في سوق الأسهم الأمريكية.. عام المكاسب القياسية قد ينتهي بانهيار عنيف

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

دفعت مخاوف تباطؤ وتيرة تعافي الاقتصاد الأمريكي بفعل انتشار متحورات كورونا، الكثير من محللي “وول ستريت” إلى إطلاق صافرات الإنذار محذرين من احتمالات دخول مؤشرات الأسهم الأمريكية إلى منحنى هبوطي خلال الشهر الجاري بعد أن سجلت على مدار السبعة أشهر الماضية أطول سلسلة ارتفاعات منذ 2018.

عمالقة “وول ستريت” يحذرون

في ختام تعاملات أمس الأربعاء، تراجعت مؤشرات سوق الأسهم الأمريكية بشكل جماعي، ليغلق مؤشر داو جونز الصناعي عند مستوى ‏‏‎35031.07‎‏ ‏‏نقطة متراجعا بنسبة 0.2%، فيما ‏تراجع ستاندرد أند بورز 500 بنحو‏‎0.13 ‎‏% ‏ليسجل‏‎4514.07 ‎‏ ‏نقطة، وهبط “ناسداك” بنسبة 0.6% ‏‎إلى ‏‎15286.64‎‏ نقطة، إلا أن جميع المؤشرات ما زالت عند مستويات قياسية مقارنة بما كانت عليه في قلب جائحة كورونا بمارس 2020، فعلى سبيل المثال كان مؤشر “داو جونز” وقتها يتحرك عند مستويات 19173.98 نقطة “الأسوأ منذ أكتوبر 2008”.

يرى بعض محللي “وول ستريت” أن هذا الانخفاض مجرد بداية بسيطة لموجة تصحيح قد تكون عنيفة ستشهدها السوق خلال الفترة المقبلة، محللو “بنك أوف أمريكا” قالوا أمس في مذكرة: من المتوقع أن تتراجع مؤشرات الأسهم الأمريكية بحلول نهاية العام الجاري، وسط ارتفاع التكاليف والتي قد تضغط على هوامش الربح.

وأضافت المذكرة: أن مستهدف مؤشر “أس آند بي 500” – الذي يضم أكبر 500 شركة بالسوق الأمريكية ويعد انعكاسا لأداء الاقتصاد المحلي- في نهاية العام الجاري يبلغ 4250 نقطة، وهذا أعلى من الهدف السابق للبنك عند 3800 نقطة، لكنه ما يزال أقل 6% من إغلاق المؤشر حاليا.

كما توقع البنك أن تتعافى مؤشرات السوق بنهاية 2022 وتبدأ في تسجيل ارتفاعات جيدة، فعلى سبيل المثال تتوقع سافيتا سوبرامانيان، كبيرة المحللين الاستراتيجيين للكميات والأسهم لدى البنك، أن يصل “أس آند بي 500” بنهاية العام المقبل إلى مستويات 4600 نقطة، ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 2% فقط من المستويات الحالية.

هذا الأسبوع أيضا، قلص “مورجان ستانلي” الوزن النسبي للأسهم الأمريكية إلى الأسهم العالمية المتدنية إلى وزن متساوٍ، مشيراً إلى مخاطر كبيرة تهدد نمو الأسهم حتى أكتوبر المقبل.

يوم الثلاثاء الماضي، قالت مجموعة “كريديه سويس غروب” أيضا، إنها تحتفظ بتخفيض ضئيل في الأسهم الأمريكية لأسباب مثل التقييمات المرتفعة والمخاطر التنظيمية.

العضو المنتدب لاستراتيجية المحفظة وتخصيص الأصول في “جولدمان ساكس” كريستيان مولر جليسمان قال، أمس الأربعاء، إن  التقييمات المرتفعة للأسهم أدت إلى زيادة هشاشة السوق، ما يجعل من السهل تأثرها بأي تطور سلبي جديد خلال الفترة المقبلة، أي أننا قد نشهد صدمات نمو.  

الخبراء الاستراتيجيون في “سيتي غروب” حذروا في مذكرة صدرت أمس الأربعاء، من أنه حتى التصحيح البسيط – الذي قد يبدأ هذا الشهر- أي التراجعات البسيطة للأسهم – كونها مرتفعة بمستويات تفوق تقييمها الحقيقي- يمكن تضخيمه من خلال التصفية القسرية لمراكز الشراء الهامشي المفتوحة حاليا، كون هذه التصفية من شأنها تشكيل ضغط بيعي قادر على الهبوط بالمؤشرات بقسوة.

محللو “باركليز” كان لهم رأي مخالف، إذ أقدموا هذا الشهر على رفع تقديراتهم لمستهدفات مؤشرات السوق الأمريكية، حيث رفعوا مستهدف إغلاق “إس آند بي 500” من 4400 نقطة – في تقييم سابق لهم- إلى 4600 نقطة، وقالوا، الثلاثاء الماضي: المؤشر ارتفع منذ بداية العام بنسبة 20%، ومن المتوقع أن تعزز الأرباح القوية للشركات خلال الربع الثاني أداء السوق خلال الفترة المقبلة.   

