تونس.. طرح الرئيس للأحكام الانتقالية شهادة وفاة لدستور تسبب في أزمات سياسية

كريم بن صالح

رؤية – كريم بن صالح

تونس – في خطابه أمام عدد من أنصاره في ولاية سيدي بوزيد طرح الرئيس التونسي قيس سعيد وضع أحكام انتقالية لإنهاء العمل بالدستور وتغيير وجه المنظومة السياسية تماما.

وظهر الرئيس قيس سعيد رافضا لكل الضغوط سواء الداخلية والخارجية لإنهاء إجراءاته الاستثنائية التي اتخذها يوم 25 يوليو الماضي بل ومصمما على المضي قدما في خطته لتطهير الدولة من الإسلام السياسي والجماعات المرتبطة بها.

وفي 25 يوليو الماضي قرر الرئيس التونسي حل البرلمان وإقالة رئيسه هشام المشيشي وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه قبل ان يمدد تدابيره الاستثنائية لأجل غير محدد.

ورغم الضغوط التي وجهتها حركة النهضة الإسلامية وحلفائها سواء بتحشيد الشارع أو باللجوء إلى الهجمات الإعلامية أو حتى اللجوء إلى جهات خارجية في انتهاك واضح للسيادة الوطنية لكن الرئيس قيس سعيد تجاهل كل ذلك من اجل تحقيق مشروعه السياسي الذي يراه منفذا وحيدا لإنقاذ الشعب التونسي.

وأكد الرئيس التونسي أن تحركاته لا تزال ضمن الفصل 80 من الدستور لكنه أشار في المقابل بانه وضع أحكاما انتقالية تستجيب لمطالب الشعب وقانون انتخابي جديد لكنه انه سيُبقي على الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات.

تعديل ام تعليق للدستور

وقد أثار خطاب الرئيس التونسي الكثير من التأويلات من قبل السياسيين وخبراء القانون الدستوري وحتى المواطنين فهنالك من يرى أن الرئيس اختار تعليق الدستور تماما في حين قال آخرون إن قيس سعيد سيلغي بعض البنود من دستور 2014 والتي تسببت في عرقلة الدولة.

وأيد نوفل سعيد شقيق الرئيس التونسي التوجه الثاني قائلا في تدوينة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك “إن استمرار الإجراءات الاستثنائية يتطلب وضع أحكام انتقالية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تعليق العمل بالدستور”.

وتابع شقيق الرئيس التونسي في تدوينة أكثر وضوحا ” هي أحكام ذات نطاق معين ومساحة محددة تضمن بصفة مؤقتة التعايش بين مجموعة من الأحكام القديمة -وليس بالضرورة كلّها- على مشارف الزوال وأخرى جديدة سترى النور بمجرد تحقق الأحداث المرتقبة التي تدخلها حيز النفاذ”.

وأكد قياديون من حركة الشعب المؤيدة لخيارات قيس سعيد أن الرئيس باتت له رؤية واضحة للمرحلة المقبلة.

وقالت النائبة المجمدة عن الحركة ليلى حديد: إن قيس سعيد أعلن على وضع الأحكام الانتقالية المنظم للسلط العمومية وتعويضها بأبواب السلط التنفيذية والتشريعية ” مؤكدة أن الرئيس شدد على “انه لا مساس بباب الحقوق والحريات وعلى الحفاظ عليه كمكسب من المكاسب التي ناضلت من اجلها أجيال إضافة إلى انه يعتبر ان الاستفتاء الشعبي الذي يُعّد المدخل الوحيد لتصحيح وتعديل الدستور، وذلك انطلاقا من إيمانه بأنّ السلطة الأصلية تعود للشعب ولإرادته”.

وأيد خبراء في القانون الدستوري ما طرحه الرئيس حيث قال أستاذ القانون العام الصغير الزكراوي إن الحديث عن الدستور عندنا يتصادم مع الإرادة الشعبية ينتهي دائما إلى تغليب إرادة الشعب.

وأشار الزكرواي إلى أن الرئيس أعلن من سيدي بوزيد على جزء من خارطة الطريق التي يتوجه من خلالها إلى تعليق الدستور واعتماد نص منظم للسلط، على أن يشمل التعديل ثلث الدستور في باب السلطة التشريعية والتنفيذية أي ما يقارب 51 فصلا.

وطالب الخبير الدستوري بتكوين لجنة تنكب على كتابة دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي بصفة جذرية ثم عرض هذا التعديل على الاستفتاء بهدف إضفاء الصبغة الديمقراطية على التمشي المعتمد من قبل الرئيس.

بدوره قال الخبير الدستوري رابح الخرايفي: إن إعلان الأحكام الانتقالية مثل النهاية السياسية لمجلس نواب الشعب في انتظار نهايته القانونية فيما بعد الإعلان عن حله رسميا.

وأعتبر أن تعديل الدستور سيكون بشكل عميق يشمل بابين الأول هو باب السلطة التنفيذية والثاني باب السلطة التشريعية، على أن يقوم قيس سعيد بإعلان تنظيم مؤقت للسلط يمارس من خلالها صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية.

مأزق الإخوان وحلفائهم

وأمام المشروع الذي قدمه الرئيس التونسي ظهرت الأحزاب الإسلامية في حالة ارتباك واضح.

وأصدرت حركة النهضة الإسلامية بيانا حاولت من خلاله التشكيك في نوايا الرئيس وزعمت أن إعلان الرئيس عزمه على إقرار أحكام انتقالية منفردة هو توجه خطير وتصميم على إلغاء الدستور الذي أجمع على سنّه التونسيون ويمثل مصدر كل الشرعيات.

ويرى مراقبون أن النهضة وعددا من الأحزاب منتفعة من الدستور الحالي ومن المنظومة السياسية ومن النظام الانتخابي لأنه يحقق لها مصالحها في الهيمنة على الدولة خاصة وان النظام شبه البرلماني المقرر في الدستور يعطي للبرلمان سلطة فوق السلطتين التنفيذية برأسيها والقضائية وهو ما وصف بلغم قانوني وضعه الإخوان في الدستور.

كما أن النظام الانتخابي الحالي يفتح للإسلام السياسي فرصة الهيمنة على مجلس الشعب خاصة وان التيارات الإسلامية تملك المال السياسي والتمويلات الأجنبية التي تفتقدها القوى الوطنية والتقدمية للتأثير على الناخب.

وبالتالي فإن الرئيس يريد إنهاء كل هذه التجاوزات باسم الدستور والنظام الديمقراطي.

ربما يعجبك أيضا