الصراع مع إسرائيل.. تهديد بحل الحكومة الفلسطينية وسط تعنت قوات الاحتلال

محمود

رؤية- محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – ليس جديدا على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، التهديد بحل السلطة الفلسطينية وسحب الاعتراف بـ”إسرائيل”، إلا ان في موقف الرجل تأكيد على نعي العملية السلمية، وان ضخت دماء جديدة في الادارتين الإسرائيلية والأميركية، فالمشهد هو ذاته منذ مؤتمر مدريد للسلام أوائل تسعينيات القرن الماضي.

وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم الجمعة، في كلمة متلفزة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 76، إن أمام سلطات الاحتلال الإسرائيلي عاما واحدا لتنسحب من أراضي 1967، بما فيها القدس الشرقية.

وأكد أنه “في حال عدم تحقيق ذلك، فلماذا يبقى الاعتراف بإسرائيل قائما على أساس حدود العام 1967؟”.

ويأتي تحذير عباس، بسبب عدم وجود أفق سياسي للحل وتعثر المفاوضات بين الجانبين منذ عام 2014، وتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، عدم رغبته في إقامة دولة فلسطينية مستقلة في عهده.

وأردف عباس: “لا نجد شريكا في إسرائيل يؤمن ويقبل بحل الدولتين”.

ولفت إلى “تهرب الحكومة الإسرائيلية الحالية والسابقة من الحل السياسي القائم على حل الدولتين وفق الشرعية الدولية، بمواصلة الاحتلال والسيطرة العسكرية على الشعب الفلسطيني، وطرح مشاريع اقتصادية وأمنية بديلة واهية”.

واعتبر أن ذلك يمثل “مخططات أحادية الجانب لن تحقق الأمن والاستقرار لأحد، لأنها تعيق جهود السلام الحقيقي وتطيل أمد الاحتلال، وتكرس واقع الدولة الواحدة العنصرية”.

وزاد عباس: “سنتوجه إلى محكمة العدل الدولية باعتبارها الهيئة الأعلى في القضاء الدولي، لاتخاذ قرار حول شرعية وجود الاحتلال على أرض دولة فلسطين”.

والمفاوضات متوقفة بين الجانبين منذ أبريل/ نيسان 2014؛ لرفض إسرائيل الإفراج عن معتقلين قدامى، ووقف الاستيطان، والقبول بحدود ما قبل حرب يونيو/ حزيران 1967 أساسا لحل الدولتين (إسرائيلية وفلسطينية).

ودرج اليمين الإسرائيلي خلال عهد بنيامين نتنياهو البائد خلال الأعوام الاثني عشر السابقة (2009-2021) على التهرب من أي مسار سياسي مع السلطة الفلسطينية، رغبة بعدم دفع استحقاقات سياسية، رغم الضغوط التي مارستها إدارة أوباما في حقبتيها المتتاليتين بين عامي 2009 و2017.

حتى جاءت إدارة دونالد ترامب في ولاية يتيمة بين 2017 و2021، إذ ظهر انسجام واضح بين (تل أبيب) وواشنطن في النظر إلى مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين، وتتوج ذلك في إعلان صفقة القرن التي ظهرت فارغة من أي مضمون سياسي، واقتصر الحديث بشأنها على المسائل الاقتصادية، وتحسين الظروف المعيشية، ليس أكثر.

بقي الأمر على هذه الوتيرة إلى أن شهدت (تل أبيب) وواشنطن انقلابًا سياسيًّا بقدوم جو بايدن بدلًا من ترامب، ونفتالي بينيت خلفًا لنتنياهو، وظهر أنهما ليسا معنيين بالدخول إلى ما يمكن وصفه بـ”عش الدبابير” المسمى القضية الفلسطينية، ولكلٍّ أسبابه الخاصة.

فالحكومة الإسرائيلية الجديدة المشكلة من ائتلاف بصعوبة يقف على أقدامه، وتحمل توجهات يمينية في معظمها، عدا أصوات متناثرة من بقايا اليسار الإسرائيلي؛ ترفض استئناف المسار السياسي الفلسطيني بزعم أنها لا ترى شريكًا في السلطة الفلسطينية يمكن التفاوض معه، وخشية أن الدخول في معترك سياسي معها قد يحمل بين ثناياه انفراط عقد الائتلاف الحكومي.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، إن لاءات رئيس وزراء دولة الاحتلال نفتالي بينيت، الثلاث: لا اتصال مع الرئيس محمود عباس، ولا مفاوضات، ولا دولة فلسطينية، تدل على أن برنامج حكومته، لا يتمثل الا بتعزيز الاستيطان والاستيلاء على مزيد من الأرض، وحرمان اكبر لشعبنا من مصادره الطبيعية وجرف القاعدة الجغرافية لدولة فلسطين.

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، هي الأولى له مع وسيلة إعلام غير إسرائيلية، وذلك توازياً مع زيارته إلى البيت الأبيض، حيث سيقابل الرئيس الأميركي جو بايدن.

و استبعد بينيت الوصول إلى «اتفاق سلام» مع الفلسطينيين وهو في كرسي رئاسة الحكومة، ولا «في المستقبل المنظور»، مبرراً ذلك بمعارضته لأي سيادة فلسطينية كما «بانقسام وضياع القيادة الفلسطينية».

