للمرة الثانية خلال أقل من 13 عامًا.. غينيا في قبضة العسكر مجددًا!

حسام السبكي

حسام السبكي

يبدو أن القارة السمراء وتحديدًا منطقة الغرب الأفريقي، والتي شهدت أحداثًا سياسية مماثلة في غضون السنوات العشر الأخيرة فقط، على موعد مع انقلاب عسكري جديد، وتحديدًا من غينيا، والتي تعيش حاليًا، الانقلاب العسكري الثاني في غضون أقل من 13 عامًا، حيث أعلن “متمردون” محسوبون على “القوات الخاصة” عن اعتقال الرئيس الغيني، وتشكيل مجلس لقيادة البلاد، فضلًا عن الإجراءات المعتادة بحظر التجوال وغيره..

في غضون ذلك، خرجت الدبلوماسية الدولية لتشجب وتندد كما المعتاد، متوعدة بفرض العزلة والعقوبات، والتي لا تطول في الغالب كثيرًا، خاصةً مع ثقل منطقة الغرب الأفريقي، ووجود نفوذ أوروبي وفرنسي على الأغلب فيها، فيسود حينها “الاعتراف بالأمر الواقع” والقبول في الغالب بالسلطات القائمة، من أجل استمرار المحافظة على مصالح الدول المستفيدة من بلدان غرب أفريقيا.

انقلاب جديد

من الصور المتداولة بمواقع التواصل

مع حلول المساء، استقبل الغينيون نبأ الانقلاب العسكري الجديد في البلاد، بعد اعتقال رئيس البلاد ألفا كوندي، وظهور مجموعة من العسكريين في شبكة التلفزيون الغيني الرسمية للإعلان عن ذلك، فضلًا عن دوريات للقوات الخاصة في الجيش الغيني تجوب الشوارع وتوقف المارة.

وأعلنت القوات الخاصة في غينيا القبض على رئيس البلاد ألفا كوندي وحل مؤسسات الدولة وتعطيل الدستور وغلق حدود البلاد، وكان الشعار السائد والسبب الرئيس وفق مزاعم الانقلابيين في الإقدام على تلك الإجراءات متمثلًا في “سوء الإدارة وتردي الأوضاع الاجتماعية”!.

في غضون ذلك، ذكرت “وكالة الأنباء الفرنسية”، أن أحد “الانقلابيين” بالزي العسكري ظهر في فيديو انتشر على مواقع التواصل بدون أن يبثه التلفزيون الوطني، قائلا “قررنا بعد القبض على الرئيس … حل الدستور القائم وحل المؤسسات، كما قررنا حل الحكومة وإغلاق الحدود البرية والجوية“.

وبثّ الانقلابيون، فيديو للرئيس كوندي مقبوضا عليه فيما رفض ألفا كوندي وهو جالس على كنبة ويرتدي بنطال جينز وقميصا، الإجابة حين سئل إن كان قد تعرّض لسوء معاملة.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع في بيان إنّ “المتمردين (أثاروا) الرعب” في كوناكري قبل السيطرة على القصر الرئاسي، غير أنّ “الحرس الرئاسي مسنوداً بقوات الدفاع والأمن، و(القوات) الموالية والجمهورية، احتووا التهديد وصدوا مجموعة المعتدين”.

في السياق أيضًا، قال ضباط القوات الخاصة الذين استولوا على السلطة في غينيا، في بيان بثه التلفزيون الوطني، إنه سيتم عقد اجتماع لوزراء حكومة الرئيس المعزول ألفا كوندي ومسؤولين آخرين كبار، صباح اليوم الإثنين، في العاصمة كوناكري.

وأضافت مجموعة الضباط أنّ “أيّ رفض للحضور، سيُعتبر تمردا” على المجلس الذي شكله الانقلابيون لحكم البلاد.

e9a532eb 088b 4d14 8175

وكان ضباط القوات الخاصة الذين استولوا على السلطة في غينيا، فرضوا حظر تجول في كل أنحاء البلاد، واستبدلوا حكام المناطق بمسؤولين عسكريين.

وأشارت المجموعة إلى أن “حظر التجول يبدأ اعتبارا من الساعة 20:00 على كامل أنحاء التراب الوطني وحتى إشعار آخر”، لكنهم دعوا الموظفين للحضور إلى العمل يوم الإثنين.

مدرعة تابعة للجيش في ضواحي العاصمة

وحضّ الضباط “جميع الوحدات (العسكرية) في الداخل على التزام الهدوء وتجنب التحركات نحو كوناكري”.

كما قالوا إنهم يريدون “طمأنة المجتمع الوطني والدولي بأن السلامة الجسدية والمعنوية للرئيس السابق ليست بخطر. لقد اتخذنا كل التدابير لضمان حصوله على رعاية صحية“.

ولم يتم الإبلاغ عن سقوط أي ضحية، أمس الأحد، خلال هذه العملية الانقلابية، رغم إطلاق النار الكثيف بالأسلحة الرشاشة الذي سمع صباحا في عاصمة هذا البلد المعتاد على المواجهات السياسية العنيفة. ويبدو أن انتهاء أكثر من 10 سنوات من نظام كوندي أثار مشاهد فرح في مختلف أحياء العاصمة.

