أزمات دولية عنوانها «الشق العسكري».. منعطفات سلبية للدبلوماسية الفرنسية!

حسام السبكي

حسام السبكي

شهدت الدبلوماسية الفرنسية، خلال الأيام القليلة الماضية، حالة مما يمكن وصفها بـ”الانتكاسة”، وذلك على وقع أزمات دولية متتالية، بلغ صداها وفق مسؤولين فرنسيين، تهديد الوضع القائم داخل حلف شمال الأطلسي “الناتو” منذ عقود، عنوانه العريض، يمكن في صفقات عسكرية لم يُكتب لها النجاح، إثر تدخل “تقني” أمريكي على مستوى الآليات والمعدات، لا يُخفى معه النفوذ السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة أيضًا، مما يوسع دائرة الخلاف، الذي قد يدخل إلى أروقة الأمم المتحدة خلال الساعات المقبلة، مالم تتمكن القيادة السياسية العليا من احتوائه في القريب العاجل!.

أزمة الغواصات

698149a8 9c29 4df8 9a68 1651d30c298c

من أقصى جنوب المعمورة، بدأت أولى الأزمات الدبلوماسية الفرنسية، وذلك بعد رفض أستراليا إتمام صفقة شراء غواصات فرنسية تعمل بالطاقة النووية نظرًا إلى أنها تحتاج للشحن، بخلاف الأمريكية، ما يجعل الأخيرة مناسبة أكثر لأستراليا غير النووية، بحسب وزير الدفاع الأسترالي “بيتر دوتون”.

وفي وقت يستبعد أن يتم تشغيل أسطول أستراليا الجديد للغواصات قبل عقود، أشار دوتون إلى أن بلاده قد تفكر في هذه الأثناء في استئجار أو شراء غواصات متوفرة حاليا من الولايات المتحدة أو بريطانيا.

وستشتري أستراليا الغواصات النووية في إطار تحالف دفاعي جديد مع الولايات المتحدة وبريطانيا تم الإعلان عنه الأربعاء وجاء ضمن اتفاق اعتبر محاولة لمواجهة صعود الصين.

وكان وزير الدفاع الأسترالي بيتر دوتون قد اعتبر في وقت سابق أن حكومته كانت “صريحة وواضحة وصادقة” مع فرنسا بشأن ترددها حيال الصفقة، التي تجاوزت قيمتا الميزانية وستتأخر لسنوات عن الجدول الزمني المقرر.

وذكر دوتون بأنه يدرك أن “فرنسا ممتعضة” لكنه أضاف أن “الإشارات التي تتحدث عن عدم إبلاغ الحكومة الأسترالية الجانب الفرنسي بمخاوفها تتعارض، بكل صراحة، مع السجلات العامة وبكل تأكيد ما قيل علنا على مدى فترة طويلة“.

وأضاف: “كانت لدى الحكومة هذه المخاوف وأعربنا عنها ونريد العمل عن قرب بدرجة كبيرة مع الفرنسيين وسنواصل القيام بذلك مستقبلا”.

وأفاد الوزير أنه عبر شخصيا عن هذه المخاوف لنظيرته الفرنسية فلورانس بارلي وأكد على “ضرورة أن تتحرك أستراليا بناء على مصلحتنا الوطنية”.

من جانبه، برر رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، أمس الأحد، قرار حكومته بإلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا بـ”وجود مخاوف جدية وعميقة راودتنا بأن الإمكانيات التي تملكها غواصات من فئة أتاك الفرنسية لن تتوافق مع مصالحنا الاستراتيجية”، ولفت إلى أنه أثار مسألة وجود مشاكل في الاتفاق “قبل أشهر”.

على الجانب المقابل، اتهمت فرنسا يوم الخميس الماضي أستراليا بـ”طعنها في الظهر”، كما اتهمت الولايات المتحدة بمواصلة السلوك الذي انتهجته خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

 وفي اليوم التالي، قررت فرنسا استدعاء سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا للتشاور، في قرار غير مسبوق تجاه حليفين تاريخيين، عقب إلغاء كانبرا عقدا ضخما مع باريس لشراء غواصات وإبرامها آخَر جديدا مع واشنطن للغرض نفسه.

وفي تلميح خطير إلى مستقبل حلف شمال الأطلسي “الناتو”، رأى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن الأزمة الراهنة ستؤثر على تحديد المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف شمال الأطلسي، ولكن من دون أن يشير إلى إمكان الخروج من الحلف.

