إليزابيث هولمز.. الحسناء المتهمة ببيع «الفنكوش» لنجوم «وادي السيلكون»

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بعد تأجيل استمر لنحو أربع سنوات انطلقت محاكمة الأمريكية إليزابيث هولمز، نهاية أغسطس المنصرم، هولمز المصنفة بين أصغر مليارديرات العالم والملقبة سابقا بأغني سيدة عصامية في أمريكا، تواجه تهما بالاحتيال والنصب قد تصل عقوبتها إلى السجن عشرين عامًا.. والسبب هو شركتها “ثيرانوس” التي يعتبرها الكثيرون مثالًا حيًا على قدرة قطاع التكنولوجيا الأمريكية على دعم الشركات الناشئة إلى حد السماح ببيع وتسويق أي شيء حتى لو كان وهما لا أساس له.

من هي إيزابيث هولمز؟

أسست هولمز 37 عاما “ثيرانوس” عام 2003، وبفضل ترويجها لمزاعم كاذبة بشأن فاعلية تقنيات تعمل شركتها على ابتكارها لإحداث ثورة في مجال إجراء اختبارات الدم تسمح بإجراء نحو 240 فحصا مختلفا باستخدام عينة دم صغيرة، تمكنت من استقطاب ملايين الدولارات وباعت أسهم لكبار رجال الأعمال والسياسيين في أمريكا دون طرح الشركة للاكتتاب العام عبر أبواب وول ستريت.

ولدت هولمز في 3 فبراير 1984 في واشنطن العاصمة، كانت والدتها عضوة بالكونجرس، ووالدها كان يعمل بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومنذ الصغر لم تشتهر فقط بين أقرانها بأنها الحسناء صاحبة العيون الزرقاء، بل أيضا كانت لديها مشاريع وأحلام، فعندما كانت في السابعة حاولت ابتكار آلة زمن بكل جدية، حيث قامت بوضع رسومات هندسية تفصيلية للألة، وفي التاسعة من عمرها أخبرت أقاربها بأنها تريد أن تصبح مليارديرة، هذا وفقا لما ذكره تقرير نشرته “بيزنس إنسايدر” يوم 31 أغسطس.

خلال المدرسة الثانوية بدأت هولمز تلمع أكثر كطالبة نابغة وقامت بتطوير وبيع برنامج خاص بترجمة أكواد الكمبيرتر إلى المدارس الصينية، وبدأت خلال هذه المرحلة في تلقي دروس في لغة الماندرين الصينية، لتلتحق بعدها بجامعة ستانفورد عام 2002، في البداية فكرت في دراسة الطب إلا أنها تراجعت واختارت دراسة الهندسة الكيميائية، وعندما كانت طالبة عملت على مشروع بحثي وكانت تحصل على راتب 3000 دولار، كما أنها عملت كمتدربة في معهد بحثي بسنغافورة وحصلت على وظيفة بدوام جزئي فيه لكونها تتحدث لغة الماندرين.

عندما كانت طالبة في السنة الثانية تحديدا عام 2003، قررت هولمز ترك الدراسة لتؤسس شركتها في وادي السيلكون بمساعدة أحد أساتذتها وهو “تشانينج روبرتسون”، وفي البداية كان اسم الشركة هو Real-Time Cures، ثم غيرت الاسم لاحقًا إلى Theranos.

دخولها وادي السيلكون باستراتيجية “زيفها حتى تصنعها”

 في 2003 خرجت “ثيرانوس” إلى النور كأحدث شركة ناشئة في وادي السيلكون، وسرعان ما قدمت طلبا للحصول على براءة اختراع لـ “جهاز طبي خاص بمراقبة الوظائف الحيوية لجسم المريض وتنظيم الدواء” وهو عبارة عن جهاز يمكن ارتداؤه لمراقبة الوظائف الحيوية لجسم المريض وضبط جرعة الدواء بحسب الحاجة، وبعد ذلك بدأت الفتاة التي لم تتخط التاسعة عشر من عمرها تتسلق سلم الشهرة مرتدية عباءة ستيف جوبز.

بدأت هولمز في هذه الأثناء تعمل على فكرة جديدة هي جهاز شخصي يستخدم تقنية خاصة تتطلب فقط وخز الإصبع ومن ثم يقوم بتحليل عينة دم واحدة وإرسال البيانات إلى أجهزة معالجة ضخمة عبر الإنترنت لتقوم هذه الأجهزة بتحليل البيانات والرد بنتائج التحاليل مع تشخيص مبدائي كما لو كان طبيب تحاليل هو من قام بالأمر. 

وقالت هولمز – أثناء ترويجها لمشروعها الجديد- إن الاختبارات بواسطة الجهاز قد تصل إلى 240 فحصا، وستكون قادرة على الكشف عن أمراض مثل السرطان وارتفاع الكوليسترول.

