ألمانيا تنتخب.. والجميع يترقب شكل الحكومة القادمة

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

انطلقت العملية الانتخابية صباح اليوم 26 سبتمبر 2021  الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي لألمانيا، حيث أدلى الناخبون الألمان بأصواتهم في انتخابات عامة متقاربة الفرص، يشكل فيها الحزب الديمقراطي الاشتراكي المنتمي ليسار الوسط تحديا كبيرا للمحافظين الذين يستعدون لفترة ما بعد أنجيلا ميركل.

توجه الألمان اليوم الأحد، إلى مراكز الاقتراع لانتخاب ممثليهم للبرلمان الاتحادي “بوندستاغ” ما سيحدد شكل الحكومة المقبلة والشخصية التي ستخلف المستشارة ميركل.

وتتولى ميركل، البالغة من العمر 67 عاما، السلطة منذ عام 2005 لكنها تعتزم الاستقالة بعد الانتخابات مما يجعل التصويت حدثا محوريا في مسار أكبر اقتصادات أوروبا.

يحق لحوالي ثلاثة ملايين شاب وشابة التصويت لأول مرة في حياتهم في هذه الانتخابات التشريعية، ولم تعرف هذه الفئة غير أنجيلا ميركل مستشارة لألمانيا..  فهل تكون هذه الفئة هي بيضة القبان؟ وإلى أي الأحزاب تميل؟  

يرى معظم المراقبين أن تشكيل تحالف من ثلاثة أحزاب هو النتيجة الأكثر ترجيحا للانتخابات، ولم يتمكن أي حزب من تأمين الحصول على أكثر من ربع حصة الأصوات خلال استطلاعات الرأي خلال الحملة.

وفي الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية ركز المحافظون على ما أسموه “الخطر الأحمر” في إشارة إلى حكومة يسارية، خاصة بعد أن قال شولتس 63 عاما إنه لا يستبعد التحالف مع لينكه، لكنه استدرك أيضا بأن عضوية حلف الأطلسي خط أحمر لحزبه، وهو الحلف الذي ينتقده أقسى اليسار بشدة.

وكشفت أحدث استطلاعات لآراء الناخبين الحزب الديمقراطي الاشتراكي تقدما 25% بفارق ضئيل لكن المحافظين ضيقوا الفجوة في الأيام الأخيرة 23% ولم يحسم العديد من الناخبين.  

وتشير أقرب السيناريوهات إلى أن الفائز من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وتحالف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي سيشكل ائتلافا مع الخضر وحزب الديمقراطيين الأحرار

وانضمت المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها إلى مسار الحملة الانتخابية في تجمع حاشد في مدينة آخن  يوم 23 سبتمبر 2021 في محاولة لمساعدة خليفتها المحافظ من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أرمين لاشيت، على سد الفجوة مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، يسار الوسط.

ألمانيا ـ سياسة محافظة 

ألمانيا واحدة من أبرز الدول الملتزمة بالدستور، وهذا ما يجعل سياستها محافظة جدا خاصة لو تحدثنا عن السياسة الخارجية، وصادرات بيع الأسلحة والتقنية المتطورة، وهذا يعني أن ألمانيا ستبقى حريصة على  رفع “شعار دعم حقوق الإنسان والديمقراطية”، خاصة عندما يتعلق الأمر ببيع الأسلحة إلى دول أو أطراف لها وجود في مناطق النزاع.

ولكن السنوات الأخيرة، حاولت ألمانيا أن تخفف من ذلك في صادراتها من الأسلحة، أمام تراجع اقتصادها في ظل جائحة كورونا، واستطاعت بيع بعض الصفقات، وهنا يجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الحاكم أيضا يخضع إلى ضغوطات من أحزاب المعارضة الصغيرة، التي تسربت لها اللوبيات ومنها لوبي الإسلام السياسي في ألمانيا.

العرب في ألمانيا

مشهد اعتيادي فيما، يوم خريفي في شارع Sonnenallee أو ما بات يعرف بـ”شارع العرب” في برلين: اكتظاظ، ومحلات مزدحمة بالمتسوقين، ومطاعم تقدم وجبات عربية شهية، ومقاه ممتلئة بالزوار من مدخني الشيشة وشاربي القهوة والشاي ولاعبي الورق.

