هل بدأت حملة التخلص من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

معطيات وتطورات عدة توحي بأن الطبقة السياسية في لبنان قررت تنحية المحقق العدلي، طارق بيطار الذي تجاوز بحسب رأيها الخطوط الحمراء في التحقيق بعدما ادعى على مسؤولين كبار يشتبه في تورطهم أو وجود مسؤولية لهم في انفجار مرفأ بيروت.

القاضي الذي يتعرض لحملة إعلامية ممنهجة تلقى أخيرًا رسالة تهديد شفهية نقلت إليه على لسان مسؤول كبير في حزب الله، مفادها أنه حال أخفقنا في إفشالك بالمسار القانوني، يمكن أن نلغي دورك بمسار آخر، ما يؤشر إلى دخول التحقيق مرحلة بالغة الخطورة والدقة ليس فقط بالنسبة للبنانيين وأهالي ضحايا انفجار المرفأ بل أيضا القاضي طار بيطار الذي باتت حياته في خطر.

تهديدات بالتصفية

طارق

وسط مخاوف من ضغوط سياسية متزايدة تعرقل التحقيق المحلي، واجه المحقق العدلي تهديدات من مختلف فرقاء المنظومة الحاكمة لثنيه عن ملف التحقيق بجريمة تفجير المرفأ، وكان آخرها تهديد المسوؤل الأمني في حزب الله وفيق صفا.

مراسل المؤسسة اللبنانية للإرسال، إدمون ساسين، وعبر حسابه على تويتر، كتب «حزب الله عبر وفيق صفا بعث برسالة تهديد إلى القاضي طارق بيطار مفادها : واصلة معنا منك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني وإذا ما مشي الحال رح نقبعك. فكانت إجابة بيطار: فداه، بيمون كيف ما كانت التطييرة منو».

لطالما أكد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا حزب الله، انزعاجه من أسلوب القاضي طارق بيطار وطالب بتنحيته، إذ بدأت حملة التخلص من المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت من المنظومة السياسية والدينية والأمنية ومن المدعى عليهم، حتى يمكن القول بأن المواجهة باتت مفتوحة بين محاولات تطبيق العدالة والإصرار على الإفلات من العقاب.

ومع التمادي بـ«الوقاحة الإجرامية» بتهديد المحقق العدلي ومع فضاحة الإصرار على مسرحيات للتعكير على التحقيق، ينقسم لبنان إلى وجهين لا يلتقيان أبداً، الأول كالحرس الثوري الإيراني، والاخر يُمثّله اليوم القاضي طارق بيطار بجرأته المهنية .

السبب الأساسي لتهديد القاضي طارق بيطار هو أنه يخلق سابقة تجعل المسؤول تحت القانون وتسمح بمحاسبته، وهذا ما لا يتحمّله الحزب الأقوى في لبنان! فمنظومة الإفلات من العقاب تحكم لبنان منذ عقود وتمكنت من وضع يدها على القضاء وإحكام قبضتها على مؤسسات البلاد ليصبح طمس حقيقة انفجار بيروت أولولية بالنسبة لها .

الحكومة.. موقف غامض

الطريقة التي تشكلت بها الحكومة من محاصصة وإعادة نفس الأشخاص الذين رفضهم الشعب إلى الحكم، نظرا لأنها لم تتخذ موقفًا واضحًا وصريحًا يدل على نية حاسمة للتعاون مع المحقق العدلي لكشف حقيقة واحدة من أكبر الجرائم في العالم ومواساة أهالي ضحايا وجرحى تفجير مرفأ بيروت.

ففي جلسته المنعقدة في 16 سبتمبر الجاري أقرّ مجلس الوزراء البيان الوزاري لما أسماه حكومة «معًا للإنقاذ». وإذ استفاض البيان في الوعود والتعهدات، اتّسمت مندرجاته بعدم الوضوح والإبهام. في ملف المرفأ، تعهدت الحكومة “بإجراء كل ما يلزم بشأن الحصانات والامتيازات”.

بالمقابل لم تتعهد الحكومة بأي تعاون مع المحقق العدلي وتوفير ما يلزم له لإكمال تحقيقاته. موقف غامض لا يلزم الحكومة بشيء ويسمح لكل أن يغني على ليلاه.

فخ بيطار

مع نيل الحكومة ثقة البرلمان، انتهى العقد الاستثنائي لمجلس النواب. وبالتالي، بات بإمكان المحقق العدلي طارق بيطار ملاحقة الثلاثي نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ومن يشاء من النوّاب دون انتظار إذن البرلمان الذي تلكّأ عن منحه إيّاه منذ تموز الماضي.

لم يتأخر بيطار كثيرا حتى أصدر مذكّرة توقيف غيابية بحق وزير النقل والأشغال السابق ، يوسف فنيانوس بعد أن تغيّب هذا الأخير عن حضور جلسة استجوابه، وهي أوّل مذكرة توقيف تصدر بحق وزير سابق في هذه القضية بعد أن عمد الوزراء المدعى عليهم على نفي صلاحية القضاء العدلي بالتحقيق معهم.

لم ينتظر رئيس الحكومة السابق حسان دياب هذه المرة، لا الخطوط الحمر السياسية ولا الطائفية. فاعتبر الجلسة المحددة للاستماع إليه من قبل المحقق العدلي في ٢٠ أيلول بحكم غير الموجودة.

أما وزير الداخليّة الأسبق، المتّهم نهاد المشنوق، فقدّم طلباً بردّ القاضي طارق بيطار عن ملف التحقيق في القضية، وتعيين قاضٍ بديل مكانه لمتابعة التحقيقات في القضية. ورغم أنها محكمة غير مختصّة بحسب «المفكّرة القانونيّة»، فإنّ خطوة المشنوق تندرج ضمن العرقلة الصافية للتحقيق لأنّها قد تجمّد التحقيق فور تبليغ القاضي طارق بيطار الطلب.

التهديد الذي تلقاه بيطار من وفيق صفا قد يكون تهويلي، لكنه يحمل فخا للقاضي لاستدراجه للرد؟ الرد يفتح سجال، وأن هناك خصومة مع صفا، مما يعطي مسوغا قانونيا للمتربصين و”القابعين” لبيطار استناداً إلى المادة 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية، لطلب تنحيته، وهو ما يراه رئيس حزب الكتائب، سامي الجميل، حق مشروع لأي شخص لديه شكوك بأنه منحاز أو مُتحامِل عليه، لكنه تساءل: في جريمة المرفأ، لجأ المدعى عليهم أوّلاً للسياسة ثم عادوا اليوم للقانون، ولو أنهم لجأوا أولاً للقانون وطلبوا تنحية القاضي لما حصلَتْ كل هذه الضجّة !

ربما يعجبك أيضا