62a38af9 1182 4635 8f14 c34b318a8d0c

ومنذ أشهر، تشهد هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والتي تعد بين الأفقر في العالم رغم مواردها المعدنية والمائية الكبرى، أزمة سياسية واقتصادية عميقة تفاقمت جراء كوفيد-19.

وتسبب ترشح كوندي لولاية ثالثة عام 2020 بتوتر استمر لأشهر وخلف عشرات القتلى في بلد معتاد على المواجهات السياسية الدامية، وتم اعتقال عشرات المعارضين قبل وبعد الانتخابات. وبدأ كوندي (83 عاماً) ولايته الثالثة في ديسمبر/ كانون الأول 2020 رغم طعون من منافسه الرئيسي، سيلو دالين ديالو، وثلاثة مرشحين آخرين نددوا “بحشو صناديق” وتجاوزات من كل الأنواع.

ودفع كوندي في اتجاه اعتماد دستور جديد في مارس/ آذار 2020، رغم الاحتجاجات، وقال إنه “يحدث المؤسسات ويعطي” مكانة أكبر للنساء والشباب، ونددت المعارضة آنذاك بـ”انقلاب” دستوري، وتم قمع حركة الاحتجاج بالقوة عدة مرات.

وأصبح كوندي، وهو معارض سابق تاريخياً، عام 2010 أول رئيس ينتخب ديمقراطياً في غينيا بعد عقود من أنظمة سلطوية، ويندد مدافعون عن حقوق الإنسان بنزعة سلطوية سجلت خلال رئاسته على مر السنوات، والتي أدت إلى التشكيك في المكتسبات التي تحققت في بداية عهده.

جدير بالذكر، أنه في 23 ديسمبر 2008، وقع انقلاب عسكري في غينيا، وذلك بعد وقت قصير من وفاة الرئيس السابق لانسانا كونتي، حيث قام النقيب موسى داديس كامارا رئيس المجلس الوطني للديمقراطية والتنمية بالاستيلاء على السلطة، وأعلن أنه يخطط لحكم البلاد لمدة عامين قبل انتخابات رئاسية جديدة.

واستقال كامارا بالفعل بعد انتخاب ألفا كوندي في انتخابات الرئاسة الغينية 2010.

ردود الأفعال الدولية

وفي أول تعليق على الانقلاب العسكري الجديد في غينيا، ندد الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش “بشدة” في تغريدة الأحد بـ”أي استيلاء على السلطة بقوة السلاح” في غينيا. ودعا إلى “الإفراج الفوري عن الرئيس ألفا كوندي”، موضحا أنه يراقب “من كثب” الوضع في هذا البلد.

من جانبها، نددت باريس، مساء أمس الأحد، بـ”محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة” في غينيا، داعية إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس (ألفا) كوندي”، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية.

وجاء في البيان أن باريس “تنضم إلى دعوة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لإدانة محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة” الأحد و”للمطالبة بالعودة إلى النظام الدستوري”.

كما دانت الولايات المتحدة الأحداث التي وقعت، أمس الأحد، في العاصمة الغينية كوناكري، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إن العنف وأي إجراءات خارجة عن الدستور لن تؤدي إلا إلى تراجع فرص غينيا في السلام والاستقرار والازدهار.

بدوره، أدان الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي فيليكس تشيسكيدي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد أي استيلاء على السلطة بالقوة، ودعا تشيسكيدي وفقي في بيان صحفي، أمس الأحد، إلى الإفراج الفوري عن رئيس غينيا كوناكري ألفا كوندي.

ودعا رئيس الاتحاد الأفريقي، ورئيس مفوضية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، للاجتماع بشكل عاجل لبحث الوضع الجديد في غينيا كوناكري، واتخاذ الإجراءات المناسبة.

كما دعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، أمس الأحد، المجلس العسكري في غينيا إلى الإفراج فورًا عن الرئيس ألفا كوندي، ولوحت بفرض عقوبات.

أفريقيًا أيضًا، ولكن على الصعيد الرياضي، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، أمس الأحد، بشكل رسمي، تأجيل مباراة المنتخب المغربي مع مضيفه الغيني، والتي كان مقررًا لها، اليوم الإثنين، على ملعب “لانسانا كونتي” بالعاصمة كوناكري، ضمن مواجهات الجولة الثانية من المجموعة التاسعة لتصفيات أفريقيا المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2022.

وذكر الفيفا في بيان رسمي أن “الوضع السياسي والأمني الحالي في غينيا متقلب للغاية ويتم مراقبته عن كثب من قبل الفيفا والكاف”، بحسب ما أورده عبر موقعه الرسمي.

وأضاف بيان الفيفا: “لضمان سلامة وأمن جميع اللاعبين وحماية حكام ومسؤولي المباراة، قرر الفيفا والكاف تأجيل مباراة غينيا ضد المغرب المؤهلة لكأس العالم 2022، والتي كان من المقرر استضافتها في كوناكري، غينيا، يوم الإثنين 6 سبتمبر الجاري”.

واختتم بيان الاتحاد الدولي لكرة القدم: “سيتم توفير معلومات حول الموعد الجديد للمباراة في وقت لاحق”.

ربما يعجبك أيضا