عنوانها الصين و«جورجيفا».. فضيحة تهز صندوق النقد الدولي

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

قبيل أسابيع فقط من الاجتماع السنوي لرؤساء المنظمات المالية الدولية، يكافح صندوق النقد الدولي للوصول إلى الحقائق بشأن فضيحة تضر بسمعة مديرته “كريستالينا جورجيفا” بعد أن أصبحت متهمة بالتدخل أثناء رئاستها للبنك الدولي للتأثير على نتائج تقرير ممارسة الأعمال للعام 2018 لرفع تصنيف الصين، وعلى الرغم من رفض “جورجيفا” لهذه الاتهامات إلا أن الأمر ما زال موضع تحقيق في صندوق النقد والبنك الدولي، بما يسدد ضربة مباشرة للثقة بالمنظومة الدولية ككل.

ضغوط لصالح الصين وفضيحة للبنك الدولي  

 كان تحقيق أجرته شركة المحاماة “ويلمرهيل” بناء على طلب من لجنة الأخلاقيات بالبنك الدولي خلص أخيرا، إلى أن قيادات البنك بمن فيهم كريستالينا جورجيفا الرئيسة التنفيذية للبنك آنذاك وكبير مديري البنك جيم كيم، مارسوا ضغوطا لرفع ترتيب الصين في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2018.

يعد البنك الدولي من بين أكبر مصادر تمويل التنمية في العالم، وتستخدم بعض الحكومات تقرير “ممارسة الأعمال” الذي يقيم الإصلاحات الاقتصادية، والأعباء الضريبية والعقبات البيروقراطية وغالبية ظروف العمل في بلد ما، في محاولتها لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهذا يفسر المنافسة بين الدول للحصول على مراكز متقدمة في تصنيف ممارسة الأعمال.

وبحسب تحقيق “ويلمرهيل” وبناء على شهادة لأحد كبار المديرين بالبنك الدولي، اشتكت بكين لرئاسة البنك من تصنيفها في المرتبة الـ 78 في تقرير العام 2017، وبينما كان يفترض أن تظهر في مرتبة أدنى في تقرير 2018، إلا أن هذا لم يحدث، إذ تدخلت جورجيفا وبمساعدة كيم لتطلب من الموظفين المعنيين بإعداد التقرير إعادة النظر في ترتيب الصين.

وفي حين رفض باحثو البنك تعديل تصنيف الصين الذي كان يفترض أن يكون في المرتبة الـ85، إلا أن كيم نجح في النهاية وخرج تقرير 2018 دون تعديل على ترتيب الصين الـ78 فيما تم ترقية هذا الترتيب في نسخة الـ2020 إلى المرتبة الـ31، وذلك بعد أن ناقش كيم التصنيف مع مسؤولين صينيين كبار أبدوا استيائهم من هذا التصنيف وفي المقابل وعد هو ومساعدوه بتحسينه.

وقتها فسر “كيم” هذا التدخل بأنه محاولة لتجنب الانتقام الصيني خلال مفاوضات زيادة رأس المال البنك والتي يلزم لحسمها موافقة الصين وأمريكا معا، في وقت كانت الحرب التجارية بين البلدين في ذروتها، إذ كان الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب يسعى لمعارضة الصين في كل شيء، ووقتها وبعد تجنبها الحصول على تصنيف متراجع بنحو 7 مراتب عن تقرير 2017، وافقت الصين على الحصول على مساهمة من البنك أقل مما تسعى إليه وبفائدة أعلى.

بحسب تحقيق البنك الدولي، كان من أبرز إنجازات كيم وجورجيفا التوصل لاتفاق لزيادة موارد البنك بمقدار 13 مليار دولار، بموافقة بكين وواشنطن، ما يعزز الاتهامات الخاصة بدورهما في الضغط لصالح الصين فيما يتعلق بتقرير ممارسة الأعمال.

ووفقا للتحقيق الذي حلل 80 ألف وثيقة وأجرى مقابلات مع أكثر من 30 موظفا حاليا وسابقا في البنك، وبخت جورجيفا مسؤولا رفيع المستوى في البنك الدولي لإساءته إدارة علاقة البنك مع الصين والإخفاق في تقدير أهمية تقرير الـ”دوينج بيزنس” للبلد، وبعد إجراء التعديلات المطلوبة شكرته “لقيامه بدوره في سبيل التعددية”، ثم زارت فيما بعد منزل المدير المكلف بإعداد التقرير للحصول على نسخة وشكرته على المساعدة في “حل المشكلة”.

