«المدني والعسكري» في السودان.. خلافات حادة فجّرتها المحاولة الانقلابية

محمود طلعت

محمود طلعت

يشهد السودان في الآونة الأخيرة، تصاعدا في حدّة التوتر بين المكوّنين المدني والعسكري في حكومة الفترة الانتقالية، طفا أثره على السطح بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت يوم الثلاثاء الماضي في الخرطوم.

خلافـات حادة

وفي خطابين شديدي اللهجة وأمام قواتهما، هاجم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، قوى الحرية والتغيير «الائتلاف الحاكم»، في تطور يدلل على تفاقم الخلافات بين شريكي الحكم.

ووجه البرهان ودقلو انتقادات حادة للحكومة المدنية وحاضنتها السياسية، ركزت على التدهور الاقتصادي وصعوبة معيشة السودانيين، وقالا إن صراعهم حول كراسي السلطة ضيّع شعارات الثورة.

720a63b5 b394 4076 b889

في مقابل ذلك، يقر المدنيون بوجود ضائقة معيشية لكنهم يؤكدون أن الاقتصاد بدأ رحلة التعافي منذ يونيو الماضي، كما أنهم يحمّلون نشاط شركات الجيش والأمن بعض المسؤولية عن تردي الاقتصاد.

المكوّن المدني

رد المكون المدني في السودان، لم يتأخر كثيرا، حيث استنكر ائتلاف قوى الحرية والتغيير تصريحات البرهان ودقلو، معتبرا إياها محاولة لعمل شرخ بين قوى الثورة المدنية والقوات المسلحة.

من جهته انتقد تجمع المهنيين السودانيين الشراكة بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، ووصفها بـ«شراكة الخنوع والالتفاف على غايات ثورة ديسمبر» في إشارة إلى المظاهرات التي اندلعت أواخر 2019 وانتهت بإسقاط نظام عمر البشير.

القوات المسلحة

وفي أحدث التصريحات، عقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان، اليوم الأحد، اجتماعا مع قادة الجيش، أكد من خلاله أن الجيش السوداني بعيد عن الاستقطاب السياسي، مشددا على أن دوره هو الحفاظ على وحدة البلاد.

وقال البرهان إن ما يشاع عن نية القوات المسلحة القيام بانقلاب هو «محض افتراء»، مشيرا إلى أن القوات المسلحة هي من أفشلت المحاولة الانقلابية التي كانت ستحدث فتنة في البلاد وأن دورها هو الحفاظ على وحدة التراب.

وأكد حرصه على أن تكون القوات المسلحة محترفة ومهنية وبعيدة عن الاستقطاب السياسي، وعلى استكمال مسيرة الانتقال وصولا للتحول الديمقراطي.

كما تعهّد البرهان، بالعمل على هيكلة القوات المسلحة السودانية، مشيرا إلى أن القوات المسلحة ستختفي من المشهد السياسي بعد إجراء الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية.

المناخ السياسي

من جهته وصف محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة السوداني، علاقة الجانب المدني السياسية مع المكون العسكري في مجلس السيادة بأنها «ليست بخير».

وشدد على أن المناخ السياسي العام يحتاج إلى توافق كبير بين المكوّنين، معتبرا أن انقسام النخبة السياسية على القضايا المهمة سيعجل بنهاية البلاد.

وقال عضو مجلس السيادة السوداني «ليس هناك أوصياء على العملية السياسية في البلاد سوى الشعب، وكل الأطراف شركاء على قدم سواء، لافتا إلى أن ملف العدالة لا يحتاج إلى مجهود بل إرادة سياسية لإنفاذه.

تطورات المشهد

واليوم الأحد انسحبت قوات الجيش والشرطة المكلفة بحراسة لجنة تفكيك نظام الإخوان في السودان بشكل مفاجئ، من مقر اللجنة ومن جميع المنشآت المستردة التي كانت تحرسها؛ وسط تقارير عن وقف الدوائر القضائية تعاونها مع اللجنة.

وأحدث قرار سحب القوات الأمنية عن حراسة 22 موقعا للجنة غضبا في الشارع السوداني، حيث احتشد آلاف السودانيين داخل مقر المجلس التشريعي، مساندين للجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ، متعهدين بحراسة جميع مواقعها التي انسحبت منها القوات الأمنية.

سودانيون داخل مقر لجنة التفكيك بعد سحب قوات التأمين
سودانيون داخل مقر لجنة التفكيك بعد سحب قوات التأمين

وأكد حمزة فاروق مدير مكتب مقرر اللجنة التي شكلت في أعقاب سقوط نظام الإخوان بثورة شعبية في أبريل 2019؛ صدور أوامر من جهات عليا لجميع فرق الحراسة بالانسحاب.

وقال إن ما حدث يعتبر تطور خطير ومحاولة لإجهاض عمل اللجنة التي قامت خلال الأشهر الماضية بمصادرة العديد من الممتلكات والأصول الفاسدة التي استولى عليها عناصر الإخوان من الشعب السوداني خلال فترة حكمهم التي امتدت 30 عاما.

وشدد فاروق على أن مثل هذه الخطوات لن تلين عزيمة اللجنة ولن توقف جهودها لاسترداد أموال الشعب السوداني المنهوبة والمقدرة بمليارات الدولارات.

من جانبه قال عضو مجلس السيادة ورئيس لجنة تفكيك الإخوان المناوب، محمد الفكي: «لم أتخوف بعد سحب حراساتي الشخصية وسأدافع عن السودان ولن نتراجع».

وأضاف أن لجنة تفكيك الإخوان باقية خلال الفترة الانتقالية لتنظيف فلول الجماعة الإرهابية من مؤسسات الدولة السودانية، داعيا السودانيين والغاضبين إلى التحلي بالسلمية وعدم رد الإساءة بأخرى.

فلول نظام البشير

بدوره أكد خالد عمر وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني، في تصريحات مساء اليوم الأحد، من مقر لجنة تفكيك نظام الإخوان، أن محاولة تصوير أن المعركة بين المدنيين والعسكريين خاطئة.

وشدد على أهمية تطبيق الوثيقة الدستورية كما هي وأنه لا يحق لأي جهة الانقلاب عليها، مضيفا «ما حدث اليوم ليس حدثًا معزولًا وهو من ضمن سلسلة من الاعتداءات والأفعال بغرض إضعاف المرحلة الانتقالية وتسهيل الانقلاب عليها».

وقال الوزير السوداني إنه يجب تحديث الجيش السوداني وتصفيته من فلول نظام الرئيس المعزول عمر البشير على أن يكون جيشا موحدا مضيفا «لن ننسى مخططات الوقيعة بين الشعب والجيش».

حمدوك

تحقيــــق العدالة

وتمكنت اللجنة خلال الفترة الأخيرة من إنهاء خدمة العديد من عناصر النظام السابق النافذين في دواوين الخدمة المدنية وإعفاء المئات من بينهم قضاة ووكلاء نيابة تقول إنهم يعيقون تحقيق العدالة وتقدم الفترة الانتقالية.

كما تمكنت من مصادرة واسترداد عدد من الشركات والعقارات والأصول الضخمة التي منحها نظام عمر البشير لنافذين في تنظيم الإخوان ومجموعات وشخصيات تابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

ومنذ 21 أغسطس 2019، يعيش السودان فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام، في 3 أكتوبر الماضي.

وتدير البلاد، خلال الفترة الانتقالية، حكومة مدنية ومجلس سيادة (بمثابة الرئاسة) مكون من 14 عضوا، هم: 5 عسكريين و6 مدنيين و3 من الحركات المسلحة.

ربما يعجبك أيضا