وقال “لقد باشر الحلف البحث في مبادئه الأساسية بناء على طلب رئيس الجمهورية. والقمة المقبلة للحلف في مدريد ستفضي إلى مفهوم استراتيجي جديد. بالتأكيد إن ما جرى للتو سيؤثر على هذا التحديد”.

وتدارك “ولكن في الوقت نفسه، على أوروبا أن يكون لها بوصلتها الاستراتيجية، وسيكون ذلك تحت مسؤولية فرنسا في النصف الاول من 2022″، في إشارة إلى الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي اعتبارا من الأول من يناير المقبل.

واعتبر أنه بعد الانسحاب المتسرع للأمريكيين من أفغانستان، من دون التشاور مع الحلفاء، وبعد ملف الغواصات، “إذا أراد الأوروبيون أن يبقوا حاضرين في التاريخ فعليهم أن يتوحدوا ويدافعوا معا عن مصالحهم، عندها سيكون مصيرهم مختلفا تماما”. 

في غضون ذلك، أعلنت أستراليا أنها تأسف لقرار فرنسا استدعاء سفيرها في كانبرا لكنها أكدت أنها تثمن علاقتها مع فرنسا وستستمر في التواصل مع باريس بشأن قضايا كثيرة أخرى.

في السياق ذاته، أعربت واشنطن عن تفهمها لموقف فرنسا من استدعاء سفيرها في واشنطن وكانبرا، آملة في أن تتمكن من إثارة خلافها مع فرنسا “الأسبوع الجاري” في الأمم المتحدة، وسيكون وزيرا الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والفرنسي جان إيف لودريان في نيويورك لحضور الاجتماع السنوي للأمم المتحدة.

وعلى خلفية أزمة الغواصات أيضًا، دخلت بريطانيا على الخط، إذ ألغت فرنسا اجتماعا كان مقررا هذا الأسبوع بين وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، ونظيرها البريطاني بين والاس، وفق ما أفاد مصدر مقرب من الوزارة الفرنسية، أمس الأحد، “وكالة الأنباء الفرنسية”.

ويأتي إلغاء الاجتماع في خضم أزمة بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، بعدما أعلنت الدول الثلاث الأربعاء الماضي إطلاق شراكة استراتيجية لمواجهة الصين.

وتتضمن هذه الاستراتيجية تزويد كانبرا بغواصات تعمل بالدفع النووي، وبالتالي انسحاب الجانب الأسترالي من اتفاق لشراء غواصات فرنسية.

من جهته، أكد رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، سعيه إلى تهدئة التوتر في العلاقات مع باريس على خلفية أزمة إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية الموقعة مع الجيش الأسترالي.

وقال جونسون، في تصريح صحفي وهو في طريقه إلى نيويورك، فجر الإثنين، حسبما نقلته وكالة “بلومبرغ”: “نحن فخورون جدا بعلاقتنا بفرنسا. حبنا لفرنسا لا يقهر”.

وأضاف جونسون أن بريطانيا وفرنسا تعملان في عمليات عسكرية مشتركة في مالي ودول البلطيق كما تتشاركان في برنامج محاكاة للتجارب النووية.

صفقة رافال الفاشلة

فرنسا وسويسرا
فرنسا وسويسرا

كما يُقال، فالمصائب لا تأتي فرادا، فقد قررت وزارة الدفاع السويسرية، إلغاء صفقة عسكرية لشراء مقاتلات “رافال” الفرنسية، واستبدلتها بطائرات “إف- 35” الأمريكية، مما مثل ضربة دبلوماسية موجعة لباريس.

وكشفت وسائل إعلام سويسرية أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ألغى أمس الأحد، زيارة كانت مقررة إلى سويسرا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وأوضحت أن إلغاء الزيارة جاء بسبب رفض الأخيرة شراء مقاتلات فرنسية واستبدالها بمقاتلات أخرى.

وقالت صحيفة “لو ماتان” السّويسرية، إن ماكرون أبلغ السفير الفرنسي لدى سويسرا، بإلغاء زيارته للقاء الرئيس السويسري، غاي بارملاند، المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني منذ ستة أشهر.

ولاحقا نفى مسؤول في الرئاسة الفرنسية، التقارير التي تشير إلى إلغاء اجتماع الرئيس إيمانويل ماكرون مع نظيره السويسري غاي بارملين، بسبب تفضيل سويسرا شراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز “إف 35” بدلا من شراء طائرات “رافال” الفرنسية.

وقال مسؤول في قصر الإليزيه الفرنسي لمحطة “فرانس إنفو” إنه “لم يتم إلغاء الاجتماع قط، وحتى لم يتم الإشارة إلى الأسباب المذكورة”.

ربما يعجبك أيضا