في يناير 2018، استقال بول رومر، الحائز على جائزة نوبل وكبير خبراء الاقتصاد في البنك الدولي آنذاك، من منصبه وأبلغ الصحفيين بأن المنهجية المعتمدة في التصنيف تم تعديلها بشكل قد يعطي الانطباع بأن اعتبارات سياسية أثرت في النتائج، وخصوصا بالنسبة لتشيلي.

وقال رومر إنه وأثناء عمله في البنك لم يكن مدركا بأن جورجيفا كانت تضغط على موظفين من أجل الصين، رغم أن “شكوكا” ساورته وقتها، موضحا أنه عندما طرح تلك التساؤلات على الإدارة دبرت كريستالينا وسيلة للتغطية على الأمر.

وأدت انتقادات رومر فيما بعد إلى قيام البنك بفتح تحقيق موسع بشأن تقرير ممارسة الأعمال والضغوط السياسية المحطية به.

“جورجيفا” والصين ترفضان الاتهامات

في 16 سبتمبر الجاري، نفت جورجيفا ما تردد بشأن ممارستها لضغوط لصالح الصين، وقالت في بيان نشره موقع صندوق النقد: “أنا لا أتفق بشكل أساسي مع نتائج وتفسيرات التحقيق في مخالفات البنك الدولي من حيث صلتها بدوري في تقرير ممارسة الأعمال لعام 2018، دعوني أقولها، ببساطة شديدة، هذا غير صحيح لا في هذه القضية ولا قبلها ولا بعدها حدث أني مارست ضغوطا على موظفين للتلاعب في البيانات”.

من جانبه قال صندوق النقد في بيان صدر الثلاثاء الماضي، إن مجلسه التنفيذي اجتمع لمناقشة تقرير البنك الدولي الخاص بدور جورجيفا في فضيحة التلاعب لصالح بكين، لافتا إلى أن المجلس سيجتمع قريبا لمزيد من النقاش حول الأمر.

وعقب نتائج تحقيق “ويلمرهيل” قرر البنك الدولي وقف صدور تقارير ممارسة الأعمال، الأمر الذي وجده بعض الخبراء أنه قد يجعل من الصعب على المستثمرين تقييم وجهة أموالهم.

على الجانب الأخر، أعربت الخارجية الصينية –يوم الجمعة الماضي، في بيان صحفي- عن أملها في أن يقوم البنك الدولي بإجراءات داخلية دقيقة للمراجعة والتحقيق في القضية، لتوفير حماية أفضل لمهنية وسلطة تقرير ممارسة الأعمال، وسمعة البنك وأعضائه، مؤكدة أن بكين تولِي تحسين بيئة الأعمال اهتماما كبيرا.

من جانبها وصفت وزارة الخزانة الأمريكية نتائج تحقيق ويلمرهيل بأنها “استنتاجات خطرة”، وقالت إنها بصدد تحليل التقرير بشكل أعمق، انطلاقا من مسؤوليتها في الحفاظ على نزاهة المؤسسات المالية الدولية.

تمتلك واشنطن حق الفيتو على قرارات صندوق النقد والبنك الدولي، وبالتالي قد تشهد الأيام المقبلة شد وجذب بين الإدارة الأمريكية وصندوق النقد لاسيما مع وجود الصين طرفا في القضية، وقد يستغل المشرعون الجمهوريون القضية لتجديد الانتقادات حول توسعة موارد الصندوق تحت قيادة جورجيفا.

قد تبدو قضية التلاعب لصالح الصين في تقرير ممارسة الأعمال لـ2018 بسيطة على الورق إلا أنها تضرب مصداقية المؤسسات المالية الدولية “المانحة” في العمق ويجب أن تكون جرس إنذار للأسواق المالية والمؤسسات المالية لتعيد النظر في الاعتماد على تقارير هذه المؤسسات عند تقيم بيئة الأعمال في دولة ما، والأهم أن القضية ستكون بداية لتدقيق قوي سيستهدف جورجيفا خلال الفترة المقبل، فضلا على أن القضية تعيد إلى السطح الجدل حول استقلالية هذه المؤسسات التي يتم تعيين رؤسائها بالتوافق بين القوى العظمى تحديدا أوروبا وأمريكا، فضلا عن أن هؤلاء الرؤساء يحتاجون إلى قدر من الدبلوماسية للحفاظ على مراكزهم ما يجعل باب التلاعب مفتوحا على الدوام.

ربما يعجبك أيضا