نتائج زيارة «بينيت» لواشنطن.. مرحلة جديدة من «الترابط الاستراتيجي» لكبح إيران

محمد عبد الدايم

كتب – د.محمد عبدالدايم

 كما هو متوقع في نهاية اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، اعتبر الجانبان، الإسرائيلي والأمريكي، أن زيارة بينيت كانت ناجحة، وحققت الأهداف المرجو منها، كما وصرح مسؤولون عن الطرفين أن زيارة أخرى ستتكرر خلال عدة أسابيع.

الزيارة هي الأولى خارج إسرائيل لنفتالي بينيت، حيث طار رئيس الوزراء المكلف للمرة الأولى خارج إسرائيل في زيارة رسمية للقاء نظيره الأمريكي جو بايدن، بعد علاقة “ودية” وطيدة جمعت سلفهما، بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب.

في اليوم السابق للاجتماع الأول بين بايدن وبينيت، منذ انتخابهما، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي اجتماعات مع كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، وصرح مسؤول مرافق لوفد بينيت أن إسرائيل لديها خطط “طموحة” وأهداف، على رأسها تدشين اتصال مباشر بين بايدن وبينيت، ودفع الخطة الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة إيران، والحصول على دعم أمريكي لتطوير منظومة القبة الحديدية “كيبات برزيل”، وإعفاء الإسرائيليين من التأشيرة عند دخولهم الولايات المتحدة.

إسرائيل تقدم خطتها لمواجهة إيران

bbbbbnew autoOrient i

زيارة بينيت تأتي في المقام الأول لمناقشة قضية الملف النووي الإيراني، وبالطبع تعتبر إسرائيل أن العودة للاتفاق النووي بمثابة خطر يهدد أمنها، ولم يشفع لها التصريح الأخير لبايدن بأن إيران “لن تطور أسلحة نووية أبدًا”.

تصريح بايدن يشير إلى دفع إدارته الجديدة لتحقيق حل دبلوماسي، أي العودة للاتفاق النووي، دون السماح لإيران بالتحرك قدما أكثر مما تحركت بالفعل، وإذا فشل المسار الدبلوماسي، ستنظر الولايات المتحدة في خيارات أخرى، لم تسمها.

كان طرح خيارات أخرى أحد أهداف إسرائيل في اجتماع بينيت مع بايدن، ولكن إسرائيل ما تزال تنتظر تجاوبا أمريكيا، يمحي الشك، حول سياسة بايدن للتعامل مع إيران، فمن المؤكد أنه مصر على العودة للاتفاق النووي، ويعتبره السبيل المتاح لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني وصولا إلى إنتاج قنبلة، لكن حتى في واشنطن، تتزايد الشكوك حول فرص هذا المسار، خصوصًا وأن إيران، وفقا لمصادر تل أبيب، قد قطعت شوطا طويلا بالفعل.

من هنا، يبدو أن بينيت توجه للولايات المتحدة، لإثبات جدارته أولا، بأنه رجل سياسة خارجية لا يقل عن بنيامين نتنياهو، وليقدم للإدارة الأمريكية استراتيجية للتعامل مع إيران، تحت عنوان “الموت بألف قطعة”، مثلما أطلق عليها المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، وتتلخص الاستراتيجية في سلسلة طويلة من العمليات الصغيرة على عدة أصعدة مختلفة، تتدرج من السهولة إلى الصعوبة، كبديل لهجوم عسكري واسع النطاق، أي أن إسرائيل عرضت على الإدارة الأمريكية استكمال سياستها “الحرب بين الحروب”، باعتماد ضربات خاطفة ضد إيران، سياسيا واستخباراتيا وأمنيا، دون الانجرار لحرب معها.

ومع ذلك، في إطار سيناريو العودة للاتفاق النووي، من المشكوك فيه أن تكون الولايات المتحدة قادرة على أن تكون شريكا “كاملا”، في تنفيذ هذه الاستراتيجية مع إيران، بل وربما تتوقع من إسرائيل “ضبطا جزئيا للنفس”.

بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ سياستها للخروج من المناطق الملتهبة، وخصوصا في مناطق الشرق، التي غامرت على الدخول إليها، وعانت كثيرا، ومع بدء انسحابها وضح أنها تعاني أكثر، وخير شاهد على الأمر هو مشهد انسحابها “الفوضوي” من أفغانستان.

