بسبب سياسة إيران.. الكاظمي يسعى للحد من اعتماد العراق على غاز وكهرباء إيران

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

يعتمد العراق خلال ما يزيد على عقدٍ ونصف العقد على إيران مورّداً رئيسياً للطاقة التي تبيعه إياها بأسعار باهظة تفوق متوسط السعر العالمي، فيما يواجه المسؤولون العراقيون انتقادات لاذعة في البلد الغني بالنفط لكنّ مواطنيه يعانون أزمة انقطاع التيار الكهربائي على نحو متكرر.

ويستورد العراق الغاز الإيراني بسعر 11.23 دولاراً لكل ألف قدم مكعّبة، وهو سعر مرتفع مقارنة بالأسعار العالمية.

وعلى مدار أعوام تواجه الحكومات العراقية المتعاقبة انتقادات بسبب سوء إدارتها موارد الطاقة بالبلاد. فمع حَرق أكثر من نصف الغاز الطبيعي العراقي، اضطرت بغداد حتى وقت قريب إلى تعويض ذلك باستيراد نحو 49 مليون متر مكعب من الغاز يومياً من طهران.

تصدّر طهران نحو ​​1.2 جيجاوات من الكهرباء إلى بغداد، ويعادل هذا الرقم 7% تقريباً من إجمالي احتياجات العراق من الكهرباء البالغة 18.4 جيجاوات. وتحل مساهمة إيران في المرتبة الأولى بين الدول المساهمة في شبكة الكهرباء العراقية، وتكون في شكل صادرات غاز طبيعي.

ووسط الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي استمرّ لسنوات في العراق نظراً لتردّي البنية التحتيّة المتعلّقة باستثمار الغاز الطبيعي في محطات توليد الكهرباء، قررّت وزارة الطاقة الإيرانية، في وقت لاحق الأسبوع الماضي، خفض إمدادات الغاز إلى العراق بالمنطقتين الوسطى والجنوبية من 49 مليوناً إلى 8 ملايين متر مكعّب يومياً.

وفي هذا الصدد قالت الشركة الوطنية الإيرانية للغاز، إن خفض تصدير الغاز إلى العراق يأتي بعد الاتفاق مع الطرف العراقي وسوف يستمر لمدة ستة أشهر.

وأوضحت الشركة  الإيرانية: “الأمر لا علاقة له بديون العراق لإيران، وتم إبلاغ الموضوع للعراق قبل أسبوعين”.

الحاجة لتنويع المصادر

يرى مراقبون أن الإصرار العراقي على استيراد النفط الإيراني كان سببه وزير النفط العراقي السابق جبّار اللعيبي وبعض الأحزاب السياسية المقرّبة من طهران، رغم معارضة كبار المختصّين والمهندسين بوزارة النفط العراقية، لتعود على الإيرانيين عوائد مالية تقدّر بنحو 3.5 مليارات دولار سنوياً من تصدير النفط إلى العراق.

وفي إطار جهود الولايات المتحدة الرامية لتقويض النفوذ الإيراني، عرضت السعودية عام 2018 على العراق التعاون حول تزويده بالكهرباء، وتعرّضت بغداد إلى العديد من الضغوط الأمريكية لدفعها إلى التوجّه نحو جيرانها العرب لتنويع إمداداتها للطاقة.

الاتفاق مع توتال

وقعت الحكومة العراقية، اتفاقاً ضخماً مع شركة توتال الفرنسية، ضمن مشروع كبير، لاستثمار الغاز المصاحب للنفط، في الحقول الجنوبية، فضلاً عن تعزيز مسار مشروعات الطاقة النظيفة، بعد توقيع عقد مع شركة “مصدر” الإماراتية.

ويعكس الاتفاق مع “توتال” الفرنسية، تغيّراً في مقاربة بغداد تجاه تعاونها في مجال الطاقة مع إيران، وأنها قد تبدأ أخيراً في الابتعاد عن الدوران في فلك الطاقة الإيراني.

وذكر بيان لمجلس الوزراء، الأحد الماضي، إنه “جرى وبرعاية رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، مراسم التوقيع بالحروف الأولى، على مظلة الاتفاق لمشاريع الاستثمار الأمثل للغاز المصاحب وتطوير الحقول النفطية، والمتضمن 3 عقود بين وزارة النفط العراقية وشركة توتال الفرنسية، والعقد الرابع مشروع الطاقة الشمسية بين وزارة الكهرباء وشركة توتال الفرنسية”.

ويهدف الاتفاق بحسب البيان إلى “تحقيق الاستثمار الأمثل لثروات العراق، من الاحتياطي النفط والغازي والثروة المائية، وتأمين درجة عالية من الاستقرار للطاقة الكهربائية، فضلاً عن رفع الطاقة الإنتاجية للنفط”.

ويتضمن المشروع الأول “تطوير حقل أرطاوي النفطي، البالغ إنتاجه المتاح 85 ألف برميل يومياً، إلى إنتاج ذروة يصل إلى 210 آلاف برميل يومياً، وإدخال التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الملاكات العراقية، وتوفير فرص عمل للمواطنين العراقيين”.

ويتضمن المشروع الثاني، “إنشاء مجمع غاز أرطاوي بسعة 600 مليون قدم مربع قياسي (مقمق)؛ لغرض استثمار الغاز المحروق من حقول النفط، ما يؤدي إلى تقليل استيراد الغاز من دول الجوار، وإنتاج كمية مكثفات تقدر بـ12000 برميل يومياً، وإنتاج كمية من الغاز المسال LPG تقدر بـ3000 طن يومياً للسوق المحلية، فضلاً عن إدخال التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الملاكات العراقية، وتوفير فرص عمل للمواطنين”.

