ديون «إيفرجراند» الصينية.. هل تتحول إلى تسونامي يضرب الأسواق العالمية؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تعيش الأسواق العالمية حالة من القلق خشية انفجار أزمة جديدة تشبه إلى حد كبير أزمة انهيار البنك الأمريكي الشهير “ليمان براذرز”في العام 2008، الحديث هنا عن أزمة مجموعة “إيفرجراند” الصينية، إذ تعاني عملاقة التطوير العقاري من تعثر كبير قد يؤدي إلى فشل في سداد ديون تتجاوز الـ300 مليار دولار، هذه الديون ونتيجة لانكشاف بنوك ومؤسسات كبرى داخل وخارج الصين عليها قد تؤدي في حال التخلف عن سدادها إلى تحريك أحجار الدومينو في الاقتصاد العالمي لتتجاوز آثارها حدود السوق الصينية.

تفاصيل الأزمة وتدعياتها على الأسواق العالمية

الاختبار الحقيقي لـ”إيفرجراند” -ثاني أكبر مطور عقاري في الصين وثاني أكبر مجموعة عالميا من حيث الإيرادات- سيكون غدا الخميس، إذ من المقرر أن تدفع 83.5 مليون دولار كفائدة متعلقة بسندات “تستحق في مارس 2022″، وفي 29 سبتمبر الجاري ستكون مطالبة بدفع 47.5 مليون دولار كفائدة عن سندات مستحقة في مارس 2024، وفي حال فشلت في تسوية الفائدة خلال 30 يومًا من هذه التواريخ ستتخلف عن سداد مدفوعات تلك السندات رسميا، ما يعني أنها قد تدخل في محادثات لإعادة هيكلة القروض والديون أو قد ينتهي بها المطاف إلى إشهار إفلاسها، وفي الحالتين سيكون الأمر مكلفا للغاية بالنسبة للدائنين “حملة السندات” وأيضا لعملاء الشركة.   

ترتبط أزمة إيفرجراند بنحو 128 بنكا و121 مؤسسة مالية غير مصرفية، مما يعمق أثرها على الأسواق العالمية، وتعود بدايات الأزمة إلى العام 2018 عندما تخلفت المجموعة عن سداد ديون بأكثر من 4 مليارات دولار، ثم جاء عام كورونا لتزداد الأمور سوءا، ما دفع الشركة إلى تقديم تخفيضات على عقاراتها وصلت إلى 30% بنهاية 2020، في محاولة لجذب العملاء، إلا أن الأمر لم يكن موفقا، ومنذ بداية العام الجاري وإدارة الشركة تحاول المناورة لتوفير السيولة اللازمة وسط سعي الآلاف من العملاء لاستعادة مقدمات الحجوزات المدفوعة مسبقا خشية الانهيار وضياع حقوقهم، هذا فضلا عن تأخر الشركة في صرف رواتب الموظفين، وكانت الشركة في أغسطس الماضي حاولت تقديم تخفيضات وصلت إلى 26% لجذب عملاء جدد إلا أن الأمر باء بالفشل.

الأزمة في أرقام:

-حجم أعباء ديون إيفرجراند وصل إلى 306 مليار دولار، منها 669 مليون دولار مستحقة هذا العام بينها 615 مليون دولار هي فوائد لسندات دولارية.

-منذ بداية العام هوت أسهم إيفرجراند بـ 85 % في بورصة هونج كونج وخسرت سنداتها أكثر من ثلثي قيمتها.

 -نتيجة لثقل المجموعة تراجع أيضا مؤشر “هانج سينج” للعقارات بنسبة 14% منذ بداية العام.

-قامت وكالة “فيتش” بتخفيض التصنيف الائتماني للشركة من “CCC+” إلى “CC”.

-معدل ديون الشركة مقابل حقوق الملكية في قطاع العقارات الصيني وصل إلى 467%.

 يوم الإثنين الماضي تراجعت أسهم المجموعة بنحو 19% لتسجل أدنى سعر لها على الإطلاق قبل أن تقلص خسائرها إلى 10% عند الإغلاق، كما تراجع مؤشر هانج سينج بنسبة 7%، وهوت أسهم شركات العقارات الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ 2016.  

ووسط مخاوف من امتداد أزمة “إيفرجراند” إلى الأسواق العالمية، سجلت الأسهم الأوروبية يوم الإثنين الماضي أكبر هبوط لها في نحو شهرين، كما انخفضت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1%، وخسر “داو جونز” 1.8% من رصيده، وأيضا شهدت البورصات في منطقة الشرق الأوسط تراجعات مشابهة.

الأزمة لم تصل بعد إلى لحظة “ليمان براذرز”

أمام هذا، يقول كبير المستشارين الاقتصاديين في “أليانز” الخبير الاقتصادي محمد العريان – في تصريحات لـ”سي إن بي سي”- إن انتقال عدوى إيفرجراند للأسواق يرجع إلى اهتزاز ثقة الممولين العالميين بالقطاع العقاري في الصين، وسط حملة الحكومة لإعادة التوازن للسوق بإجراءات تنظيمية أكثر صرامة.