مخاوف تضغط على حركة الأسهم

تقول سافيتا سوبرامانيان -في مذكرة “بنك أوف أمريكا” المشار إليها سلفا- في الأسابيع الأخيرة بدأ نمو الاقتصاد الأمريكي يتراجع قليلا فيما يواصل التضخم ارتفاعه فوق الـ5%، أضف إلى ذلك مخاوف متحور دلتا من كورونا التي تلقي بثقلها على معنويات المستثمرين، كل هذه العوامل تزيد من التشاؤم وتدعو إلى توخي الحذر للمضي قدمًا فيما يتعلق بتوقعات استمرار موجة الصعود التي تشهدها سوق الأسهم منذ بداية العام.

وتضيف كل هذه العوامل قد لا تنتهي الآن هناك الكثير من الضبابية في أفق الاقتصاد، وبالنسبة للأسهم فغالبيتها ارتفعت بأضعاف  قيمتها مدفوعة بموجة التفاؤل التي عززتها إعادة فتح الاقتصاد وتراجع الإصابات في بداية العام أم الآن فالصورة تتغير، لذا يشير نموذج التقييم طويل الأجل الخاص بنا إلى عوائد سلبية لمؤشر “أس آند بي 500” على مدار العقد المقبل (–0.8٪ عوائد سنوية) لأول مرة منذ فقاعة التكنولوجيا “1995 -2000”.

نما الاقتصاد الأمريكي بوتيرة أسرع من التوقعات خلال الربع الثاني من العام الجاري مسجلا 6.5% زيادة على أساس سنوي، مدفوعا ببرامج التحفيز المالي الضخمة وحملة التطعيمات الوطنية ضد كورونا، لكن أمريكا الآن تواجه هجمة شرسة من متحور دلتا رفعت المعدل اليومي للإصابات الجديدة إلى أكثر من 100 ألف حالة، ما يهدد وتيرة النمو بالتراجع.

خبراء “جولدمان ساكس جروب” خفضوا هذا الشهر، توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأمريكي خلال العام الحالي إلى 5.7 % نزولا من 6% خلال توقعات الشهر الماضي.

وأفاد البنك بأنه من المحتمل أن يقل إنفاق المستهلكين الأمريكيين في ظل تفشي السلالة دلتا، ويتلاشى تأثير المساعدات الحكومية مع انتهاء برنامج معونات البطالة خلال الأيام المقبلة، ويتحول الطلب الاستهلاكي من السلع إلى الخدمات، ما سيضغط على أداء السوق، فضلا عن تأثر غالبية القطاعات بأزمة تعطل سلاسل التوريد وما لها من انعكاسات على هامش ربح الشركات.

يمكنا القول أن أهم المخاطر التي تهدد أداء الأسهم خلال الأشهر الأخير من 2021 هي:

-تباطؤ نمو الاقتصاد، فعلى سبيل المثال تتوقع مجموعة “مورجان ستانلي” انخفاض نمو الناتج المحلي إلى مستوى 2.9% خلال الربع الثالث.

-ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.

-تداعيات أزمة تعطل سلاسل التوريد وزيادة التكاليف وزيادة الأجور بما يهدد هوامش ربح الشركات.

– انخفاضا معنويات المستهلكين في أمريكا إلى أدنى مستوى لها منذ ما يقارب عقد من الزمان، بفعل مخاوف “دلتا”.

-سعي إدارة بايدن لفرض ضرائب أعلى على الشركات الكبرى.

إشارة بنك الاحتياطي الفيدرالي في أغسطس إلى أنه قد يبدأ في تقليص مشترياته من الأصول بنهاية سبتمبر الجاري، ما يعني أن الاقتصاد سيفقد تدريجيا زخم التحفيز المالي الذي أعقب الجائحة، هذا على الرغم من أنه ما زال تحت رحمة تداعيات “كورونا”.

الصورة ليست قاتمة بالكامل داخل سوق الأسهم الأمريكية، صحيح قد تشهد موجة تصحيح اعتبارا من الشهر الحالي وحتى نهاية العام، إلا أن هناك بعض القطاعات ستواصل أسهمها الارتفاع أو على الأقل لن تتعرض لهزات كبرى كقطاعي “الطاقة” و”الخدمات المالية”، كما أن أسهم الشركات الصغيرة ستكون مثالية خلال هذه الفترة ومن المتوقع أن تتفوق في الأداء على الشركات الكبرى، إلى ذلك قد لا يقدم المركزي الأمريكي على تخفيض برنامج لشراء الأصول في ظل تفشي متحور دلتا واستمرار هشاشة سوق العمل الأمريكية فخلال أغسطس أضافت وظائف أقل كثيرا من المتوقع، ما شكل ضربة لآمال التعافي وخطط بايدن لإنعاش الاقتصاد.

أسهم

ربما يعجبك أيضا