عقب الانسحاب من كابول.. ما هي الوجهات الأمريكية المقبلة؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تراقب حكومات دول جنوب شرق آسيا ما إذا كانت منطقتهم ستمثل الآن أولوية في الوقت الذي تعيد فيه واشنطن ترتيب أهداف سياستها الخارجية.

أثار الانسحاب الأمريكي الكارثي من أفغانستان انتقادات كبيرة وفي بعض الأحيان توبيخا لاذعا حيال السياسة الخارجية الأمريكية، لكنه أثار أيضا الكثير من الشكوك إزاء نوايا واشنطن لاستعادة زعامتها في المستقبل.

وفي منطقة جنوب شرق آسيا، عمدت الولايات المتحدة على طمأنة حلفائها وأيضا تعزيز التحالفات في هذه المنطقة الهامة في مواجهة الصين.

وكانت أبرز تلك الخطوات جولة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في منطقة جنوب شرق آسيا التي امتدت لأسبوع زارت خلالها سنغافورة وفيتنام، حيث حملت رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة تجاه منطقة جنوب شرق آسيا.

ورغم ذلك، فإن جولة هاريس تزامنت مع تعرض الولايات المتحدة لأكبر كارثة تتعلق بسياستها الخارجية منذ عقود، وفقا للمراقبين.

فعلى وقع قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، اضطرت العديد من دول جنوب شرق آسيا إلى إجلاء رعاياها بشكل سريع من أفغانستان وسط مخاوف من أنّ تصاعد التطرف في أفغانستان قد يزيد من خطر الهجمات الإرهابية في منطقة جنوب شرق آسيا.

تحت  المجهر

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع هاريس، في الثالث والعشرين من أغسطس المنصرم، أكد رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ على أن “الخطوات التي ستقوم بها واشنطن في المستقبل، هي التي ستؤثر على التصورات حيال الولايات المتحدة وعزمها والتزامها في المنطقة”.

يشار إلى أنه منذ نهاية حرب فيتنام، تعرض اهتمام واشنطن بمنطقة جنوب شرق آسيا لنوع من “الإهمال” تم تصنيفه داخل دوائر السياسة الخارجية بكونه “إهمالا محمودا”.

بيد أنه مع تنامي القوة الاقتصادية لدول منطقة جنوب شرق آسيا بالتزامن مع تنامي قوة الصين التي أصبحت تمثل تهديدا للمصالح الأمريكية في هذه المنطقة، عادت منطقة جنوب شرق آسيا إلى بؤرة اهتمام السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفق تقرير لـ”دويتشه فيله”.

وما يؤكد ذلك هو ما عرف بسياسة “المحور الآسيوي” خلال حقبة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بداية من عام 2011.

لكن الآن، ومع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، يساور حلفاء واشنطن في منطقة جنوب شرق آسيا الكثير من القلق، وفقا لما أشارت إليه بوني جلاسر –  مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة.

وأضافت “يساور دول جنوب شرق آسيا دائما بعض القلق حيال بقاء نفوذ الولايات المتحدة قويا في المنطقة، لكنني لا أعتقد أن أفغانستان سوف تزيد من مستوى هذا القلق كثيرا”.

يشار إلى أن الولايات المتحدة تعد شريكا اقتصاديا وأمنيا رئيسيا لمعظم دول منطقة جنوب شرق آسيا إذ أبرمت معاهدات تحالف مع تايلاند والفلبين فضلا عن تعاون عسكري كبير مع سنغافورة وفيتنام، التي أضحت واحدة من أهم الشركاء الأساسيين لأمريكا في آسيا.

كذلك، انحازت الولايات المتحدة إلى جانب فيتنام وماليزيا وأندونيسيا ضد الصين في النزاع حول منطقة بحر الصين الجنوبي.

بيد أن انسحاب واشنطن من أفغانستان بشكل سريع، أثار شكوكا لدى بعض بلدان منطقة جنوب شرق آسيا عما إذا كانت واشنطن ستهرع لنجدتهم والدفاع عنهم إذا اندلعت مواجهات عنيفة مع الصين.

منطقة جنوب شرق آسيا

لكن اللافت للأنظار في هذا الأمر هو أن حكومات بلدان منطقة جنوب شرق آسيا تدرك أن المصالح الأمريكية في هذه المنطقة تختلف كثيرا عن مصالح واشنطن في أي منطقة أخرى من العالم.

ففي الوقت الذي كان فيه التدخل الأمريكي في دول مثل أفغانستان يأتي في إطار محاربة الإرهاب وبناء دول ضعيفة، فإن الأمر يختلف كثيرا في منطقة جنوب شرق آسيا،  إذ إن المصالح الأمريكية هنا تتعلق بتعزيز التعاون الوثيق مع دول مستقرة.

وفيما يتعلق بأفغانستان، فقد كان منوطا بالولايات المتحدة مهمة توفير الأمن لهذا البلد، الذي مزقته الحروب فضلا عن تقديم الدعم المالي لدولة فقيرة وضعيفة.

بيد أن منطقة جنوب شرق آسيا لا تحمل أي أوجه مقارنة مع أفغانستان إذ إن اقتصاديات منطقة جنوب شرق آسيا تعد من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم وهو ما يمثل استفادة للشركات الأمريكية؛ ما جعل دول جنوب شرق آسيا رابع أكبر شريك تجاري لأمريكا، وفقا للتقديرات الرسمية الأمريكية.

ربما يعجبك أيضا