أما المشروع الثالث، – بحسب البيان – فقد “تضمن تجهيز ماء البحر المشترك، وذلك باستثناء جزء من شبكة الأنابيب بطاقة 5 ملايين برميل ماء يومياً، المحطة المعالجة وبطاقة تصميمية قدرها 7.5 مليون برميل ماء يومياً، بالإضافة إلى إدخال التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الملاكات العراقية، وتوفير فرص العمل”.

ويتضمن المشروع الرابع “إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية تعتمد على الطاقة الشمسية، لإنتاج طاقة كهربائية بكلفة أقل من 45 بالمئة من كلفة إنتاج الطاقة من المحطات الطاقة الحالية، وبقدرة إنتاج إجمالية تصل إلى 1000 میجاوات”.

ولفت البيان إلى أن “القيمة الإجمالية للمشاريع الأربعة تبلغ 27 مليار دولار، فيما يصل العائد الإجمالي من الأرباح خلال مدة العقد إلى 95 مليار دولار، باحتساب سعر البرميل 50 دولاراً”.

  وفي يونيو الماضي، وقعت وزارة النفط العراقية أضخم عقد لإنتاج الطاقة النظيفة، مع شركة مصدر الإماراتية، بهدف إنتاج 2000 ميجاوات من الطاقة، في وسط وجنوب البلاد.

ومع النقص الحاصل في ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية في العراق، تبرز مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقوة في ملف إنتاج الكهرباء، خاصة أن الحكومة أنفقت نحو 80 مليار دولار على الكهرباء منذ تغيير النظام السابق، دون أن تتمكن من إنهاء الأزمة التي تصل ذروتها في الصيف.

ناقوس خطر لإيران

وصفت صحيفة “توسعه إيراني” صفقة العراق مع شركة “توتال” الفرنسية بأنها ناقوس خطر للاقتصاد الإيراني.

وكتبت الصحيفة أن العراق يبدو أنه يبحث عن الاكتفاء وعدم الحاجة للسوق الإيرانية. فبالإضافة إلى العقد مع شركة توتال، تم توقيع عقد آخر مع الصين لتزويده بالكهرباء المطلوبة من خلال إنشاء محطات للطاقة الشمسية، مشيرة إلى أنه بهذه الطريقة سيلبي العراق حاجته من الغاز والكهرباء ولن يعود بحاجة إلى إيران.

وأوضحت الصحيفة أن هذا ليس كل شيء، حيث تتجاوز السكك الحديدية العراقية التركية طريق العبور الإيراني. وفي العام الماضي، وسعت إيران خط سكة الحديد الخاص بها إلى حدود كرمانشاه، لكن العراق لم يربط خط سكة الحديد بإيران وبدلًا من ذلك ربطه بتركيا، ويريد استخدام موقعه الجغرافي لربط آسيا بأوروبا.

ووفقًا لتقرير “توسعه إيراني”، يقوم العراق حتى باستبدال الصلب والإسمنت التركي بالإيراني، وفرض رسوم جمركية على المنتجات الزراعية والغذائية الإيرانية أكثر من تركيا. كل هذه الأعمال هي سلسلة من الأعمال التي يتخذها العراق بهدف الاكتفاء وعدم الحاجة لإيران.

كما قالت صحيفة “دنياي اقتصاد” الإيرانية، إن فرنسا، التي تسعى لتوسيع نفوذها في العراق، حققت صفقة بقيمة 27 مليار دولار بدعم الولايات المتحدة، ويشاع أن الولايات المتحدة، من خلال دعمها لشركة “توتال” في العراق، تسعى لتعويض خروجها بسبب العقوبات المفروضة على إيران.

وكان اعتماد العراق على الغاز والكهرباء على إيران من جهة، وافتقار البلاد إلى توليد الكهرباء من جهة أخرى، من العوامل الرئيسية للاستثمار الأجنبي في العراق.

وأشارت الصحيفة إلي أنه في بعض الأحيان، أدى انقطاع الغاز والكهرباء من حين لآخر من قبل إيران، بسبب ديون الحكومة العراقية، وكذلك مشكلة نقص الغاز والكهرباء في إيران، إلى استياء شعبي في العراق من الحكومة.

والآن وبعد أن لم تبذل إيران جهودًا مثمرة في السنوات الأخيرة لجذب استثمارات أجنبية ضخمة وتطوير بنيتها التحتية للطاقة، يسعى العراق إلى دور جديد في سوق الطاقة وحتى المعادلات الجيوسياسية الإقليمية من خلال اللجوء إلى الدول العربية والصين وروسيا وفرنسا.

ويدين العراق لإيران بمبلغ كبير قدره 6 مليارات دولار ثمنا للغاز والكهرباء، وهو غير قادر على السداد لطهران بسبب العقوبات.

 وأوضحت الصحيفة أنه في مثل هذه الحالة، يبدو أن الكاظمي يفضل التركيز على جمع الغازات المرتبطة بالنفط بدعم من شركائه العرب والغربيين، من أجل تقليل اعتماد العراق على إيران.

وترى الصحيفة أن قطع اعتماد بغداد على الغاز الإيراني له جانب آخر، وهو الخسارة المحتملة لأكثر الأسواق الاستراتيجية في المنطقة بالنسبة لإيران، وهي السوق العراقية، من حيث القيمة الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة بالنسبة لإيران، وقد يؤدي فقدان مثل هذه السوق إلى توسيع الفجوة بين بغداد وطهران.

ربما يعجبك أيضا