المهمة الصعبة.. من يعيد الثقة إلى الاقتصاد التركي؟

كتب – حسام عيد

عدم لجوء البنك المركزي التركي للحديث عن خفض معدلات الفائدة كان كافيًا لإعادة بعض الثقة من المستثمرين الأجانب للأصول التركية، ولكن السؤال هو؛ هل هناك استدامة لهذه الثقة، وخصوصًا بقيادة البنك المركزي ورئيسه والذي لا يزال يتعرض لضغوط من الرئيس رجب طيب أردوغان لخفض معدلات الفائدة، وهو الأمر الأساسي الذي أثر سلبًا على الأصول التركية؟!.

أزمة الاقتصاد التركي تتعلق في الأساس وبشكل كبير للغاية، بالثقة، فاليوم يتداول مؤشر البورصة يتداول على خفض بأكثر من 60% على مؤشر MSCI للأسواق الناشئة.

أداء الأسهم التركية منذ مطلع 2021

شهدت الأسهم التركية منذ بداية العام 2021، كثيرًا من التقلبات، ففي مارس أقال أردوغان، محافظ البنك المركزي التركي ناجي إقبال، والذي ألقى بتداعياته السلبية الفورية على أداء البورصة، والاقتصاد ككل.

بينما ما حدث في أغسطس كان لافتًا، حيث تجاوزت مشتريات المستثمرين الأجانب من الأسهم التركية حجم الـ450 مليون دولار، وهذه كانت المستويات الأعلى في 9 أشهر، مع غياب التلميحات من قبل رئيس المركزي التركي الجديد شهاب قافجي نحو خفض معدلات الفائدة، وهو ما كان سببًا كافيًا لإعطاء بعض الثقة للمستثمرين الأجانب.

ولكن يبقى التساؤل الملح، هو؛ إذا ما كان يستطيع بالفعل الحفاظ على هذه الاستقلالية وخصوصًا مع الضغوط التي يتعرض لها.

الليرة رهينة تدخلات أردوغان

وعندما ننظر إلى أداء الدولار مع الليرة التركية، فقد شهدنا الضغوط الأكبر في أشهر، مارس، أبريل، ومايو، وذلك بسبب إقالة محافظ البنك المركزي ناجي إقبال، والذي كان يريد أن يقوم بعمل رفع لمعدلات الفائدة.

في أغسطس حدث تحسن ملحوظ في أداء الليرة التركية، حيث ارتفعت بقرابة الـ2%، ولكن كأداء سنوي سجلت الليرة تراجعات بنسبة تتجاوز الـ11%، الأمر الذي جعلها العملة الناشئة الأسوأ أداءً خلال العام 2021.

بدورها، قالت سيلفا ديميرالب، أستاذة الاقتصاد في جامعة كوتش بإسطنبول: “لا مجال على الإطلاق لخفض أسعار الفائدة. ومع ذلك كانت هناك فجوة مزمنة بين ما يجب أن يفعله البنك المركزي، في مقابل ما سيفعله لفترة طويلة الآن”.

وأوضحت أنَّ تغيير مشاعر الثقة في الأسواق المتقدِّمة، وتوقُّعات تشديد السياسة النقدية هناك، سيستمران في الضغط على سعر صرف الليرة، مما يجعل من المخاطرة للغاية بالنسبة للبنك المركزي أن يخفِّض سعر الفائدة قبل الأوان لإرضاء الرئيس التركي.

الدعم من صندوق النقد الدولي

 فيما يراقب المستثمرون اليوم ملف الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي التركي، والذي كان قد حصل على دعم من صندوق النقد الدولي ضمن ما يُعرف بالـSDR أو حقوق السحب الخاصة؛ حيث ستحصل تركيا بموجبها على 6.4 مليار دولار.

وكانت الاحتياطي قد ارتفع بنسبة 15% إلى 107.1 مليار دولار في أغسطس الجاري لكن تلك النسبة تُعرف بالإجمالي وليس الصافي.

اليوم البنك المركزي التركي أمام خيارين فقط، الأول هو اللجوء إلى ما يُعرف بالـSWAPS أو عقود المبادلة مع البنوك التركية، والثاني أن يلجأ إلى حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي وهو الخيار الأفضل، حيث يتيح للمركزي التركي فرصة أفضل للتدخل في الأسواق وفي دعم الليرة التركية وخصوصًا بأنها تأتي بلا شروط عكس الـSWAPS التي تعتبر أكثر تكلفة على البنك المركزي، حيث ارتفع إجمالي ما اقترضه البنك المركزي التركي من خلال المقايضات إلى 60.2 مليار دولار منذ بداية أغسطس، من مستوى منخفض بلغ حوالي 53 مليار دولار في وقت سابق من 2021، عندما كان المحافظ ناجي إقبال المؤيد لسياسات السوق، مسؤولاً عن السياسة النقدية.

وارتفعت حصص المقايضة القائمة مع البنوك المحلية بأكثر من 15% من أدنى مستوى له في مارس الماضي إلى 45.7 مليار دولار في 24 أغسطس الجاري.

استمرار تصاعد التضخم

يبقى التضخم الملف الأبرز في تركيا ومقارنته مع معدلات الفائدة، ووفق البيانات الأحدث الصادرة في يوليو 2021، سجل التضخم 8.95% بينما معدلات الفائدة تبلغ اليوم 19%، وهذا يعني أن الفائدة الحقيقية في تركيا لا تتجاوز الـ5 نقاط أساس “0.05%”.

وكان البنك المركزي قد قرر في اجتماعه الأخير بشأن السياسة النقدية في أغسطس الجاري، الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند 19%، وجدد تعهده بسياسة متشددة، قائلًا: إن المستويات العالية من توقعات التضخم شكلت خطرًا على سلوك التسعير بعد أن قفز التضخم إلى أعلى مستوى له في عامين.

وتضع بيانات التضخم الأسوأ من المتوقع، محافظ البنك المركزي شهاب قافجي أوغلو بمأزق، في وقتٍ يدرس كيفية تلبية دعوات أردوغان لخفض تكاليف الاقتراض.

وكان أوغلو قد وعد بالإبقاء على أسعار الفائدة أعلى من التضخم المتوقع والفعلي، ما يعني أن الأسعار تستوجب التهدئة بسرعة -وهو ما يتوقعه المحافظ أن يحدث في الربع الأخير- لإتاحة المجال أمام خفض أسعار الفائدة.

وبالفعل، يتوقع العديد من الاقتصاديين الأتراك والعالميين أن يبدأ التيسير “خفض معدلات الفائدة” في الربع الرابع من العام الجاري وهو ما يتوافق مع توقعات قافجي.

ربما يعجبك أيضا