«الدامون».. إسطبل الخيول حيث يُعتقل حنان الأمهات وأحلام الفتيات

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – قُدّرَ للأسيرة الفلسطينية انهار الديك (25 عاماً) من قرية كفر نعمة غربي مدينة رام الله، أن تحرر من سجون الاحتلال قبل أيام فقط من موعد ولادتها وهي الحامل في شهرها التاسع، فاستطاعت بذلك النجاة من حال كان يمكن أن يودي بها وبجنينها.

وأرسلت أنهار قبل أيام رسالة إلى أهلها تشكو ألمها وخوفها من الولادة مكبلة ووحيدة في السجن وقد تحتاج إلى إجراء عملية قيصرية وأصدرت صرخة عالية عبر رسالتها من السجن تحمل المجتمع الدولي المسؤولية أمام وضعها اللاإنساني، وهي الرسالة التي فجّرت حملة إلكترونية كبرى تحت وسم (أنقذوا أنهار الديك) لدعمها والتضامن معها.

وقالت الديك: “عقب الإفراج عنها قبل يومين:  إنها “فرحة، لم أنم طوال الليل، أتساءل: معقول أُفرج عني؟ هل هذه لحظات حقيقية أم خيال؟ لله الحمد، أنا اليوم حرة في بيتي.. هذا الفرج من الله أولاً، وبدعوات الناس والمتضامنين، والحملات الإعلامية التي أجبرت الاحتلال على إطلاق سراحي”.

وكانت الديك تحررت في ساعة متأخرة من مساء أمس الخميس، بكفالة تبلغ 40 ألف شيكل (13 ألف دولار) و أن تخضع لسجن منزلي في بيت والدتها، علماً أنها اعتقلت في مارس/ آذار الماضي، بزعم محاولتها تنفيذ “عملية طعن”.

تضيف: “نُقلت إلى معتقل هشارون الإسرائيلي، ووُضعت في زنزانة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لم يراعوا أنني سيدة حامل، أمضيت فيها 30 يوماً.. طلبت منهم فراشا وغطاءً، كوني سيدة حامل والبرد قارس، دون جدوى، لم يُقدم لي إلا القليل من الطعام”.

وأكدت الديك أنها نقلت على مدى فترة الاعتقال للمستشفى، وسط تنكيل متعمد رحلة البوسطة (شاحنة نقل الأسرى) حيث يبقى المعتقل مقيد القدمين واليدين، مشيرة إلى أن سلطات السجون أخبرتها أنها ستضع جنينها وهي مقيّدة، الأمر الذي أضاف لها معاناة وقلقاً نفسياً، وبينت: “عشت ظروفا صعبة للغاية، أقول لنفسي: كيف سأعتني بطفلي في زنزانة لوحدنا؟ كيف له أن يصحو على صوت السجان؟ والعدد والتفتيش والاقتحامات، وكيف له أن يعيش ذات المعاناة التي أعيشها؟”.

ورغم فرحتها بالحرية، فتشدد على أنها تعيش مخاوف من إعادة اعتقالها، وتقول: “صحيح أنا شبه حرة الآن، وفي الاعتقال المنزلي، لكنني بين أهلي وعائلتي، ومع طفلتي وزوجي وطفلي القادم، لكن القضية لم تنتهِ بعد.. هناك مخاوف حقيقية، لكن بحسب المحامي الخاص بي، الملف سوف يغلق دون اعتقال، أتمنى ذلك من كل قلبي لكي أبقى مع أطفالي وأهلي”.

وكانت ثماني أسيرات فلسطينيات قد وضعن حملهن في سجون الاحتلال من قبل وأنهار كانت التاسعة حال استمرارها في السجن. وعقّبت “الأمر لم يكن سهلًا على الأسيرات اللاتي وضعن حملهن داخل الأسر، لقد مر عليهن الأمر (بطلوع الروح) بصعوبة شديدة لا يعلمها إلا الله”.

ولفتت إلى أن الأسرى العاديين يعانون من صعوبات كثيرة جدًا داخل الأسر، فما بالك بالنساء الحوامل ومعاناتهن مع حملهن “إنها أوضاع لا تُحتمل”.

وأضافت “أتمنى أن يتحررن جميعًا ويخرجن من سجون الاحتلال خاصة أختي إسراء جعابيص التي تعاني أوجاعًا وحروقًا، وأوصتني بنشر رسالتها إلى العالم للضغط على الاحتلال من أجل الإفراج عنها مثلي”.

وتعتقل “قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل في سجونها 35 أسيرة فلسطينية، من بينهنّ 26 أسيرة صدرت بحقّهن أحكام لفترات متفاوتة أعلاها لمدة 16 عاماً،  ويبلغ عدد الأسيرات الجريحات في سجون الاحتلال 8 أسيرات، وغالبيتهنّ أُصبن بعد عام 2015.

في آخر إضراب جماعي للأسرى الفلسطينيين عام 2019 كان نقل الأسيرات من سجن الدامون إلى معتقل آخر يوفر ظروف اعتقال تضمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية من أهم مطالب الأسرى المضربين. نص اتفاق إنهاء الإضراب نقل الأسيرات من سجن الدامون، لكن الاحتلال لم يلتزم بالاتفاق.

وتم بناء الدامون على قمة الكرمل في ثلاثينيات القرن الماضي، في ظل الانتداب البريطاني، لكن لم يكن من المفترض به أن يكون سجنًا. تم استخدامه في البداية كإسطبل للخيل، ثم تحول إلى مصنع للتبغ، وفي عام 1953 بدأت السلطات الصهيونية استخدام المكان كمعتقل. في عام 2000 تم إغلاقه لفترة وجيزة، ثم أعيد فتحه خلال الانتفاضة الثانية.

