«تيتانيك لبنان» تغرق في الظلام.. و«حزب الله» يرتدي عباءة المنقذ

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

خرجت الحكومة اللبنانية إلى النور بعد مخاض عسير، والآن يقع على عاتقها الكثير من الملفات المعقدة في مقدمتها الملفات الاقتصادية والمالية، وتشكل أزمة الطاقة عقدة رئيسية أمام هذه الحكومة لخطب ود الشارع اللبناني وعودة الحياة إلى شوارع البلد ومستشفياتها في ظل أزمة صحية تتفاقم يوما بعد يوم، ووسط مشهد الانهيار الكامل لسفينة الدولة اللبنانية، خرج حزب الله على المسرح ليلعب دورا جديدا هو دور المنقذ الاقتصادي – إن جاز التعبير- الخميس الماضي قدم الحزب تجربة حية لهذا الدور، عندما قام باستعراض ناقلات النفط الإيراني في شوارع قرية العين، وسط العشرات من أنصاره الذين حملوا أعلام الحزب وصورا للأمين العام حسن نصرالله ورئيس النظام السوري بشار الأسد ورئيس الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني.

 حزب الله يساوم بكارت المازوت الإيراني

بلغ عدد ناقلات الوقود الإيراني التي وصلت الخميس الماضي إلى لبنان نحو 40 شاحنة، تحمل مليوني لتر من المازوت، من أصل ما يفوق 1300 شاحنة سيتم نقلها على دفعات، بحسب ما أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله.

هذه الناقلات التي عبرت إلى الأراضي اللبنانية من خلال الجارة السورية بعد أن أفرغت الباخرة الإيرانية حمولتها في مرفأ بانياس، سيتم توزيعها بحسب مزاعم حزب الله كهبات على جهات مثل دور المسنين والأيتام، والمستشفيات الحكومية، وأفواج الإطفاء في الدفاع المدني والصليب الأحمر، وغيرها.

يزعم الحزب أنه جلب هذه الشحنات من النفط الإيراني للمساعدة في تخفيف أزمة الوقود والتي يعتقد الكثيرون في لبنان أن للحزب دورا فيها عبر المساهمة في تهريب المازوت إلى خارج لبنان عبر مناطق نفوذه بالجنوب.

وقال نصر الله – في خطاب له بمناسبة وصول المازوت الإيراني- إن “الباخرة الإيرانية الثانية التي ستصل خلال أيام قليلة إلى مرفأ بانياس تحمل أيضا مادة المازوت، أما الباخرة الثالثة فقد تم إنجاز كل المقدمات الإدارية لها وبدأت بتحميل مادة البنزين، واتفقنا بالتحضير لباخرة رابعة لتحمل مادة المازوت”.

بالطبع استقبل أنصار الحزب هذه الخطوة بالترحيب، لكن العديد من الأصوات السياسية في لبنان اعتبرت الخطوة مثالا جديدا على تحدي الحزب لمؤسسات الدولة، إذ أن عملية جلب المازوت الإيراني لم تتم عبر الجهات الرسمية أو على الأقل بالتنسيق معها، كما أن عملية التوزيع ستتم على هوى الحزب وفي مناطق نفوذه تحديدا في البقاع وستقدم إمدادات الوقود بأسعار أٌقل من السوق أو كمنح، وبالتالي الأمر لا يخرج من إطار استغلال وجع الشعب اللبناني بهدف الدعاية السياسية للحزب المحاصر من أمريكا بسلاسل العقوبات، هذا فضلا عن أن الخطوة في حد ذاتها تأكيد جديد على عمالة الحزب لإيران، فثمن المازوت الذي يدخل لبنان لن يدفع على هيئة دولارات أنما هو هبة من نظام الملالي لأحد أهم أذرعه بالمنطقة “حزب الله” الذي ينفذ أجندته بامتياز في المنطقة.  

مجلة فورن بوليسي الأمريكية قالت، في تقرير نشر، يوم الجمعة الماضي: “إن حسن نصرالله، أراد من خلال موضوع  النفط أن يلعب حزبه دورا جديدا يبدو فيه المنقذ للبلد من أزمة اقتصادية عميقة، وهذا يتضح من خلال الطريقة التي وظف بها الحزب عملية توصيل وتوزيع النفط الإيراني في لبنان لتكون تجربة حية لهذا الدور، وكأن الأزمة المركبة العميقة، التي استهلكت لبنان في مختلف أوجه حياته المعيشية والصحية والسياسية، جاءت لتشكل فرصة لحزب الله لتعميم انطباع بأنه القوة المنقذة”.

خطوة تمس بالسيادة وقد تعرض البلد لعقوبات

لوري هاتيان خبير الطاقة اللبناني قال في تصريح لـ”فورن بوليسي”: ناقلات النفط الإيراني التي جلبها حزب الله لا تكفي لسد حاجة لبنان كاملة من الوقود، كما أن الحزب سيقوم بتوزيعها على قاعدته الشعبية وليس بدون تمييز كما يدعي.

وأضاف أن شراء حزب الله وليس الدولة اللبنانية للوقود الإيراني يضر بسيادة البلد، وكأن الحزب هو من يرسم السياسة الخارجية للبلد فهو يطبع العلاقات مع الأسد ويتعاون مع إيران دون اعتبار لأحد.