وأضاف: هناك حديث بين المستثمرين أن إيفرجراند يمكن أن تعيد تكرار سيناريو “ليمان براذرز” بالنسبة للصين، في إشارة إلى انهيار البنك الأمريكي الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية، لكن لا أعتقد أننا وصلنا إلى هذه المرحلة.

الملياردير الأمريكي ومؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم راي داليو قال في مقابلة مع “بلومبرج” أمس الثلاثاء: أن أزمة إيفرجراند لن تشكل أزمة مماثلة للـ2008، مؤكدا أن أزمة المطور العقاري الشهير يمكن السيطرة عليها حتى إذا تضرر المقرضون من المتاعب التي قد تواجهها الشركة لاحقا.

أمر أخر يجعل أزمة “إيفرجراند” سواء تم حلها أو وصلت إلى الفشل التام في السداد والإفلاس، بعيدة عن تكرار سيناريو أزمة الـ2008، هو أن اقتصادات العالم اليوم وكذلك البنوك العالمية مثل “أتش أس بي سي” – المنكشف على ديون الشركة الصينية- أكثر قوة مما كانت عليه في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية ولديها قدرة أكبر على امتصاص الصدمات.

هذا ما عبر عنه “جاري جينسلر” رئيس لجنة البورصات والأوراق المالية الأمريكية عندما قال، أمس الثلاثاء في تصريح صحفي: إن السوق الأمريكية في موقف أفضل لاستيعاب صدمة عالمية محتملة من إفلاس إيفرجراند، مقارنة بالأعوام السابقة للأزمة المالية 2007-2009.

ربما العالم بعيد الآن عن تكرار سيناريو الـ2008، إلا أن أزمة “إيفرجراند” هي ناقوس خطر لملف ديون الشركات العالمية والتي تفاقمت منذ بداية جائحة كورونا نتيجة تبني سياسات التيسير النقدي على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال ارتفع إجمالي ديون الشركات الأمريكية إلى 11.2 تريليون دولار، ما يعني أن أي اضطراب شبه جماعي لهذه الشركات قد يفجر أزمة حقيقية.

الشركة قد تنجو من الأزمة

من جهة أخرى، أفادت “بلومبرج”، أمس الثلاثاء، بأن إيفرجراند تخلفت عن سداد مدفوعات تتعلق بفائدة سنداتها إلى اثنين على الأقل من دائنيها المصرفيين، ما يعني أن الشركة أقرب للتخلف عن سداد التزاماتها المستحقة غدا من الوفاء بها، وبالتالي هي تدخل رسميا إلى عنق أزمة محقة.

لكن صباح اليوم الأربعاء، أعلنت شركة هينجدا ريل إيستيت جروب -وهي وحدة التابعة لـ”إيفرجراند”- أنها سوف تسدد مدفوعات فائدة السندات في موعدها في 23 سبتمبر الجاري، وستدفع 232 مليون يوان “35.9 مليون دولار” كفائدة على سندات لأجل سبتمبر 2025.

هذا الإعلان بث جرعة تفاؤل ضئيلة بأن الأزمة في طريقها للانفراج، يضاف إليه قيام الشركة في وقت سابق من الشهر الجاري، بسداد 219.5 مليون يوان من الديون المتأخرة المستحقة للمورد “سكشو باينت” على شكل شقق في ثلاثة مشاريع عقارية غير مكتملة، كما قامت ببيع منتجات إدارة ثروات لمستثمري التجزئة في الصين مقابل حوالي 6 مليارات دولار.

إذا الشركة تحاول تجاوز أزمة السيولة بشتى الطرق، وقد تنجح في هذا المسعى لكنها أيضا في حاجة إلى دعم حكومي وقد تحصل عليه، فبصورة غير مباشرة قام بنك الشعب الصيني يوم الجمعة الماضي بضخ 14 مليار دولار من السيولة النقدية قصيرة الأجل في النظام المالي، لتهدئة المخاوف من تأثير الأزمة الوشيكة على هذا القطاع.

خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري زادت الاستثمارات العقارية في الصين بنسبة 15.9 % مقارنة بالفترة نفسها من 2020، ما يعني أن فشل “إيفرجراند” في جذب عملاء جدد يعود في الأساس إلى انهيار الثقة في الشركة الأكثر مديونية على الإطلاق، لكن السماح بانهيار “إيفرجراند” كفيل بأن يهز بشكل مباشر قطاع العقار الصيني، وقد يفجر أزمة أوسع تضر بالنمو الاقتصادي، فمع تعثرها عن السداد سيحدث تباطؤ في تطوير العديد من المشروعات وفي تمويل القطاع بأكمله، ما قد يؤثر على معدل نمو الناتج المحلي تحديدا للعام المقبل، وهذا ما يجعل السيناريو الأقرب للواقع في حال تخلفت الشركة غدا عن الوفاء بالتزاماتها أن تتدخل الحكومة الصينية لإعادة هيكلة ديونها لاسيما مع انكشاف عدد كبير من بنوكها على هذه الديون، لكن هناك سيناريو أكثر دراماتيكية وهو أن تقرر الحكومة ترك “إيفرجراند” لمواجهة مصيرها ضمن حملة الرئيس “شي جين” لتشديد القيود على الشركات المثقلة بالديون.

ربما يعجبك أيضا