بعد الضوء الأخضر.. المواطنة وخانة الديانة في مصر إلى أين؟

علم مصر

كتبت – علياء عصام الدين

رفع المحامي المصري نجيب جبرائيل، مستشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الأربعاء، دعوى قضائية، طالب فيها بإلزام وزير الداخلية المصري بإلغاء خانة الديانة من الهوية الشخصية.

وأكد جبرائيل على ضرورة استغلال المداخلة التليفونية الأخيرة التي أجراها الرئيس السيسي والتي تحدث فيها عن قضية الأديان والوعي والعقيدة، للتأكيد على أن الأديان أكبر من مجرد اختزالها في خانة ببطاقة الرقم القومي.

“المواطنين سواء أمام القانون ولا تمييز بينهم لأسباب، منها الدين أو العقيدة” المادة( 53 ) من الدستور المصري

جاءت الدعوى القضائية بعد أيام من مطالبة الرئيس المصريين بإعادة صياغة فهم معتقدهم الديني.

ضوء أخضر

لا تزال تداعيات التصريحات الجريئة للرئيس المصري تسيطر على الحوارات بين النخب السياسية والثقافية في البلاد، فقد أعادت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي -التي صرح بها في مداخلة هاتفية له مع برنامج “صالة التحرير” على قناة صدى البلد منذ أيام- إحياء النقاش السياسي حول خانة الديانة في الأوراق الرسمية لدى المواطن المصري وأعادتها مرة أخرى إلى دائرة الضوء.

وفي الوقت الذي يتجنب كثير من المسؤولين الاقتراب منها حيث أنها تمس وترًا حساسًا وتعد (تابوهًا) من التابوهات يهرب منه الكثيرون فاجأ الرئيس المصري الشارع برمته بجرأته القائمة على معتقد ووجهة نظر انطلاقا من تأكيده على قضية الوعي، حيث قال “كلنا ولدنا المسلم مسلم والمسيحي مسيحي، حد عارف إنه المفروض نعيد صياغة فهمنا للمعتقد، فكرنا ولا خايفين نفكر”.

وتعد هذه العبارة منطلقًا وأساسًا للتأكيد على مفهوم (المواطنة) المطلوب تكريسه في مصر، فهي كفيلة لإعادة النقاش في قضية حذف خانة الديانة من البطاقة القومية التي يحملها كل مصري وحث الحكومة على اتخاذ خطوات جدية في هذا المضمار، وبمثابة ضوء أخضر من الرئيس لإعادة تشكيل الوعي بشكل مختلف عن ما هو قائم.

كما أن الدول التي تطبق المواطنة الحقيقية لا تضع خانة للديانة في بطاقات هويتها.

تاريخ الهوية القومية

يرجع تاريخ البطاقة الشخصية إلى ما قبل ثورة يوليو عام 1952 فكانت بطاقة ورقية مكتوب عليها عبارة (المملكة المصرية) وكانت إصدارها من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية، وحوت البطاقة البيانات بالترتيب التالي: الاسم، اللون، الطول، لون العيون، الشعر، مع صورة شخصية دون ذكر الديانة.

بعد قيام الثورة والتحول إلى الجمهورية تغير شكل البطاقة الشخصية حيث تولت إصدارها وزارة الداخلية حيث اشتملت في عام 1958 على البيانات التالية: الاسم، تاريخ الميلاد، الديانة، الحالة الاجتماعية، الوظيفة، محل الإقامة، فصيلة الدم.

منذ أول الدساتير المصرية والصادرة عام 1923 تمتعت حرية الدين والمعتقد بالحماية القانونية في وتنص المادة (64)من الدستور الحالي على أن “حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون”.

وتنص المادة 53 على “تجريم التمييز بين المواطنين: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.

ومن المفترض أن تُلزم هذه المادة الحكومة المصرية باتخاذ كافة الإجراءات للقضاء على جميع أشكال التمييز والتفرقة على أساس ديني، فالتمييز والتحريض على الكراهية (جريمة) يعاقب عليها القانون.

إشكاليات وتحديات

على الرغم من تعارضها الصارخ لتوجهات الدولة المدنية ومشروع الجمهورية الجديدة إلا أن قضية حذف الديانة من البطاقة الشخصية اصطدمت قديمًا وتصطدم بمعوقات عدة أدت إلى تجاوز هذا الملف الشائك كلما تم طرحه.

ويرى مراقبون أن أولى المعوقات هو حرص كثير من المواطنين على الحفاظ على ذكر الهوية الدينية سواء من المسيحيين أو المسلمين، ومن الممكن حسب مراقبون أن تؤدي هذه الخطوة لزيادة التمييز حيث سيعمد كثير من المعارضين لهذه الخطوة لإظهار ديانتهم بشكل علني وصريح إما بالأسماء أو الملبس أو حمل ما يدل على الديانة الأمر الذي قد يشكل ردة عكسية.

وحسب مختصين يصطدم تنفيذ مثل هذه الخطوة بكثير من الإجراءات الإدارية في الدولة والتي تحتاج إلى مراجعة مثل مواثيق الزواج والطلاق والميراث والمواليد واستخراج شهادات الوفاة التي تعتمد بشكل أساسي على خانة الديانة.

وقد يظهر أن إلغاء خانة الديانة من البطاقة القومية إجراء قد يلغي التمييز الظاهر أحيانًا، إلا أن المشكلة في مصر تتخطى مجرد تعديل نص القانون أو إلغاء خانة الدين عبر تشريع جديد لأن الأسماء ذاتها تدل على هوية صاحبها الدينية، الأمر الذي قد يتحول إلى إجراء روتيني ظاهري بينما يظل الباطن محتقن.

ويبدو أن الضوء الأخضر الذي أعطاه الرئيس المصري من خلال كلماته لن يصبح قابلا للتحقق إلا بالتوعية أولًا ، توعية أصحاب الديانات المختلفة بضرورة هذا الإجراء ويكون مصحوبًا بقرارات تدعم تغيير الثقافة السائدة لدى المصريين فتنفيذ توجيهات الرئيس دون وجود تعاون حقيقي من المؤسسات الدينية وتنظيم حملات إعلامية للتعريف بأهمية القرار سيواجه أزمات لا محالة نتيجة عدم اقتناع المواطنين به وهذا ما ألمح إليه الرئيس في مداخلته التي أثارت جدلًا كبيرًا فقد أكد على ثلاث قضايا أساسية قضية بناء الوعي، والخطاب الديني/ الروحي، ودور الدراما والإعلام في توعية المجتمع.

وتعكس الأفكار الأساسية التي طرحها الرئيس رغبة  قوية من القيادة السياسية لتحويل الشعارات التي ترفعها الدولة من أجل التأكيد على مفهوم (المواطنة) وشعار أن “الدين لله والوطن للجميع” إلى واقع ملموس فهل تجد صدى إيجابي في الشارع المصري؟

ربما يعجبك أيضا