خروج الولايات المتحدة من أفغانستان يمكن أن يكون مُهددا لإيران، التي ستجد حدودها في مواجهة مباشرة مع طالبان، ورغم الارتياح الإيراني من خروج الولايات المتحدة من جوارها الإقليمي، فإن طهران قلقة من الوضع الناشئ، خصوصا مسألة تدفق اللاجئين، فحتى الآن تحرك نحو إيران ما يقرب من 750 ألف لاجئ أفغاني، ناهيك عن ما يقرب من مليوني لاجئ يعيشون في إيران بشكل غير قانوني، مما يشكل عبئا أمنيا واجتماعيا واقتصاديا كبيرا على الدولة التي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية ومجتمعية حادة، جراء سياسة الملالي، ومع تفشي جائحة كورونا.

وبعيدا عن مشكلة اللاجئين، فإن إيران “الشيعية” تتمتع بعلاقة متوترة مع طالبان “السنية”، وكلا الطرفين متشددين في التوجه الديني العام، رغم المحادثات الثنائية بينهما على مدى سنوات، فإن كراهية طالبان ما تزال رائجة داخل إيران، فبالعودة إلى الوراء، حتى عام 1998، كادت إيران أن تخوض حربا مع طالبان، بعدما قتلت الأخيرة ثمانية دبلوماسيين إيرانيين ومراسلا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، في مدينة مزار الشريف.

بالعودة إلى زيارة بينيت؛ فإن إسرائيل تعتبر أن الواقع سيكون أكثر تعقيدا إذا ما فشلت المفاوضات مع إيران، وواصلت تطوير برنامجها النووي، ففي هذه الحالة، حتى إذا أخذت الولايات المتحدة بسياسة أكثر “حزما” تجاه طهران، وتبنت “خياراتها الإضافية”، فلن ترضى إسرائيل، التي تضغط منذ عدة أشهر لإثناء بايدن عن تنفيذ خططته بالعودة لاتفاق النووي، لأنها، عبر مصادرها الاستخباراتية، شبه متأكدة من القفزة الإيرانية الكبيرة نحو إنتاج القنبلة النووية، رغم التضييق عليها، ورغم الأزمة الاقتصادية، وحتى الآن لم تحقق ضربات إسرائيل “غير المعلنة” هدفها بإيقاف كامل للمنشآت النووية داخل إيران.

202182812527914BT 1

رفض إسرائيلي لانسحاب أمريكا

رغم أن مسؤولي الإدارة الأمريكية نقلوا لنظرائهم في وفد إسرائيل أن الولايات المتحدة لا تنوي “إجراء تغييرات جوهرية” في سياستها بالشرق الأوسط، فإن بينيت كان حريصا على أن يؤكد رفض إسرائيل للانسحاب الأمريكي الكامل من سوريا والعراق، لأن هذا يعني تمددًا إيرانيا بشكل يمثل “تهديدا” لإسرائيل.

لا جديد بالنسبة للفلسطينيين

تأتي زيارة بينيت مواكبة لأحداث ساخنة على السياج الفاصل حول غزة، وأشار مسؤولو الوفد الإسرائيلي إلى أن الجانب الإسرائيلي “متفهم” للوضع، حيث لا تنوي إسرائيل إحداث تغيير يسمح بالانفتاح على غزة، أو تخفيف الحصار، ما لم يتوقف “العنف” على حد زعمها.

شدد وزير الخارجية الأمريكية، بلينكين على أن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء “يستحقون وسائل متساوية من الحرية والازدهار والكرامة، لكن بينيت، من جانبه، نقل لمسؤولي الإدارة الأمريكية، رفضه للانفتاح على محادثات شاملة مع السلطة الفلسطينية في الوقت الحالي، واكتفت إسرائيل بإجراء محادثات “أمنية”، عبر لقاء جمع، هذا الأسبوع،  وزير الدفاع بيني جانتس مع محمود عباس.

ترفض إسرائيل بشكل قاطع مسألة فتح قنصلية الولايات المتحدة للفلسطينيين في القدس، مثلما صرح وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته لفلسطين في مايو الماضي، بعد إقرار الهدنة التي أوقفت العملية الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والمعروفة بـ “حارس الأسوار”.

على مدار الأشهر الثلاثة الأخيرة تعلن إسرائيل رفضها تنفيذ الولايات المتحدة لنيتها بإعادة فتح قنصليتها للفلسطينيين، بعدما أغلقتها إدارة ترامب في عام 2019، واستجابت إدارة بايدن لطلب بينيت بتأجيل الأمر إلى حين إقرار الموازنة الإسرائيلية في نوفمبر المقبل، وفي خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي، كرر بينيت طلبه بألا تقدم الولايات المتحدة على إعادة فتح القنصلية، فقد أشار مصدر من الجانب الإسرائيلي أنه بالنسبة لبينيت “القدس هي عاصمة إسرائيل، ولم يتم الاتفاق مع الجانب الأمريكي على فتح مثل هذه القنصلية للفلسطينيين”.

