفقا لـ”جولدمان ساكس”؛ من المرجح أن يتم تقسيم إجمالي وتيرة التقليص التدريجي البالغة 15 مليار دولار لكل اجتماع، بين 10 مليارات دولار من سندات الخزانة الأمريكية، و 5 مليارات دولار من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.

وربما يكون الاستراتيجيون في “سيتي جروب” قد توصلوا إلى حلٍ بديل للمتشائمين بشأن السندات الأمريكية.

وكتب جاباز ماثاي، من “سيتي جروب”، في مذكرة للعملاء: “رغم أن الصورة على المدى القصير ضبابية، نعتقد أن الصورة الكلية الأوسع داعمة لارتفاع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات”.

وأضاف أنه مع ذلك، “على الجانب الكلي، تستمر المخاوف بشأن تباطؤ حاد في الصين والأسواق الناشئة من شأنه أن يسحب العائد لأسفل”.

ويشير “سيتي جروب” إلى أن آفاق سندات الخزانة خلال الأسبوعين المقبلين صعبة التوقع، لكنه أبقى على توقعاته بأن تتداول العائدات المعيارية عند 2% بنهاية العام، متوقعاً أن الفيدرالي سيظل على مسار تقليص مشتريات السندات العام الجاري.

على جانب آخر، ومع انتشار متحور دلتا من فيروس كورونا عبر الولايات المتحدة واستمرار اضطرابات سلسلة التوريد، يعمل العديد من الاقتصاديين على خفض توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي. ولا تزال النظرة المستقبلية غير المؤكدة تعني أن الاحتياطي الفيدرالي قد يفضل الانتظار والحذر وتأجيل قرار خفض المشتريات من السندات الأمريكية.

الأسواق تترقب

مؤخرًا شهدنا قوة واضحة للدولار الأمريكي ولامس أعلى مستوياته في 9 أشهر “منذ نوفمبر 2020″، إثر هذه التلميحات بإقدام “الاحتياطي الفيدرالي” على تقليص برنامج شراء الأصول والبالغ 120 مليار دولار شهريًا.

وقد ارتفع الدولار إلى أعلى مستوى في تسعة أشهر يوم الخميس 19 أغسطس الجاري؛ إذ تراجعت الأسواق العالمية بعدما كشف محضر أحدث اجتماع لمجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي أن صانعي السياسات يتوقعون خفض التحفيز الخاص بفترة جائحة كورونا قبل نهاية العام الحالي.

ووفقا لمحضر اجتماع يوليو، يتوقع مسؤولو البنك المركزي الأمريكي بصورة كبيرة خفض مشترياتهم الشهرية من السندات في وقت لاحق هذا العام، لكن كان هناك بعض الخلاف بشأن قضايا رئيسية أخرى بما في ذلك تاريخ البدء ووتيرة شراء السندات وما إذا كان التضخم أو البطالة أو فيروس كورونا يشكلون خطرا أكبر على تعافي الاقتصاد.

ودفع المحضر مؤشر البورصة الرئيسي في وول ستريت للهبوط بأكثر من واحد بالمئة وقاد العديد من العملات إلى أدنى مستوياتها في عدة أسابيع مقابل الدولار الذي يعد ملاذا آمنًا.

ويعتبر خفض مشتريات السندات أمرًا إيجابيًا للدولار الأمريكي؛ إذ من المتوقع أن يرفع عائدات السندات الحكومية، مما يجعل الاحتفاظ بأصول مقومة بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين.

فيما سجل الذهب مكاسب قوية خلال تعاملات يوم الثلاثاء 24 أغسطس أوصلته إلى مستوى 1805 دولار للأونصة مجددًا. وبحسب موقع “انفستنج” المتخصص في متابعة وتحليل أداء الأسواق العالمية؛ هناك 3 سيناريوهات محتملة بشأن المسار المستقبلي لمنحنى الذهب قبل اجتماعات “الفيدرالي” وبقية رؤساء البنوك المركزية الكبرى في العالم في جاكسون هول -وايومنج الأمريكية هي الأقرب للمنطق والواقع.

– خطاب ايجابي لرئيس الفيدرالي الأمريكي جيروم باول يؤكد ثقته بالاقتصاد الأمريكي وتعافيه ويقلل من معطيات متحورات الجائحة الجديدة مثل دلتا، يدفع لتقليص شراء الأصول ورفع الفائدة لاحقًا، وهو الأمر السيء للذهب والجيد للدولار، وأول خطة سيأخذها المستثمرون هو بيع الذهب.

– ترقب وانتظار لمزيد من الأرقام الاقتصادية حتى يحدد الفيدرالي الأمريكي ملامح طريقه أكثر وعدم الخوف من ارتفاع التضخم. وإذا حدث ذلك، سيشهد الذهب ارتفاعات بسيطة قد لا تدوم.

– خوف حقيقي وشكوك بقدرة الاقتصاد العالمي على التعافي، يقود إلى عودة تدريجية للإغلاق أمريكيًا وعالميًا؛ وهنا ستكون التداعيات جيدة للغاية للذهب وسيئة للأسهم.

ربما يعجبك أيضا