لا شيء يدل على وجودك في ألمانيا إلا لافتات باللغة الألمانية من مختلف الأحجام تدعو للتصويت لشخصيات وأحزاب في الانتخابات، والملفت هو بعض اللافتات باللغة العربية تدعو للتصويت بـ”نعم” على الاستفتاء الذي سيجري على هامش الانتخابات بخصوص تأميم شركات سكن خاصة.

يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في عضويته أعداداً ليست بالقليلة من العرب والمنحدرين من أصول عربية ودفع ببعضهم إلى مواقع أمامية في عدة ولايات، بيد أنه فيما يتعلق بترشيح أفراد من أصول عربية على قوائمه للبرلمان الاتحادي فلا يبدو أن حاله أفضل بكثير من نظيره المسيحي الديمقراطي.

لماذا انتخابات هذا العام مختلفة؟

 انتخابات هذا العام تختلف تماما عن انتخابات الأعوام السابقة، خاصة إذا تحدثنا عن أولوية الأجندات للأحزاب المتنافسة أبرزها الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، ثم يأتي بفارق كبير حزب الخضر.

هذه الانتخابات شهدت تراجعا إلى ملف الهجرة، على عكس انتخابات عام 2017 الأخيرة التي شغل فيها ملف الهجرة والمهاجرين اهتمامات الساسة والمراقبين والأحزاب السياسية، اليوم يتقدم ملف المناخ والبيئة على جميع الملفات، بسبب ما يشهده العالم من مشاكل ومعضلات الاحتباس الحراري وتلوث البيئة.

المواطن الألماني يدرك جيدا مخاطر تلوث البيئة ويدعو الأحزاب المتنافسة إلى اعتماد أو الكشف عن برامجهم حول الطاقة النظيفة والبيئية ربما إلى حد منتصف القرن الحالي، ضمان للأجيال القادمة.

الشباب في هذه الانتخابات ظهرت مشاركتهم أكثر من الانتخابات السابقة، من خلال تنظيم المسيرات والتعبير عن مطالبهم بضمان مستقبل أفضل، أما الأعمار المتقدمة في ألمانيا، فهي بدون شك ركزت على رواتب التقاعد، وتحسين رواتب التقاعد والرعاية الصحية، ويذكر أن غالبية الناخبين في ألمانيا هم ما فوق الخمسين عاما.

ما يميز الانتخابات الألمانية دوما، هو لا يستطيع أي من الأحزاب الحصول على  الأغلبية لتكوين الحكومة، وهذا يعني أن الحكومة القادمة مهما كانت النتائج ستكون حكومة ائتلافية من أكثر من حزب وربما من ثلاثة أحزاب هذه المرة، على عكس سابقاتها التي كانت تشكل من الحزب الاشتراكي والحزب المسيحي الديمقراطي.

الانتخابات هذه يستبعد أن يكون هناك تحالفا ما بين الحزبين التقليدين، المقصود هنا الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، الأخير وعد ناخبيه بأنه لا يشترك مع الحزب المسيحي الديمقراطي من أجل تجنب خسارة ناخبيه، إذا الحزب الاشتراكي أما أن يكون في السلطة مع بقية الأحزاب أبرزها الخضر واليسار أو يكون في خانة المعارضة.

الحزب المسيحي الديمقراطي هو الأخر ممكن أن يشكل ائتلاف حكومي مع الخضر ومع الحزب الديمقراطي الحر، وفي جميع التوقعات، فإن حزب البديل من أجل ألمانيا يستبعد من أي ائتلاف قادم، ناهيك عن تراجع شعبيته كثيرا.

وتعود الناخب الألماني أن ينتظر كثيرا وربما بضعة أشهر لتشكيل الحكومة ما بعد ظهور نتائج الانتخابات بسبب آلية تشكيل الحكومة داخل “البندستاغ”.

ومهما كان شكل الحكومة ستبقى سياسة ألمانيا محافظة، مع تغيير نسبي في المشاركة بملفات إقليمية دولية، أما محليا تبقى سياسة ألمانيا كما هي بدون تغيير، وهذا يعود إلى تاريخ هذا البلد وثقافته.

59286836 7

ربما يعجبك أيضا