بعد الحظر الصيني.. قطار الـ«بيتكوين» يواصل التقدم ولكن

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بدأت عملة “بيتكوين” الرقمية تستعيد وتيرة الصعود من جديد والتداول أعلى من مستوى الـ44 ألف دولار، بعد أن فقدت نحو 5% من قيمتها يوم الجمعة الماضي، إثر إعلان بنك الشعب الصيني “البنك المركزي” عن حظر جميع الأنشطة المتعلقة بالعملات الرقمية واعتبرها غير قانونية سواء ما يخص معاملات البيع والشراء أو عمليات التعدين.. في خطوة تهدف في الأساس لدعم اليوان الرقمي والقضاء على كل المنافسين “بيتكوين وأخواتها من العملات الرقمية”، لكن هذه الخطوة ستؤثر على حصة الصين من سوق الأصول المشفرة، إذ سيتجه حاملو العملات الرقمية وملوك التشفير من الصينيين إلى بدائل أخرى لتداول هذه العملات خارج الحدود، ما يعني أن قطار البيتكوين سيواصل التقدم رغم الحملة الصينية.

البيتكوين تعود إلى المنحنى الصاعد رغم الحظر الصيني

واصلت البيتكوين خلال تعاملات، اليوم الإثنين، صعودها لتتداول أعلى 44 ألف دولار، حيث ارتفعت بنسبة 2% بحلول الساعة 07:49 بتوقيت جرينتش، لتسجل 44100 دولارا، ولحقت بها الإيثريوم حيث ارتفعت بنسبة 2.2% إلى 3124.1 دولار، كما صعدت الريبل بنسبة 2.3% إلى 97 سنتًا.

ورغم تقلبها بنهاية الأسبوع الماضي على خلفية قرار المركزي الصيني وتداولها دون مستوى الـ41 ألف دولار، تمكنت “البيتكوين” العملة الرقمية الأشهر من الارتفاع خلال اليومين الماضيين وتعويض جزء كبير من خسائرها، إلا أنها ما زالت تتداول أقل من مستوى 65 ألف دولار المسجل في منتصف أبريل الماضي والأعلى خلال هذا العام، الذي ارتفعت منذ بدايته بنسبة 90% مع بعض التقلبات، فيما شهدت عملات مثل إيثريوم ارتفاعا بنسبة 360% ودوج كوين بـ500%.  

قال المركزي الصيني -في بيان عبر موقعه الإلكتروني، في 24 سبتمبر- إن النشاطات التجارية المرتبطة بالعملات الافتراضية هي نشاطات مالية غير قانونية، مضيفا أنها “تهدد بشكل خطير ضمانة أصول الأشخاص”.

ويحظر قرار “المركزي” كل النشاطات المالية التي تنطوي على العملات الرقمية “غير الرسمية”، على غرار تداول العملات المشفرة أو تبادلها بأي صورة أو استخدامها من قبل شركات المدفوعات الإلكترونية أو المؤسسات المالية، كما يحظر القرار على بورصات العملات المشفرة في الخارج تقديم خدماتها لعملاء من البر الرئيسي الصيني، وبحسب نص القرار سيتم التحقيق مع المخالفين وتوجيه اتهامات لهم بارتكاب تهم جنائية.

هذا الحظر هو الأحدث في سلسلة من الإجراءات التنظيمية الصينية لمنع تداول العملات المشفرة ومكافحة غسيل الأموال والمضاربات، ففي العام 2013 منعت بكين المؤسسات المالية من التعامل في سوق البيتكوين، وتعهدت في 2019 بمواصلة استهداف بورصات العملات المشفرة وقامت باعتبار تعدين وتداول هذه العملات نشاطا غير قانوني، لكن الجديد الآن شمول الحظر للتحويلات الخارجية لهذه العملات، وسيكون مصحوبا – بموجب القرار الأخير- برقابة أكثر صرامة من قبل جهات عدة أبرزها البنك المركزي ومحكمة الشعب العليا، والنيابة الشعبية العليا، وإدارة الدولة للنقد الأجنبي.

أسباب الحملة الصينية وهجرة ملوك التشفير

منذ مطلع العام الجاري قامت الصين بإغلاق العديد من منصات العملات الرقمية ومواقع التعدين غير الرسمية، ما أجبر عمال المناجم على الانتقال إلى مواقع خارج البلاد، فبحسب تقرير لـ”واشنطن بوست” نشر في يونيو الماضي، ينتقل هؤلاء العمال بشكل جماعي منذ العام الماضي إلى بلدان مثل أمريكا وكندا وكازاخستان وروسيا والأرجنتين، حفاظا على أرباحهم الهائلة من تعدين البيتكوين وأخواتها.  

