ألمانيا.. انتكاسة كبيرة في غسيل الأموال في أعقاب فضيحة «وايركارد» !

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تشهد ألمانيا، تراجعا كبيرا في قضية غسيل الأموال، فبعد أن تم الكشف عن تورط شبكات الجريمة المنظمة والجماعات المتطرفة بعمليات غسيل أموال من داخل ألمانيا، اليوم، تكشف فضيحة “وايركارد الألمانية” تورط وزارة المالية، وهيئة الرقابة المالية “بافين” وسلطات أخرى في قضية وايركارد الألمانية المفلسة، وهذا ما يضع سمعة ألمانيا المالية  وفي غسيل الأموال على المحك.

داهم مدعون ألمان مقر وزارتي المالية والعدل، يوم أمس 09 سبتمبر 2021 في إطار تحقيق في احتمال تورط الوكالة الحكومية لمكافحة غسل الأموال في محاولات لعرقلة سير العدالة. وينظر التحقيق فيما إذا كانت وحدة المخابرات المالية تقاعست عن التحرك بعد تحذيرات من البنوك بخصوص احتمال وقوع جرائم غسل أموال. وتتبع الوكالة وزارة المالية تحت قيادة مرشح المستشارية عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس.  تأتي المداهمات في توقيت حساس لشولتس الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أن لديه فرصة جيدة ليصبح مستشارا لألمانيا في الانتخابات العامة في 26 سبتمبر2021 .وطالبت المعارضة الألمانية في البرلمان، حكومة المستشارة أنغيلا ميركل بتوضيح فضيحة الميزانية الخاصة بشركة “وايركارد” لخدمات الدفع، وهددت بمحاولة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق.

شركة وايركارد

كانت شركة “وايركارد” قد بدأت إجراءات إشهار إفلاسها نهاية نهاية شهر يونيو 2020 بعد تفجر فضيحة اختفاء حوالي 1.9 مليار يورو (2.1 مليار دولار) من أرصدتها، ثم اعترفت الشركة لاحقا بأنه من المرجح للغاية أن تكون هذه المبالغ التي قيدتها في حسابات الضمان، لا وجود أصلاً لها. وكانت واير كارد تقدمت بطلب لإشهار إفلاسها نهاية يونيو 2020 بعد تفجر فضيحة اختفاء حوالي 1.9مليار يورو (2.1 مليار دولار) من أرصدتها، وفي تطور لاحق، اعترفت الشركة بعد ذلك بأنه من المرجح للغاية أن تكون الـ9.1 مليار يورو التي قيدتها في حسابات الضمان، لا وجود لها.

ويمكن اعتبار فضيحة وايركارد الألمانية واحدة من أكبر الفضائح اقتصادية في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. عندما فقد آلاف المستثمرين أموالهم في انهيار وايركارد. بينما المضاربون المختصون بشراء أسهم الشركات المنهارة افترضوا وجود احتيال منذ سنوات، وحققوا أرباحًا هائلة.

افترض مضاربو الشركات المنهارة حول العالم قبل سنوات حصول عمليات غش في وايركارد، وأن عمليات الاحتيال سوف يتم الكشف عنها. وأقدموا على مخاطرات مالية عالية وتعرضوا أحياناً لهجمات عنيفة من قبل وايركارد والسلطات الألمانية.

تورط وزارة المالية ـ هيئة الرقابة المالية “بافين”

انتقدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بشكل غير مباشر عمل هيئة الرقابة المالية “بافين” وسلطات أخرى في قضية وايركارد الألمانية المفلسة لخدمات الدفع. وقالت ميركل في 23 أبريل 2021 أمام لجنة التحقيق في البرلمان الألماني إن وضع “الجانب الرقابي الألماني بأكمله” ليس جيداً بالقدر الكافي من الناحية الموضوعية، وأضافت: “هذا واضح للغاية”.  وبجانب هيئة الرقابة المالية الألمانية تواجه أيضاً هيئة التدقيق الاقتصادي “آباس” انتقادات في قضية “وايركارد”. وقالت ميركل إن المسار الذي تم تحديده الآن فيما يتعلق بالمسؤولين أظهر أنه تم التوصل إلى “الاستنتاجات الصحيحة”.

وفي سياق التطورات السريعة اضطرت قيادات “بافين” إلى إخلاء مناصبها، ومهدت الحكومة الألمانية أيضاً الطريق لتطبيق إصلاحات، لاستخلاص الدروس المستفادة من فضيحة “وايركارد” وتعزيز هيئة الرقابة المالية. وقالت ميركل إن قضية وايركارد بمثابة انتكاسة لسمعة ألمانيا كمركز مالي، مؤكدة ضرورة استعادة الثقة وتحديث السلطات الرقابية في ضوء التقدم الرقمي السريع.

وكشف تقرير صحفي في 18 سبتمبر 2020 أن ديوان المستشارية الألماني عمل قبل سنة من هذا التاريخ على دعم “وايركارد” التي أشهرت إفلاسها حاليا في أعقاب فضيحة الاحتيال في موازنتها. وبحسب تقرير لوزارة المالية، فإن وزير المالية أولاف شولتس، كان على علم منذ فبراير 2019، بوجود اشتباه لدى هيئة الرقابة المالية (بافين) في وجود مخالفات في شركة “وايركارد”.