ضمن ملفات بينيت التي كان ينوي عرضها على الإدارة الأمريكية مسألة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، حيث رغب في توصيل رسالة بأن إسرائيل لن توقف تحركها للسيطرة على الضفة، وليس إيقاف الاستيطان ضمن أجندتها، لكن تخرج تصريحات رسمية من الطرفين تفيد بإجراء نقاش حول الأمر، لكن يبدو أن بينيت أراد توصيل رسالته لبايدن، أملا في الحصول على “غض الطرف” الأمريكي، على سياسة الاستيطان التي تستهدف ابتلاع الضفة الغربية.

دعم إضافي لضمان أفضلية عسكرية إسرائيلية

في هذا السياق، توجه بينيت للولايات المتحدة للحصول على دعم أمريكي إضافي، لزيادة تجهيز الجيش الإسرائيلي، وحمل طلبا بمعونة أمريكية تقدر بمليار دولار لتطوير منظومة الدفاع الصاروخية المعروفة بـ “القبة الحديدة”، ووجد الوفد الإسرائيلي تجاوبا أمريكيا على مطالب إسرائيل، باعتبار أنها تدعم استمرارها “القوة العسكرية الأكبر” في منطقة الشرق الأوسط، وصرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بعد اجتماعه مع بينيت، أن الإدارة الأمريكية تكرر “التزامها بأمن إسرائيل”، وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن حريصا على التأكيد على الالتزام الأمريكي ذاته، بالحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري، وضمان أمنها في المنطقة، لأن التعاون الأمني بين الطرفين بمثابة “ارتباط استراتيجي”.

إعفاء الإسرائيليين من تأشيرة الدخول

على جانب آخر، تباحث الطرفان، حول مسألة إعفاء الإسرائيليين من الحصول على تأشيرة كشرط لدخول الولايات المتحدة، وذلك بعد نحو أسبوعين من لقاء جمع جلعاد أردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، مع أليخاندرو إن مايوركاس، وزير الأمن الداخلي الأمريكي، وروج أردان بعد الاجتماع إلى أن مسألة إعفاء الإسرائيليين من تأشيرة الدخول للولايات المتحدة ستكون أمرا نافذا خلال فترة وجيزة،  وكانت هذه المسألة ضمن البنود الرئيسة في ملف زيارة بينيت للولايات المتحدة، ويبدو أنه سيكون أمرا متحققا بالفعل، وقتما تتضح الرؤية فيما يتعلق بمحاولات السيطرة على وباء كورونا.

لقاء الشباب والشيخوخة

تبدو زيارة بينيت للولايات المتحدة علامة فارقة بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي سافر حاملا طموحه بأن يكون “ندا” قويا لبايدن، مع مراعاة استمالة إدارته، من أجل الوصول لتفاهمات مع الأمريكيين بخصوص القضايا الأمنية والاستراتيجية، وروج الظهير السياسي والإعلامي لبينيت لنجاح زيارته، رغم الصورة المنتشرة لبايدن وهو “يغفو” أثناء اللقاء الثنائي، في بروباجاندا إعلامية تصور “شباب” إسرائيل في مواجهة “شيخوخة” أمريكا.

عدم استغلال التأجيل في لقاء يهود أمريكا

ما أخذته دوائر السياسة والإعلام في إسرائيل على بينيت، أنه لم يستغل تأجيل الاجتماع مع بايدن، بسبب تفجير مطار كابول، ليتواصل مع أقطاب الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، خصوصا وأن العلاقة بين إسرائيل وجماعات اليهود في أمريكا ليست على ما يرام منذ سنوات، فلم يكلف بينيت نفسه عناء دعوة كبار المسؤولين عن يهود الولايات المتحدة لمناقشة سبل استعادة العلاقات بينهم وبين إسرائيل، بعد أن أصابها عطب كبير في عهد سلفه بنيامين نتنياهو.

على كل، حققت زيارة بينيت للولايات المتحدة زخما إعلاميا داخل إسرائيل، لم يفصح الطرفان عن اتفاقات مؤكدة بينهما، لكن من المؤكد أن مرحلة جديدة من “الترابط الاستراتيجي” قد بدأت، وليس في مصلحة أي منهما أن يقطعها في الوقت الحالي، أو قريبا.

ربما يعجبك أيضا