واعتبر أنه يمكن معالجة معظم المشكلات، بما في ذلك «الصراع مع الفلسطينيين» من خلال «الاقتصاد، الاقتصاد، الاقتصاد”.

اميركا تكتفي بإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي للتفرغ لصراعتها الاخرى

أما الإدارة الديمقراطية فقد اختارت مبكرًا الانسحاب من المنطقة بأسرها، وفيها القضية الفلسطينية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اقتناعًا بأنها لن تجد الحل السحري له من جهة، ومن جهة أخرى لأن لديها إستراتيجية واضحة بالتفرغ لصراعات أهم وأخطر، في نظرها، لا سيما مع روسيا والصين.

بقي الأمر على حاله في النصف الأول من العام الجاري إلى أن اندلع العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو، الذي أجبر بايدن على العودة “مضطرًّا” للانخراط في هذا الصراع، ببدء إرسال مبعوثيه إلى طرفيه، وشهدت رام الله و(تل أبيب) لقاءات أمريكية مكوكية، ركزت في معظمها على الجوانب الاقتصادية، واستئناف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، بعد تجميد إدارة ترامب له.

كما مارست واشنطن ضغوطها على (تل أبيب) لاستئناف إعادة أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، وزيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في الداخل المحتل، والسماح بالبناء في المناطق (ج) بالضفة الغربية، كل ذلك دون الحديث بصورة أو بأخرى عن مسار سياسي بين الجانبين.

يصعب تفسير هذا السلوك الأمريكي ذو الطابع الاقتصادي المعيشي البحت تجاه الفلسطينيين بمنأى عن أي تفاهم مع (تل أبيب)، التي ترى أن القناة الوحيدة لعودة العلاقات الثنائية مع الفلسطينيين هي الاقتصادية، والاقتصادية فقط، لا شك مع استمرار “التعاون الأمني” الذي يشكل أنبوب الأكسجين الحقيقي

وأكد تحليل إسرائيلي لخطاب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام الأمم المتحدة أنه لم يفاجئ القيادة الإسرائيلية، بل جاء مطابقاً لتفاهمات ورسائل تبادلها الطرفان في الفترة الأخيرة.

وقال يونتان ليس، في تحليل نشره في صحيفة “هآرتس”، إن هناك شكا في أن يكون خطاب الرئيس بايدن قد فاجأ شخصاً ما في المستوى السياسي في إسرائيل، فإن العناوين المهمة من الخطاب كانت التصريح العلني الواضح لبايدن بأن رؤية حل الدولتين لا يمكن تطبيقها في المرحلة الحالية، وأن هناك حاجة “لطريق طويل” من أجل تحقيقها.

ويشكل هذا الموقف عملياً تبنياً لموقف وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد ووزير الأمن بني غانتس، اللذين صرحا أكثر من مرة، وفي مناسبات مختلفة، بأنه رغم تأييدهما لحل الدولتين إلا أن هذا الحل غير قابل للتطبيق حالياً.

ووفقاً للتحليل في صحيفة “هآرتس”، فإن تصريح بايدن مهم لرئيس الحكومة نفتالي بينت مرتين، فهو يزيد من قدرة حكومته على البقاء، ويخفف من ضغط أحزاب اليسار المشاركة في لحكومة (حزبي العمل وميرتس)، والمجتمع الدولي للدفع بخطوات سياسية جادة مع السلطة الفلسطينية.

وبحسب الكاتب الإسرائيلي، فإن تصريح بايدن، الذي أكد أيضاً أن “التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل لا جدال فيه، لكن ما زلت أعتقد أن حلّ الدولتين هو أفضل طريق لضمان مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية يهودية تعيش في سلام إلى جانب دولة فلسطينية ديمقراطية وذات سيادة، وقابلة للحياة”، يعكس عملياً مصلحة ثلاثية لكل من السلطة الفلسطينية، وحكومة نفتالي بينت، والإدارة الأميركية، بأنه لا حاجة للدفع بعملية سياسية حادة في السنوات القريبة، مضيفاً أن مسؤولين رفيعي المستوى في السلطة الفلسطينية توجهوا لإسرائيل والولايات المتحدة للقيام بعدة خطوات اقتصادية بدلاً من عملية سياسية.

بدليل أنه وافق على صدور قرارات عن المجلسين الوطني والمركزي تنص على ضرورة إعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال والاتفاقيات المعقودة بين المنظمة وإسرائيل، ولم تطبق رغم مرور سنوات عليها، وتكرار الرئيس محمود عباس لتصريحات حول ضرورة حل السلطة وتسليم مفاتيحها إلى الاحتلال لأنها سلطة بلا سلطة، وأن الاحتلال تنكر للاتفاقيات، وإصداره قرارًا في أيار 2020 بوقف العمل بالاتفاقيات، ثم العودة عنه بعد ستة أشهر، في دلالة على فقدان الاتجاه، والشعور بالعجز، وعدم الإيمان بوجود بدائل وخيارات أخرى، بما يؤدي إلى التعايش مع الأمر الواقع الذي يفرضه الاحتلال، لتغدو السياسة الوحيدة العملية هي التعامل مع هذا الواقع، ومحاولة تحسينه.

ربما يعجبك أيضا