ورغم أن تعدين البيتكوين يحتاج إلى الآلاف من أجهزة الكمبيوتر التي تعمل على مدار الساعة وتستهلك كهرباء قد تتجاوز استهلاك مدينة سكنية كاملة، إلا أن العملة الرقمية الشهيرة أثبتت أنها تعود على معدنيها بأرباح تفوق تكلفتها بكثير، يشار هنا إلى أن العديد من أصحاب المناجم غير الشرعية في الصين يلجأ إلى توفير الكهرباء الرخيصة من خلال سرقتها من محطات غالبا تعمل بالفحم، وهنا ظهرت أصوات تؤكد أن صناعة العملات المشفرة تشكل تهديدا حقيقيا للبيئة.

نلاحظ أن حصة الصين من سوق تعدين العملات المشفرة آخذة في التراجع، ففي عام 2018، كانت تمثل 74% من إنتاج البيتكوين حول العالم، والآن هذه النسبة تقدر بـ65%، وسط توقعات بتراجعها إلى أقل من 50% بحلول نهاية العام الجاري، بفعل تشديد إجراءات “المركزي”.

بالتالي فالمتضرر الأول من حملة الصين ضد البيتكوين وأخواتها هو المستثمر المحلي في هذا القطاع، ومع الوقت هذا المستثمر سينجح في تجاوز القيود اعتمادا على منصات التداول غير المركزية التي لا تتطلب وسيط بين البائع والمشتري للبيتكوين أو بمعنى أخر لا تتطلب تسوية بنكية باليوان، وبالنسبة لعمال المناجم أو المعدنين فتكلفة الانتقال إلى بلدان أخرى تظل منخفضة مقارنة بعوائد عمليات التعدين للبيتكوين.

يرى البعض أن السبب الرئيس لهذه الحملة الصينية، هو مكافحة الخروج على النظام المصرفي شديد المركزية ومنع تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج وكافة أشكال الاستثمارات غير المشروعة.

ونظرا لأن العملات الرقمية تستهلك كميات مرتفعة من الطاقة، تصبح حرب الصين ضد البيتكوين لها بعد بيئي، إذ تستهدف تحقيق أهدافها المناخية، المتمثلة في أن تصبح محايدة للكربون بحلول 2060.

ميلتيم ديميرورز كبيرة مسؤولي الاستراتيجية في CoinShares ترى -في تصريح لشبكة “سي إن بي سي”- أن قرار الحكومة الصينية من المحتمل أن يكون مدفوعًا بتطوير اليوان الرقمي، أي أنه حماية للنسخة الرقمية من العملة الوطنية والمدعومة من المركزي الصيني من المنافسة، قبيل تعميم تجربة تداولها -التي بدأتها البلاد العام الماضي- في عدد من المناطق.  

الصين ليست الأولى ولن تكون الأخيرة

الصين ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تتحرك ضد البيتكوين، فهناك عدة دول قامت بحظر تداول العملات الرقمية أو تقييد تعاملاتها بشكل متفاوت، باعتبارها عملة لا مركزية تخضع للمضاربة ويتحكم فيها مجموعة مستقلة من الأشخاص بما يهدد مكانة النظام المصرفي للدول، فعلى سبيل المثال تحظر دول استخدام العملات الرقمية بشكل كامل مثل بوليفيا منذ 2014 والجزائر وإندونيسيا منذ 2018، فيما تحظر دول أخرى استخدامها من قبل المؤسسات المالية مثل كولومبيا منذ 2018، بينما في روسيا وتحديدا في العام الماضي صدر أول تشريع ينظم تداول هذه العملات باعتبارها أصول خاضعة للضرائب.

“رون إنسانا” كبير المستشارين لدى شركة الخدمات المالية والاستشارية “شرودرز” البريطانية، يقول في تصريحات لـ”سي إن بي سي”-  الحظر التام واللوائح الصارمة التي تضغط على قيمة العملات المشفرة، أمور ترسل رسالة مفادها أن المبدأ الأساسي الذي يستند إليه التشفير معيب وغير مقبول، قد تكون الصين أول من يحظر هذه العملات لكن من المؤكد أنها لن تكون الأخيرة.

قد تقوم بلدان أخرى خلال الفترة المقبلة بفرض قيود تنظيمية على سوق العملات والأصول المشفرة، وربما تكون البداية من أمريكا ففي منتصف هذا الشهر أفادت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، بأنها تستعد لإنشاء مجموعة من القواعد للإشراف على هذه السوق المتقلبة، فإذا كان حاملو العملات الرقمية في الصين وهونج كونج الآن يسعون لحماية أصولهم المشفرة قدر الإمكان، فعلى نظرائهم في أمريكا بل والعالم ككل الاستعداد لخطوات مماثلة في المستقبل، لكن تبقى حقيقة واحدة وهي أن العملات المشفرة باتت واقعا لا مفر منه ولا يمكن القضاء عليها تماما بقبضة حديدية من الدول وبنوكها المركزية لكن فقط يمكن تنظيمها وتقنين أوضاعها.

ربما يعجبك أيضا