الحكومة الألمانية تقف وراء “وايركارد”

وقال فلوريان تونكار، المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) المعارض، للشؤون المالية، إن ” الحكومة الألمانية تقف وراء وايركارد رغم الاتهامات  الخطيرة والتحقيقات الراهنة”. وأضاف: “ما بدأ على أنه فضيحة في الميزانية، وصل إلى قلب الحكومة”، محذرا من أنه في حال لم تعط الحكومة توضيحا، فإن الأمورستقترب من تشكيل لجنة لتقصي الحقائق.

وجه وزير المالية الألماني أولاف شولتس الشكر إلى الصحفي دان ماكرام الذي كشف عن فضيحة التلاعب في ميزانية شركة وايركارد الألمانية لخدمات الدفع .وقال نائب المستشارة أنغيلا ميركل إن ماكرام كشف بتحقيقاته المستمرة لصالح صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية الممارسات التجارية المريبة للشركة المفلسة.

قررت الحكومة الألمانية يوم 14 أكتوبر 2020 تسهيل الملاحقات الجنائية لجرائم غسيل الأموال. وذكر مجلس الوزراء أنه من حيث المبدأ سيُجرى في المستقبل المعاقبة على إخفاء الأرباح المتحصل عليها من جرائم، بغض النظر عن الجريمة التي تم من خلالها الحصول على الأصول. وحتى الآن، لا يمكن مقاضاة أفراد في جرائم غسل أموال إلا إذا كانت هذه الأموال مُتحصل عليها من جرائم  معينة مثل الإتجار بالمخدرات والإتجار بالبشر أو الابتزاز لحصول الإتاوات.

ارتفع عدد حالات غسل الأموال وتمويل الإرهاب المشتبه بها بشكل حاد العام 2019، وفقًا للتقرير السنوي لوحدة الاستخبارات الفيدرالية (FIU) في العام الذي أعقب إنشاء الوحدة الفيدرالية لمكافحة غسل الأموال ، إلى 114.914 حالة مشتبه بها في غضون عام – وهو رقم قياسي جديد وزيادة بنسبة 50 بالمائة مقارنة بالعام السابق.

النتائج

ـ يُنظر إلى ألمانيا على أنها جنة غسيل الأموال. نتيجة لذلك ، في 18 مارس 2021 ، أدخلت الحكومة الألمانية القسم الجديد 261 من القانون الجنائي (StGB) – جريمة غسل الأموال.

تشير التقديرات إلى أن حجم غسيل الأموال في ألمانيا يصل إلى 100 مليار يورو سنويًا. فقط حوالي 1٪ من هذه الأنشطة تصبح معروفة للسلطات المسؤولة ويتم ملاحقتها قضائياً  وفقا لتقرير استقصائي نشره موقع “Linklaters ” السادر في اللغة الإنجليزية يوم 26 فبراير 2021.

ـ كانت هناك مؤشرات متكررة منذ فترة طويلة على أن العصابات الإجرامية تستخدم سوق العقارات لغسيل الأموال . قبل بضع سنوات ، دعت منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد ألمانيا إلى تشديد قوانينها بعد اكتشاف أنه في عام 2017 وحده، تم تحويل 30 مليار يورو من الأموال غير المشروعة إلى العقارات الألمانية عبر ثغرات قانونية.

ـ  إن اكتشاف عمليات غسيل أموال بهذا الحجم داخل ألمانيا، يعتبر انتكاسة كبيرة لسمعة ألمانيا، وتؤثر على تعاملاتها الاقتصادي في الأسواق عالميًا.

ـ إن توقيت اكتشاف أو الإعلان عن فضيحة  مؤسسة ” وايركارد ” الألمانية جاءت بوقت قريب جدا من موعد الانتخابات العامة الألمانية المقررة يوم 26 سبتمبر 2021، وهذا يعني مفاجأة إلى المرشح الاشتراكي شولتس ـ وزير المالية، والذي يتمتع بحظ جيد للوصول إلى المستشارية، هذه الفضيحة تعير موازين الأصوات أكيد في صناديق الاقتراع عند الناخب الألماني.

ـ إن اتخاذ ألمانيا ملاذا ضريبيًا ومكانًا لغسيل الأموال، سوف يفتح شهية الجريمة المنظمة، والجماعات المتطرفة، لانطلاق عملياتها في غسيل الأموال من ألمانيا من أجل التمويل.

ـ ومن المتوقع أن تؤدي الإصلاحات إلى زيادة كبيرة في عدد قضايا غسيل الأموال ومع ذلك ، لم تتم مقاضاة العديد من قضايا غسيل الأموال بشكل فعال حتى الآن، وغالبًا ما تم إسقاط الإجراءات ذات الصلة. على هذه الخلفية، يبقى أن نرى كيف ستتعامل ممارسات إنفاذ القانون مع الزيادة الكبيرة المتوقعة في عدد قضايا غسيل الأموال في المستقبل وما إذا كان هذا سيؤدي في الواقع إلى مقاضاة أكثر فعالية لغسيل الأموال. 

ربما يعجبك أيضا