وتبدأ عمليات التعذيب والتّنكيل التي تُمارسها أجهزة الاحتلال بحقّ الأسيرات منذ لحظة الاعتقال، وذلك بإطلاق الرصاص عليهنّ أثناء عمليات الاعتقال، وتفتيشهنّ تفتيشاً عارياً، واحتجازهنّ داخل زنازين لا تصلح للعيش، وإخضاعهنّ للتحقيق ولمدد طويلة يرافقه أساليب التعذيب الجسدي والنفسي منها: الشبح بوضعياته المختلفة، وتقييدهنّ طوال فترة التحقيق، والحرمان من النوم لفترات طويلة، والتحقيق المتواصل، والعزل والابتزاز والتهديد، ومنع المحامين من زيارتهنّ خلال فترة التحقيق، وإخضاعهنّ لجهاز كشف الكذب، والضرب المبرح كالصفع المتواصل، عدا عن أوامر منع النشر التي أصدرتها محاكم الاحتلال، كما وتعرضت عائلاتهن للتّنكيل والاعتقال، والاستدعاء كجزء من سياسة العقاب الجماعي.

وبعد نقلهنّ إلى السجون، تُنفذ إدارة سجون الاحتلال بحقّهن سلسلة من السياسات والإجراءات التنكيلية منها: الإهمال الطبي، والحرمان من الزيارة، وحرمان الأسيرات الأمهات من الزيارات المفتوحة ومن احتضان أبنائهنَّ، علاوة على سياسة العزل الانفرادي التي صعّدت من استخدامها خلال العام الماضي والجاري، وكانت أبرز عمليات العزل التي استهدفت الأسيرات، عزل الأسيرة فدوى حمادة لعدة شهور، والذي انتهى مؤخرًا، إضافة إلى عزل الأسيرة نوال فتيحة.

وتواجه الأسيرات، منذ بداية انتشار الوباء، عزلًا مضاعفًا، جرّاء عدم انتظام زيارات عائلاتهنّ، ورغم المطالبات المتكررة، على مدار العام الماضي، من السماح لهنّ بإجراء مكالمات هاتفية للتواصل مع عائلاتهنّ، إلا أن إدارة سجون الاحتلال ترفض الاستجابة لهنّ.

وتعاني الأسيرات ظروفاً حياتية صعبة في سجن “الدامون”، منها: وجود كاميرات في ساحة الفورة، وارتفاع نسبة الرطوبة في الغرف خلال فترة الشتاء، كما وتضطرّ الأسيرات لاستخدام الأغطية لإغلاق الحمّامات، عدا عن “البوسطة” التي تُشكّل رحلة عذاب إضافية لهنّ، خاصة اللواتي يُعانينّ من أمراض، والأهم سياسة المماطلة في تقديم العلاج اللازم لهنّ، وتحديداً الجريحات، اللواتي يعانين من آثار الإصابات التي تعرضنّ لها، وأكثر الحالات صعوبة وخطورة من بين الأسيرات، الأسيرة إسراء جعابيص.

يشار إلى أن أول أسيرة للثورة الفلسطينية، اعتقلت في سجون الاحتلال، كانت الأسيرة فاطمة برناوي من القدس، والتي اُعتقلت عام 1967، وحكم عليها الاحتلال بالسّجن المؤبد، وأفرج عنها عام 1977، أي بعد عشر سنوات على اعتقالها.

وعلى مدار سنوات الصراع الطويلة مع إسرائيل تعرضت أكثر من 16.000 فلسطينية (بين مسنة وقاصر) للاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وقد شهدت فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) التي انطلقت عام 1987م، أكبر عمليات اعتقال بحق النساء الفلسطينيات؛ إذ وصل عدد حالات الاعتقال في صفوفهن إلى نحو 3000 فلسطينية؛ أما خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) التي اندلعت عام 2000م، فقد وصل عدد حالات الاعتقال بحق النساء الفلسطينيات إلى نحو 900 فلسطينية.

ومنذ عام 2009 وحتى مطلع عام 2012، تراجعت حدة الاعتقالات في صفوف الفلسطينيات، لتعود بشكل متصاعد مع انطلاقة الهبة الجماهيرية الفلسطينية نهاية عام 2015، وصولًا إلى المقاومة الشعبية عند إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوابات المسجد الأقصى المبارك في تموز 2017؛ ليصل عدد الأسيرات اللواتي تعرضن للاعتقال منذ بداية الهبة الجماهيرية وحتى الأول من تشرين الأول 2017 إلى نحو 370 حالة اعتقال.

وبلغت ذروة التصعيد في عمليات اعتقال الفلسطينيات على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ اندلاع “هبة القدس” العاصمة الأبدية لفلسطين- بعد إعلان الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت (دونالد ترامب) المشؤوم في السادس من كانون الأول 2017؛ واستمرت خلال عام 2018 والذي شهد ارتفاعًا في وتيرة اعتقال الفلسطينيات، وخاصة المرابطات في المسجد الأقصى، لتتواصل خلال العام 2019؛ حيث اعتقلت سلطات الاحتلال خلال ذلك العام نحو 110 فلسطينيات؛ وفي العام 2020 ارتفعت وتيرة الاعتقالات والعقوبات بحق الأسيرات الفلسطينيات، إذ اعتقلت سلطات الاحتلال خلاله نحو128 من النساء.

ربما يعجبك أيضا