داخل مخيم الهول السوري.. جرائم قتل غامضة وكلمة السر «الداعشيات»

أسماء حمدي
مخيم الهول

كتبت – أسماء حمدي

داخل مخيم الهول في شمال شرق سوريا، والذي يضم 62 ألفًا من عائلات مقاتلي تنظيم داعش وآخرين اعتُقلوا خلال انهيار دولة الخلافة المزعومة والمعلنة قبل أكثر من عامين، عثر المسؤولون على أكثر من 70 جثة داخل المخيم منذ يناير الماضي.

أصبح الهول مكانًا أكثر خطورة ويأسًا من أي وقت مضى، كما أن التشدد الديني آخذ في الارتفاع، مما يعرض للخطر أولئك الذين ليسوا متعصبين.

يتم إلقاء اللوم في عمليات القتل غالبًا على النساء المتشددات اللائي يستغلن الأمن الهش لفرض قيودهن وتصفية الحسابات، وقال مسؤولون في المخيم الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد إن المداهمات الأمنية لمصادرة المسدسات والسكاكين والأسلحة الأخرى لم تحدث فرقًا يذكر، وسط ارتفاع التوترات بين الأسرى والخاطفين.

يقول محمد بشير، المشرف على بعض الحراس، إن هناك كمائن ضد القوات، لكن المحتجزين يقومون برمي الحجارة على عمال الإغاثة، مشيرا إلى تعرض متجر ذهب للسرقة خارج مكتبه مباشرة على حافة السوق الجماعي في يوليو، وذكرت وسائل إعلام محلية، بعد ساعات من السرقة، مقتل شخص آخر على حافة نفس السوق، ولم تذكر تفاصيل أخرى.

يضيف بشير: «غالبًا ما تحتاج النساء في المخيم إلى المال لشراء المؤن، وفي بعض الأحيان، لدفع المال للمهربين لإخراجهن».

كارثة إنسانية                       

وسط الغبار المتطاير، لم يتبق سوى القليل من الأحلام التي راودها ذات يوم العديد من هؤلاء المعتقلين، وأغلبهم سوريون وعراقيون، بالإضافة إلى أجانب آخرون من عشرات البلدان حول العالم، ولكن هناك ثأر وخوف ورغبة يائسة في العودة إلى ديارهم.

افتتح المخيم في التسعينيات كمخيم صغير للنازحين العراقيين، ولكن مع احتدام المعركة النهائية بين القوات المدعومة من الولايات المتحدة ومقاتلي تنظيم داعش في أوائل عام 2019، نُقل المسلحين المأسورين إلى السجن، تم إحضار عائلاتهم إلى هنا، وفي غضون أسابيع، كان عدد سكان المخيم 55000، وبدأت كارثة إنسانية في الظهور.

مع تحول الربيع إلى صيف في ذلك العام، كافح عمال الإغاثة من أجل التأقلم وبدأت بعض النساء الأكثر تطرفاً في المخيم في محاولة إعادة فرض قواعد تنظيم داعش على العائلات من حولهن، وكان العراقيون من بين الأكثر تطرفا، والذين يشكلون الآن ما يقرب من نصف سكان المخيم.

تمت محاكمة النساء اللواتي خلعن غطاء الوجه الأسود في محاكم داخل الخيام، وانتشرت علامات متلازمة الإجهاد اللاحق للصدمة بين أطفال المخيم، الذين تلقوا القليل من الدعم النفسي على الرغم من أنهم نجوا من الرعب داخل التنظيم والعنف خارجها.

«ماذا علينا أن نفعل؟» سألت امرأة عراقية تبلغ من العمر 52 عاما في حديثها لصحيفة «واشنطن بوست»، وقالت إنها طلبت إعادتها إلى العراق لكنها لم تتلق أي رد، مضيفة: «لا يمكنك تركنا هنا وتأمل أن نموت».

عودة محفوفة بالمخاطر

لم تفعل معظم الحكومات الأجنبية الكثير لإعادة مواطنيها من مخيم الهول، لكن الجهود جارية من قبل السلطة المحلية التي يقودها الأكراد والقبائل العربية في هذا الجزء من سوريا لخفض التوتر داخل المخيم عن طريق إعادة السوريين إلى ديارهم.

 وقد غادر بالفعل آلاف الرجال والنساء والأطفال السوريين المخيم بعد أن كفل رجال القبائل المحليون للعائدين، مما يضمن إعادة دمجهم في قراهم وبلداتهم الأصلية.

قال الزعيم العشائري الشيخ محمد تركي الصويان، الذي تمت مقابلته في مدينة الرقة الشمالية مع عائلة كان قد ساعد في مغادرتها للمخيم: «لا أحد آخر لديه القوة للقيام بذلك، الرؤساء ينهضون ويسقطون، الأمراء يحملون السلاح ويقتلون بعضهم البعض، فقط القبائل هنا هي ثوابت، لكن العملية مليئة بالمشاكل».

يقول المسؤولون إنه في بعض الحالات، قام زعماء القبائل بكفالة أفراد لا يعرفونهم أو من خارج مجتمعهم، مقابل مدفوعات من عائلاتهم، واختفى بعض هؤلاء العائدين منذ ذلك الحين.

يعود العديد من المعتقلين السابقين إلى مجتمعات لا تزال تعاني من حكم داعش الوحشي، وفي كثير من الحالات، إلى الأحياء التي دمرتها الحرب.

وصف أفراد من ثلاث عائلات عادت إلى الرقة، الحياة هناك بالفقر والعزلة المنبوذة، قائلين إن جيرانهم تجاهلوهم أو سخروا منهم، وتشعر الأمهات من القلق من السماح لأطفالهن باللعب مع العائدين، وأصبحت أبواب الجيران الذين كانوا يتشاركون وجبات الطعام مغلقة الآن.

قالت فاطمة مصطفى، 47 سنة: «رأى الجيران أننا مجرد نساء بدون رجال، كان ينبغي أن يقدموا لنا المساعدة عندما نعود، ونحن الآن بدون عمل، ويغرق الكثير من العائدين في الديون».

وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، فأن سكان الرقة لم يتعاطفوا كثيرًا مع العائدين، قال رجل يدعى مصطفى حامد، «ماذا يتوقعون؟، لقد قتلوا الناس والآن عدنا إلى هنا ونقدم كل ما لدينا لإعادة البناء، لقد تضرر منزلي بشدة في غارة جوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة أثناء قتالهم مع المسلحين هل تعتقد أن لدينا الوقت للتفكير فيهم؟، يجب أن يعودوا إلى معسكرهم، لا أحد يريدهم هنا».

«أرادت رؤية العراق مرة أخرى»

تقول الحكومة العراقية إنها تحاول إعادة مواطنيها المحتجزين في الهول، لكن هذه المبادرة مشحونة سياسياً في العراق لدرجة أن العملية الكبرى الأولى لإعادتهم، في وقت سابق من هذا الصيف، نقلت أقل من 400 شخص، وفقاً لمسؤولين عراقيين.

ومن بين أولئك الذين كانوا يأملون في الانضمام إليهم وردة عبيد 60، وهي جدة من محافظة الأنبار، قالت عائلتها إن صحتها تدهورت مع مرور شهور الانتظار، ووسط نقص الأدوية، خلال الشهر الماضي، ماتت.

قال ابن أختها ساكن، البالغ من العمر 50 عامًا، «لقد أرادت فقط أن ترى العراق مرة أخرى»، مضيفا: «لا يمكننا البقاء هنا، يجب أن يكون هناك حلا».

ربما يعجبك أيضا