ساعد هولمز في بداية الأمر عاملان على ترويج مشروعها وإدارته بكفاءة تدر ربحا قبل أن تصل إلى اختراع الجهاز فعليا، الأول هو قدرتها على الإقناع والثاني هو جهل نجوم وادي السيلكون بمجال الهندسة الطبية، هذا فضلا عن استعانتها بشريكها وصديقها “سوني بالواني” وهو أحد رواد الأعمال في وداي السيلكون وساعدها كثيرا في بيع المشروع وهو مجرد فكرة على الورق أو بالتعبير المصري الشهير ساعدها على بيع “الفنكوش”.

سرعان ما بدأت تحصل هولمز على دعم كبار السياسيين ورجال الأعمال للاستثمار في شركتها أمثال وزير الخزانة الأمريكي السابق جورج شولتز، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وعائلة والتون، ومؤسس أوراكل لاري إليسون، وجمعت أكثر من 700 مليون دولار عبر شراء هؤلاء وغيرهم لأسهم في الشركة التي حلقت قيمتها إلى سقف 9 مليارات دولار عام 2014.

image 41

سقوط هولمز من عرش المليارديرات

بحلول مطلع عام 2015 كانت هولمز تتربع على عرش “فوربس” كأغنى سيدة عصامية في أمريكا وأصغر مليارديرة بثروة قدرت وقتها بـ4.5 مليار دولار، لكن في العالم التالي قامت المجلة بإسقاطها من القائمة، وقالت إن شركتها حصلت على تقييم أعلى بطرق احتيالية وأن القيمة الحقيقة لها لا تتجاوز الـ800 مليون دولار، كما أن حملة الأسهم لديهم بصفة تفضيلية تعطية الحق  في الحصول على أموالهم عند التصفية قبل هولمز نفسها، ما يعني أنها لا تملك شيئا في الحقيقة.

خلال هذه الفترة كانت صحيفة وول ستريت جورنال تنشر سلسلة من التحقيقات التي تؤكد أن نتائج شركة هولمز ومشروعها المزعوم –الذي كان محاطا بسرية تامة- غير موثوقة وأن المشروع هو محض محاولة احتيال، وبحلول أغسطس 2015، بدأت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التحقيق في ملف شركة “ثيرانوس” ووجدت “أخطاء كبيرة” في الاختبارات التي كانت تجريها الشركة على المرضى.

ومنذ نهاية 2015 بدأت الدعاوى القضائية تتراكم ضد هولمز وشركتها، وقطع شركاؤها العلاقات معها، ومنعت الشركة في 2016 من تشغل خدمة فحص الدم لمدة عامين، لتحل نهائيا عام 2018، وتبدأ جولاتها داخل المحاكم.

في مارس 2018 وجهت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية إلى هولمز وبالواني تهمة “الاحتيال الجماعي”، ودفعت الأولى وقتها غرامة بنحو 500 ألف دولار، كما أعادت 18.9 مليون سهم من أسهم “ثيرانوس”، مع عدم السماح لها بإدارة شركتها أو العمل كمسؤولة في أي شركة مساهمة عامة لمدة 10 سنوات.

بعد ذلك بثلاثة أشهر تم القبض على هولمز وبالواني بتهمة الاحتيال والتآمر، وقالت عريضة الاتهام إن “ثيرانوس” ضللت المرضى عن عمد بشأن الاختبارات، وبالغت إلى حد كبير في مستوى أدائها لدى الداعمين الماليين، لكن هولمز تمكنت من الخروج بكفالة، وتزوجت في عام 2019 من ويليام بيلي إيفانز، وريث سلسلة فنادق إيفانز هوتيل جروب.

الآن مع استئناف محاكمتها، ينتظر أن تدافع هولمز عن نفسها بالقول بإنها غير مذنبة، وبحسب ما كشفه محاموها في تصريحات لـ”بي بي سي” الأسبوع الماضي، سيدفعون للمحكمة بملفات تثبت تعرض موكلتهم للاستغلال من قبل صديقها السابق وشريكها بالواني الذي يكبرها بنحو 20 عاما بالتزامن مع ارتكاب الجرائم المزعومة، مما أضر بحالتها العقلية وكانت كثيرا ما تتصرف بناء على تعليماته، إلا أن بالواني نفى الأمر، وحاليا الحكم متروك للمحكمة التي ستبدأ هذا الأسبوع في سماع المرافعات ومن المتوقع أن تستغرق قرابة أربعة أشهر لتفصل في القضية.. وسواء قررت المحكمة توقيع أقصى عقوبة على هولمز أو تخفيف الحكم فالأمر لن يوقف العمليات الاحتيالية في وادي السيلكون كونه في الأساس بني على نهج “اخترع فكرة أولا لتقوم بجمع التمويل اللازم لتحويلها لاحقا إلى حقيقة ملموسة”.. “أكذب حتى تفعلها” أو “زيفها حتى تصنعها”. 

120326691 gettyimages 490572326
maxresdefault 3

ربما يعجبك أيضا