رئيس الحكومة اللبنانية الوليدة نجيب ميقاتي أكد أن شحنات الوقود الإيراني التي أدخلها حزب الله تشكل انتهاكا لسيادة لبنان.

كذلك اعتبر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري أن خطوة حزب الله تخاطر بوضع البلد الذي يعاني اقتصاديًا تحت وطأة العقوبات الأمريكية، كما أنها تدفع لبنان باتجاه نزاعات داخلية وخارجية.

من المعلوم أن إيران تواجه عقوبات أمريكية صارمة تدفعها لبيع نفطها في أسواق محدودة بأسعار زهيدة أو تقديمه لحلفائها مقابل الحصول على امتيازات سياسية واقتصادية كما هو الحال في سوريا، وأيضا حزب الله يخضع لعقوبات أمريكية وتصدره المشهد قد يسحب سيف العقوبات على رقبة لبنان ككل، إلا أن هذا غير وارد في الفترة الراهنة.

جيرالدين غريفيث، المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية قالت، أمس الأحد، في تصريحات صحفية: لا يخفى على أحد أن أنشطة حزب الله تقوض المؤسسات اللبنانية وقد تعرض لبنان لعقوبات.

بدائل للنفط الإيراني وحلول مؤقتة لأزمة لبنان

في خطوة متوقعة، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في 12 سبتمبر، عن استعداد بلاده لتزويد لبنان بالوقود في حال طلبت الحكومة اللبنانية ذلك، وقال إن إيران مصممة على التعاون مع الحكومات الصديقة.. لكن هذا الأمر بالنسبة للحكومة اللبنانية غير مطروح، كونه يضع البلد في مواجهة مباشرة مع واشنطن، لذا فالبحث عن حلول للأزمة بعيدا عن طهران وحزب الله مستمر.

في المقابل جددت واشنطن، أمس الأحد، استعدادها لمساعدة لبنان في ملف الطاقة، وقالت جيرالدين غريفيث: نحن على استعداد لتوفير الدعم اللازم للبنان، مضيفة: من وجهة نظر إدارة الرئيس جو بايدن، فإن استيراد الطاقة من إيران لا يصب في مصلحة الشعب اللبناني.

خلال أغسطس الماضي، كشفت السفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروثي شيا، عن مباحثات تجريها واشنطن لتسهيل تمويل محتمل من البنك الدولي لخطة لإمداد الغاز الطبيعي المصري للبنان عبر الأردن في إطار جهد أكبر لحل الأزمة اللبنانية.

ومطلع هذا الشهر أعلن الأردن عن عقد اجتماع رباعي يضم وزراء الطاقة في سوريا ولبنان ومصر والأردن لبحث كيفية تزويد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية، وأسفر الاجتماع عن وضع خارطة طريق من أجل تحديد الوقت اللازم لمراجعة الاتفاقيات وإصلاح البنية التحتية، والتأكيد على جاهزية خط الغاز العربي، ليبدأ ضخ الغاز والكهرباء إلى لبنان في أقرب وقت.

وكشفت وزارة الطاقة الأردنية عن مباحثات جارية مع واشنطن لتجب عملية استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية لعقوبات قانون القيصر.  

نهاية يوليو الماضي، وقعت الحكومة اللبنانية عقدا مع العراق عقدا للحصول على 1.1مليون طن من النفط مقابل سلع وخدمات بقيمة 300 مليون إلى 400 مليون دولار، ووقتها أعلنت بيروت أن هذه الكمية ستكفي لتوليد الطاقة لمدة أربعة أشهر فقط، إلا أن البعض اعتبرها بداية جيدة للتعاون مع بغداد في هذا المجال.

أصدقاء لبنان ودول الجوار جميعهم يحاولون تقديم المساعدة، لكن أزمة الطاقة في لبنان أزمة عمرها عقود ومن الصعب حلها بين ليلة وضحاها، فلبنان يحتاج سنويا إلى نحو 360 باخرة وقود، ومنذ سنوات طويلة لم يعد بمقدور مرفق الكهرباء الحكومي أن يوفر الكهرباء على مدار الـ24 ساعة، وهو ما يدفع المستهلكين للاعتماد على مولدات خاصة تعمل بالمازوت مرتفع التكلفة، وخلال فصل الصيف يحتاج لبنان تقريبا إلى أكثر من 3000 ميجاوات من الكهرباء لتلبية الطلب، في حين تقدر قدرة إنتاج وشراء الكهرباء بـ 1700 ميجاوات في أحسن الأحوال، ما يعني مزيد من تقنين ساعات التغذية بالكهرباء على مدار اليوم وأن الأزمة تتطلب جهدا حقيقيا لإصلاح شبكة الكهرباء وتوفير بدائل اقتصادية للوقود الثقيل لتوليد الطاقة.. لبنان ككل في حاجة إلى إصلاحات اقتصادية قاسية للحصول على مساعدات المانحين وتجنب الغرق أكثر في أزمة هي الأسوأ منذ العام 1850.

ربما يعجبك أيضا